ترامب يواصل الصعود والاستهتار بالتقاليد الانتخابية

تاريخ النشر: 28 يناير 2016 - 08:00 GMT
المرشح الجمهوري لمنصب الرئاسة دونالد ترامب
المرشح الجمهوري لمنصب الرئاسة دونالد ترامب

واصل المرشح الجمهوري لمنصب الرئاسة دونالد ترامب تحديه لمختلف الأعراف والمعايير المعمول بها في الانتخابات الحزبية التمهيدية، إذ أعلن انسحابه من المناظرة الأخيرة بين المرشحين الجمهوريين قبل الانتخابات الحزبية الأولى في ولاية آيوا في الأول من شباط، احتجاجاً على ما اعتبره معاملة سيئة من شبكة "فوكس" الأميركية للتلفزيون التي نظمت المناظرة.
ذلك أنه منذ المناظرة الأولى للجمهوريين قبل 5 أشهر، ساءت العلاقة بين المحطة وترامب، لأن ماغين كيلي، إحدى أبرز مقدمات البرامج في "فوكس"، سألته عن مواقفه المهينة للنساء، الامر الذي وضعه في موقع دفاعي محرج اعتبره هجوماً مدبراً من الشبكة ضده.
وفي اليومين الماضيين أدت المواجهة بين ترامب وكيلي و"فوكس" والإهانات المتبادلة إلى انحسار السجال الانتخابي الى مستويات "صبيانية" غير معهودة، اقترنت بسخرية باقي المرشحين من ترامب ونعته بالجبن. وتحول التحدي الذي وجهه إلى ترامب منافسه الرئيسي السناتور تيد كروز الى مبارزة ثنائية بينهما مادة دسمة للفكاهيين، ودفع ببعض المعلقين للتسليم بعجزهم عن تفسير غرابة ظاهرة ترامب والسباق الجمهوري الى البيت الابيض.
ومنذ إعلانه عن قراره، حقق ترامب ما ينشده، أي فرض هيمنته الكاملة على السجال الانتخابي. وصار موضوع مقاطعته للمناظرة وحربه المستعرة مع "فوكس"، الشبكة المفضلة للمحافظين والمتشددين يمينياً، مدار جدل بشأن ما إذا كان سيضره أم سيضاف الى انتهاكاته العديدة للأعراف والمقاييس الانتخابية والتي لم تؤثر عليه سابقاً، بل ربما ساهمت في إيجاد الانطباع، وخصوصاً في أوساط مؤيديه بأنه محصن ضد كل المُسلمات والقواعد القديمة. ويتهافت المرشحون عادة للمشاركة في المناظرات التي يشاهدها ملايين الناخبين. وهذه المرة الأولى يتحدى مرشح جمهوري القيادة التقليدية للحزب، أو ما يسمى "المؤسسة الجمهورية"، بما في ذلك إهانة شخصيات جمهورية معروفة مثل السناتور جون ماكين، وطبقة مثقفي الحزب ومنظريه.
ونشرت مجلة "ناشيونال ريفيو" أخيراً عدداً خاصاً بعنوان "ضد ترامب"، وفيه عدّد 22 معلقاً محافظاً مساوئ الرجل وخطره على مستقبل الحزب الجمهوري.
ولا تُنسى إهانات ترامب النابية للمهاجرين غير الموثقين أو المتحدرين من أصول أميركية-لاتينية، إلى المسلمين، ومواقفه التمييزية ضد النساء. وبعد كل موقف منه كان البعض يتوقع انهيار حملته، لكنه كان يخرج أقوى من السابق.
ومن الواضح ان ترامب وضع إصبعه على نبض شريحة من الأميركيين الغاضبين الذين فقدوا ثقتهم بالنخبة الجمهورية في الوقوف في وجه التغييرات الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية التي تعصف بالبلاد والتي تمثلت بانتخاب باراك اوباما، وانحسار عدد البيض في البلاد في مقابل ارتفاع عدد المهاجرين والأقليات، إلى تراجع فرص التوظيف، والانطباع العام بأن مكانة اميركا في العالم تتدهور باستمرار.
وتميزت الدورة الانتخابية الحالية بهيمنة ما يمكن تسميته بالمرشحين "الخوارج" الذين طرحوا أنفسهم كمخلصين للشعب الأميركي من براثن نخب تقليدية جمهورية وديموقراطية لا تختلف جوهرياً عن بعضها البعض وتسيطر على صنع القرار في واشنطن وتمارس اللعبة السياسية وفقاً للتسويات والحلول الوسط والمساومات، وهي ممارسات يعتبرها الكثير من الناخبين المهمشين فساداً سياسياً يتطلب الخلاص منه نوعاً من التمرد الشعبي. وهذا ما يفسر ظاهرة ترامب ومنافسه الجمهوري القوي السناتور تيد كروز الذي يطرح نفسه مثل القطب المالي على أنه آت من خارج الطبقة السياسية التقليدية لتغيير قواعد اللعبة الفاسدة في واشنطن.
وإذا كان ترامب وكروز يلعبان على مخاوف الناخبين المحافظين من ذوي الدخل والتعليم المحدودين، فان ظاهرة المرشح الديموقراطي-الاشتراكي برنارد ساندرز الذي فاجأ المرشحة هيلاريكلينتون ووضعها في موقع دفاعي محرج، تعكس حال الاستياء والتوق الى تغيير حقيقي في اوساط الليبراليين والتقدميين الذين يعتقدون أن اوباما لم يقم بما يكفي لتغيير ممارسات واشنطن التقليدية أو تطبيق أجندة تقدمية حقيقية من النواحي الاجتماعية والاقتصادية.
وقبل ايام قليلة من انتخابات ولاية آيوا والانتخابات التالية في ولاية نيوهامبشر في التاسع من شباط، لا يزال ساندرز متقدماً على كلينتون في الولايتين في استطلاعات الرأي، بينما يبقى ترامب مسيطراً على السباق الجمهوري في الولايتين. ويأمل ساندرز وترامب في استخدام زخم آيوا ونيوهامبشر لتعبئة القاعدة الانتخابية وتوسيعها وجذب المزيد من التبرعات المالية والتأييد من السياسيين المحليين، وإحداث انطباع بأن ماكينتهما الانتخابية غير قابلة للتوقف.
وبعد نحو ستة أشهر من المهرجانات الخطابية التي تُعطى فيها الوعود بسخاء وجمع التبرعات المالية والدعايات المملة والمناظرات المسرحية والتعهدات المبالغ فيها بتغيير أميركا والعالم، إلى التصدي لعنجهية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وردع ايران وقصم ظهر تنظيم "الدولة الاسلامية" ("داعش")، سيبدأ الناخبون الاميركيون في ولاية صغيرة لا يزيد عدد سكانها عن 3 ملايين نسمة وهي الولاية الأكبر في انتاج الذرة والخنازير في البلاد، باختيار مرشحهم لأطول سباق رئاسي في العالم.