بعد هجوم عنيف على قناة تلفزيونية وتصعيد القتال حول دمشق والحديث عن تزايد الدعم الخارجي السري تقترب معركة المعارضة السورية المسلحة من الرئيس بشار الأسد شيئا فشيئا أكثر من أي وقت مضى.
وفي كلمة ألقاها مساء الثلاثاء قال الأسد إن البلاد الآن في "حرب" وإن على جميع قطاعات الحكومة والبلاد توجيه طاقاتها للمجهود الحربي. وتشير سلسلة من الانشقاقات داخل الجيش في الآونة الأخيرة الى أنه ربما يكون حتى بعض مؤيديه ضاقوا ذرعا بتطورات الاحداث لكن معظم المحللين والمسؤولين الأجانب يعتقدون أن حكومته تستطيع الصمود خلال عام 2013.
ويمثل إسقاط طائرة استطلاع تركية يوم الجمعة احدث مؤشر على تدويل الصراع تدريجيا وهناك مؤشرات متزايدة على أن قوى خارجية قد تنجر إليه بدرجة أعمق شاءت أم أبت.
في الوقت الحالي لا يعتقد كثيرون أن هناك احتمالا لتدخل عسكري خارجي قريبا على غرار التدخل الذي حدث في ليبيا العام الماضي وساعد في إسقاط الزعيم الراحل معمر القذافي. لكن محللين يرون أن من شبه المؤكد أن أحد الدروس المستفادة من العام الماضي هي أن الحسم سيكون في العاصمة.
في ليبيا اجتاح مقاتلو المعارضة الذين استعانوا بأسلحة مهربة وأخرى أسقطت عليهم من طائرات وبدعم من مستشارين من قوات خاصة عربية وغربية العاصمة طرابلس دون صعوبات تذكر. لكن من غير المرجح رؤية هذه المشاهد في سوريا قريبا.
وقال ديفيد هارتويل محلل شؤون الشرق الأوسط بمؤسسة (آي.إتش.إس) جينز "دمشق أساسية فهي المكان الذي تستطيع أن تقطع فيه رأس الأفعى."
وأضاف "من الواضح أن الهجوم على المحطة التلفزيونية يمثل علامة فارقة جديدة. لكن هجمات وانتفاضات حدثت في دمشق من قبل ولم تؤد الى شيء. السؤال هو ما اذا كانوا يستطيعون مواصلتها."
وقالت وسائل إعلام حكومية سورية إن مقاتلي المعارضة اقتحموا مقر قناة الاخبارية الموالية للحكومة وتقع على بعد 20 كيلومترا جنوبي العاصمة ودمروا مبنى وقتلوا ثلاثة موظفين بالرصاص.
كما شهد يوم الثلاثاء مستويات من القتال لم يسبق لها مثيل في ضواح أخرى من دمشق منها اشتباكات حول مقر الحرس الجمهوري غير أن حدتها خفت فيما يبدو يوم الأربعاء.
من حيث المبدأ لا تزال القوى العالمية ملتزمة بالدبلوماسية والتي يقود جهودها الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان. لكن بعض الدبلوماسيين يعتقدون أن المحادثات الدولية بشأن سوريا والمقرر إجراؤها الاسبوع القادم في جنيف ربما لا تتم بسبب حدة الخلافات.
وعلى الرغم من آمال الغرب في إقناع روسيا بالتخلي عن حليفها الأسد فإن موسكو فيما يبدو عقدت العزم على مساندته موضحة أنها تنوي إرسال عدة طائرات هيلكوبتر هجومية على الرغم من تنديد واسع النطاق بهذه الخطوة.
في الوقت نفسه فإن الدول الغربية والعربية التي تبنت موقفا متحفظا في البداية تزيد من دعمها لمقاتلي المعارضة فيما يبدو.
ووفرت تركيا ملاذا آمنا للجيش السوري الحر على اراضيها. وبعد حادث إسقاط الطائرة ربما ترغب في زيادة الدعم وتسمح لدول أخرى بأن تفعل مثلها.
وقالت منى يعقوبيان المسؤولة السابقة بوزارة الخارجية الاميركية وتعمل حاليا مستشارة لشؤون الشرق الاوسط بمركز ستيمسون البحثي في واشنطن العاصمة "شعوري هو أن إسقاط (الطائرة التركية) يصعد التوتر الإقليمي بالتأكيد ويزيد احتمال تدخل عسكري (في المدى الاطول)."
وفي وقت سابق من الشهر الحالي قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيج إن على القوى الخارجية أن تنظر إلى سوريا باعتبارها أكثر شبها بالبوسنة في التسعينات بدلا من التطلع إلى شن حملة على غرار ليبيا.
ويعتقد البعض وبينهم مسؤولون بوزارة الخارجية أن الهدف من هذا هو التلميح إلى أنه بغض النظر عن النية فإن دولا أخرى منها بريطانيا قد تضطر في نهاية المطاف إلى التدخل العسكري.
لكن التدخل الحقيقي سيتطلب عشرات الآلاف من الجنود ليصبح أشبه بالغزو الامريكي للعراق عام 2003 . وفي ظل إنهاك الدول الغربية بسبب الحروب الأخيرة والأزمة الاقتصادية يصبح الحماس محدودا.
ويقول خبراء إن إسقاط الطائرة التركية بهذه السهولة فيما يبدو يذكر بالمخاطر.
ولا تستطيع سوى الولايات المتحدة أن تشن الهجوم الكاسح اللازم على الدفاعات الجوية السورية لفتح الباب أمام عمل عسكري أوسع نطاقا. وتقول مصادر عسكرية إن من الممكن أن يتطلب هذا حاملتي طائرات وعشرات الطائرات على الأرجح التي تنطلق من قواعد في تركيا وقبرص وغيرها.
والدفاعات الجوية لسوريا اقوى كثيرا من الدفاعات الجوية الليبية العام الماضي ومن دفاعات الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 2003 . ولم تضطلع القوات الجوية الاميركية بمهمة من هذا النوع منذ حرب كوسوفو عام 1999 على الأقل.
وقال مصدر عسكري غربي طلب عدم نشر اسمه لأنه غير مسموح له بالحديث عن الموضوع الى الصحافة "سيكون من الصعب على نحو خاص فرض منطقة حظر جوي."
وأضاف "أي نوع من الملاذ الآمن سيتطلب قدرات حربية رفيعة المستوى وقوة برية كبيرة جدا ومن شبه المؤكد أن هذا خارج نطاق إمكانيات اي قوة تدخل محتملة نظرا للتخفيضات التي طرأت في الآونة الأخيرة على الإنفاق الدفاعي."
وستكون أغلبية أي قوة برية تدخل سوريا من تركيا على الأرجح وهو احتمال يتوقع أن يحرص المسؤولون في أنقرة على تفاديه.
وفي حين ان معظم جيش القذافي تفكك في المراحل الاولى من الانتفاضة في ليبيا فإن الجيش السوري تهيمن عليه الأقلية العلوية ويرجح أن يقاتل بشراسة أكبر حتى ولو ضد قوات اجنبية.
وإذا سقط الأسد أو فر إلى الخارج فإن بعض المحللين يعتقدون أن سوريا ستنزلق إلى مزيد من الفوضى. في ذلك الحين يمكن أن تواجه الدول الاجنبية خطر دخول متشددين مرتبطين بتنظيم القاعدة وايضا احتمال اندلاع المزيد من أعمال العنف العرقي.
وفي غياب الأسد يمكن أن تجد الأقلية العلوية نفسها ضحية لهجمات انتقامية بعد تقارير عن وقوع مذابح في مناطق يغلب على سكانها السنة في الأسابيع القليلة الماضية.
وقال ارام نرغيزيان الباحث الزائر وخبير الشؤون السورية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن "التحديات المحيطة بسوريا تتجاوز الأسد.
"التجربة السورية بعد الاستعمار مازالت تتبلور... التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والطائفية... يمكن أن تستغرق سنوات إن لم يكن عقودا حتى تتكشف."
وعلى الرغم من المخاوف على المدى الطويل فإن هناك مؤشرات على ان الدول الغربية والعربية قررت أن المساعدة في دفع الجيش السوري الحر نحو تحقيق الانتصار ربما تكون الخيار الوحيد.
وقال كريستوفر ستاينيتز المحلل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط بمركز التحليل البحري خارج واشنطن وهو جزء من مركز (سي.إن.إيه) البحثي الذي تموله الحكومة "ما زلت لا أعتقد أن القوى الغربية ستتدخل."
وأضاف "ليس هناك من سيتحرك منفردا. بصراحة أعتقد أن جميع الاطراف في هذه المرحلة ستظل تعتبر أن الدعم السري للمعارضة استراتيجية رابحة. ليس هناك داع للتدخل المباشر."
وعلى الرغم من أنه لا يوجد تأكيد رسمي فإن هناك حديثا متزايدا عن عمل قوات خاصة أجنبية خاصة بريطانية وربما أيضا أميركية وقطرية وفرنسية وغيرها في إقليم هاتاي الحدودي التركي.
وأشار موقع دبخا ومقره اسرائيل يوم الثلاثاء الى أن قوات خاصة بريطانية دخلت الاراضي السورية بصحبة قوات من المعارضة. وفي الوقت الحالي لايزال معظم الخبراء متشككين في ذلك لكن الاحتمال قد يتزايد.
ويعتقد أن تدفق الاسلحة على قوات المعارضة في تصاعد. ويقول محللون إن هناك حاجة ماسة إلى أسلحة مضادة للدبابات وربما صواريخ مضادة للطائرات على الرغم من المخاوف من أنها قد تسقط في الأيدي الخاطئة في نهاية المطاف.
وقال هارتويل من مؤسسة (آي.إتش.إس) جينز "لن يتم الاعتراف بهذا رسميا لكنني لن أندهش اذا كانت وكالة المخابرات المركزية الاميركية او اي نوع من القوات الخاصة كان يعمل في هاتاي لبعض الوقت.
"ما كنت لأظن أنهم يعملون عبر الحدود. لكنهم سيقومون بالتدريب والتنسيق وفحص الصور التي تلتقطها الأقمار الصناعية. وبعد ما حدث الأسبوع الماضي أعتقد أن الأكراد لن يهتموا كثيرا بالحفاظ على السر."