غادر المراقبون العسكريون التابعون للامم المتحدة دمشق يوم الاثنين بعد مهمة استمرت أربعة اشهر اصبحوا خلالها مجرد مشاهدين عديمي الحيلة للصراع المحتدم في سوريا وقال ناشطون ان القوات الحكومية شنت هجمات جوية قرب العاصمة اسفرت عن مقتل 24 شخصا.
وقال ناشطون وسكان ان طائرات هليكوبتر عسكرية هاجمت ضاحيتي المعضمية وداريا جنوبي دمشق مما أدى لسقوط هذا العدد من القتلى الذي لا يمكن التحقق منه من مصادر مستقلة.
وقال ناشط في داريا متحدثا شريطة عدم الكشف عن اسمه "يبدو انهم اشتبهوا في وجود مقاتلين من المعارضة في المنطقة."
وقالت ربة منزل عبر الهاتف ان طائرات الهليكوبتر قصفت على ما يبدو اهدافا في حي كفر سوسة في غرب دمشق.
وأظهرت لقطات مصورة على موقع يوتيوب عدم وجود اي حركة في شوارع المعضمية ولا يكسر حاجز الصمت سوى القصف.
وتناوبت القوات الحكومية ومقاتلو المعارضة السيطرة على المعضمية عدة مرات كما هو الحال في العديد من المناطق الاخرى في حرب ليست لها جبهات واضحة.
وقال مراقب رفض الكشف عن اسمه قبل ان تغادر سبع سيارات تابعة للامم المتحدة فندقا بدمشق وهي تقل عددا من اخر اعضاء المهمة التي كان قوامها 300 فرد ذات يوم "مهمتنا فشلت لان الجانبين لم يلتزما بتعهداتهما."
وعلق المراقبون غير المسلحين عملياتهم في يونيو حزيران بعد ان تعرضوا لاطلاق نار وغادر معظمهم البلاد بالفعل تاركين مكتب اتصال صغيرا في العاصمة السورية على أمل أن تلوح فرصة للتوصل إلى تسوية سياسية للازمة.
ويستخدم الأسد مقاتلات وطائرات هليكوبتر حربية في قصف معاقل مقاتلي المعارضة في محاولته إخماد الانتفاضة التي تفجرت منذ 17 شهرا ضد حكم اسرته المستمر منذ 42 عاما. وصعد مقاتلو المعارضة هجماتهم وأصابوا دبابات وقوافل عسكرية ومباني امنية.
وانتهى تفويض بعثة المراقبة مساء الأحد بعد ان قال دبلوماسيون في الامم المتحدة ان شروط استمرار عملياتها غير متوافرة. ويتوقع ان يغادر آخر مراقبين البلاد يوم الجمعة.
وبعد هدوء قصير اشتدت اعمال العنف اثناء وجود المراقبين في سوريا وقتل 9000 شخص على الاقل منذ وصولهم للاشراف على وقف لاطلاق النار اعلن عنه كوفي عنان الوسيط السابق للامم المتحدة والجامعة العربية يوم 12 ابريل نيسان.
ولم تصمد الهدنة على الاطلاق. وقتل 18 الف شخص على الاقل في سوريا منذ بدء الانتفاضة. وتشير تقديرات الامم المتحدة الى ان 170 الف شخص على الاقل هربوا من البلاد كما نزح 2.5 مليون شخص إلى أماكن أخرى داخل سوريا.
ويشكو مقاتلو المعاضة من ان القوى الاجنبية لا تمدهم بكمية أو نوعية الأسلحة التي يحتاجون اليها لهزيمة الأسد مثل الصواريخ المضادة للطائرات.
وتقول فرنسا شأنها في ذلك شان الولايات المتحدة وبريطانيا انها لا تقدم للمعارضة السورية سوى المساعدات غير العسكرية وتستبعد تزويدهم بالاسلحة خشية وقوعها في ايدي من لا يجب ان تكون في ايديهم.
وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ان قطر والمملكة العربية السعودية من بين الدول التي تسلح المعارضة السورية في حين ان الدول الاوروبية فرضت حظرا للسلاح على سوريا.
وقال فابيوس الذي سيستضيف اجتماعا لوزراء الخارجية بشان سوريا في الامم المتحدة في 30 أغطس آب "بالنسبة للاسلحة الثقيلة وبصفة خاصة (التي تستخدم) لتدمير الطائرات فهناك مشكلة كبيرة. لا نستطيع تقديم اسلحة في اوضاع يمكن للاشخاص الذين نزودهم بها ان يستخدموها ضدنا فيما بعد."
وتتعارض تصريحاته التي ادلى بها لإذاعة اوروبا 1 مع تأكيد روسي على ان الغرب يزود مقاتلي المعارضة السورية بالسلاح.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي جينادي جاتيلوف ان هناك أدلة متزايدة على ان المعارضة السورية تحصل على "امدادات كبيرة من الاسلحة الغربية الصنع".
ورغم ان قوات الأسد تفوقهم عددا وعتادا تمكن مقاتلو المعارضة من السيطرة على أحياء في دمشق وحلب الشهر الماضي بالاضافة الى عدة معابر حدودية وأجزاء في شمال البلاد قبل ان تشن قوات الأسد هجمات مضادة في المدينتين الرئيسيتين.
وفي أول ظهور علني منذ تفجير 18 يوليو تموز الذي قتل فيه أربعة من كبار مسؤولي الامن حضر الاسد صلاة عيد الفطر في مسجد بدمشق يوم الاحد.
وقال المرصد السوري لحقوق الانسان ان اكثر من 120 شخصا قتلوا يوم الاثنين في معارك في سوريا.
ومع تعثر الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب بسبب الخلافات بين القوى العالمية والمنافسة بين الدول العربية فإن سوريا تواجه صراعا طويلا يهدد الشرق الاوسط بتداعياته الطائفية.
ونقلت صحيفة حريت التركية عن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو قوله يوم الاثنين ان الأمم المتحدة ربما تحتاج لإقامة "منطقة آمنة" داخل سوريا لاستيعاب العدد المتزايد من النازحين الفارين من القتال.
وقال الوزير للصحيفة إن تركيا التي تستضيف بالفعل 70 ألف سوري ربما لا تتمكن من استيعاب المزيد.
ونقل عنه قوله "اذا زاد عدد اللاجئين في تركيا على 100 ألف فلن يكون هناك مكان لايوائهم. ينبغي ان نتمكن من ايوائهم في سوريا. الامم المتحدة قد تقيم مخيمات في منطقة آمنة داخل حدود سوريا."
وتمثل الانقسامات داخل مجلس الامن عقبة كبيرة امام اقامة اي ملاذ آمن تحت رعاية الامم المتحدة لأنه سيحتاج إلى حماية عسكرية قوية اذا لم توافق سوريا على مثل هذه المناطق.
وساعدت منطقة حظر جوي وحملة قصف شنها حلف شمال الأطلسي مقاتلي المعارضة الليبية على الإطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي العام الماضي. ولم يبد الغرب رغبة تذكر في تكرار مثل هذه الخطوة في سوريا كما أن روسيا والصين تعارضان بشدة أي تدخل من هذا النوع.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يوم الاثنين إن مجلس الامن التابع للامم المتحدة هو الوحيد الذي يستطيع اعطاء التفويض باستخدام القوة ضد سوريا محذرا مما وصفه بفرض "ديمقراطية بالقنابل".
ويتهم الغرب موسكو التي باعت أسلحة لدمشق بنحو مليار دولار في العام الماضي بمنح الاسد غطاء دبلوماسيا من خلال تكرار استخدام حق النقض (الفيتو) لمنع صدور قرارات في مجلس الامن التابع للامم المتحدة بشأن سوريا.
وانضمت روسيا والصين إلى الغرب في دعم جهود عنان لكن خطته للسلام التي ايدتها الامم المتحدة لم تتمكن من وقف الصراع وبات من الصعب معرفة اتجاه الخطوة القادمة في الدبلوماسية الدولية.
واختير الدبلوماسي الجزائري الاخضر الابراهيمي مبعوثا دوليا جديدا إلى سوريا ليحل محل عنان الذي سيترك مهمته في نهاية الشهر والذي قال ان على الأسد ان يتنحى.
واجتمع الابراهيمي مع الرئيس الفرنسي فرانسوا اولوند في باريس يوم الاثنين في اول محادثات مع زعيم اجنبي منذ توليه المنصب الاسبوع الماضي.
وقال الابراهيمي بعد جلسة استغرقت 45 دقيقة مع اولوند "انا في وضع استماع".
وتراجع الابراهيمي عن تصريحات اشار فيها على ما يبدو إلى اعتقاده بأن من المبكر الحديث عن تنحي الأسد. وقال في توضيح لما صرح به ان ما قاله هو ان من المبكر بالنسبة له الحديث عن مهمته بأي حال من الاحوال.
وأغضبت تصريحاته المعارضة السورية وايضا الحكومة. ونقلت الوكالة العربية السورية للانباء عن وزارة الخارجية السورية قولها "ليس من مهام أي دولة أو طرف أو مبعوث أممي الحديث عمن يقود سوريا لأن الشعب السوري وحده صاحب هذا القرار."