يؤكد مسؤولون أن مقتل اكثر من الف عراقي في تفجيرات على مدى شهرين لم يكن كافيا لإعادة البلاد الى أعمال العنف الطائفية الشاملة التي شهدتها البلاد منذ بضع سنوات.
لكن هذه التطمينات لا تؤثر في نفوس ابناء بغداد القلقين مثل أثير وهو عامل توصيل طلبات بدأ يحد من تحركاته مجددا خوفا من فرق الإعدام الطائفية.
وألقى مسؤولون حكوميون باللائمة عن تزايد الهجمات الذي أذكاه الصراع في سوريا على إسلاميين متشددين عراقيين من السنة بعضهم متحالف مع مقاتلي المعارضة الإسلاميين هناك.
وقال اثير (21 عاما) الذي اكتفى بذكر المقطع الاول من اسمه "توقفت عن ارتياد بعض الأماكن. بعض المناطق السنية لأنني لم أعد أشعر بالأمان هناك لأنني شيعي."
وأضاف "لم نسمع عن أمور كهذه منذ عام 2008."
وقتل 25 شخصا على الاقل في وقت مبكر يوم الخميس في بغداد بعد يوم من تفجيرات أودت بحياة نحو 130 شخصا في العاصمة وهي أعمال عنف خربت حياة الناس ودمرت اقتصاد واحدة من أغنى دول العالم بالنفط.
ومنذ ابريل نيسان فقط قتل 1100 شخص على الاقل سقط اكثر من 700 منهم الشهر الماضي وفقا لما ذكرته الأمم المتحدة مما يجعله الشهر الاكثر دموية منذ نحو خمس سنوات ناهيك عن أنه الاكثر دموية منذ أنهت القوات الامريكية احتلالا استمر ثماني سنوات في اواخر عام 2011.
لكن عدد القتلى في ابريل نيسان يقترب بالكاد من ربع عدد القتلى في ذروة أعمال العنف عامي 2006 و2007 حين كان ثلاثة آلاف واكثر يموتون كل شهر ويقول مسؤولون في الإدارة التي يقودها الشيعة إن الوضع مازال ليس بالسوء الذي كان عليه من قبل.
وهم يلقون باللوم على متشددين بين الأقلية السنية التي هيمنت على العراق قبل الغزو الامريكي الذي أطاح بالرئيس الراحل صدام حسين ويقولون إن ميليشيات شيعية لم ترد بعد مثلما حدث عام 2006 لكنهم يحذرون من أنها اذا ردت فإن الحياة ستكون صعبة فعلا.
وقال مسؤول كبير بالمخابرات لرويترز "في الوقت الحالي لا توجد دلائل تشير الى أن الميليشيات الشيعية ترد. لكن اذا زادت هذه الهجمات فمن الممكن أن نعود الى عام 2006."
ومن بين المخاوف الكبيرة بين المسؤولين في بغداد احتمال قيام دولة سنية إسلامية في سوريا التي انضم مقاتلون عراقيون الى طرفي الصراع الدائر بها الذي يعبر عن مواجهة إقليمية أوسع نطاقا تضع السنة ودولا سنية مثل السعودية في مواجهة الشيعة المدعومين من إيران.
في العراق يردد المتشددون شكاوى السنة المنتشرة على نطاق واسع من حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي وهو شيعي يعتبر كثيرون أنه مقرب من إيران ومن الرئيس السوري بشار الاسد. ولم تقتصر هجماتهم بالقنابل والرصاص على قوات الجيش والشرطة العراقية وإنما اصابت ايضا مساجد شيعية ومقاهي وأسواقا من شمال البلاد الى جنوبها.
ودفع المالكي الذي سعى جاهدا للاحتفاظ بالسنة داخل حكومة اقتسام السلطة التي يقودها بقوات الأمن لمواجهة ميليشيات سنية. وأثار سقوط عشرات القتلى الشهر الماضي بعد هجوم شنه الجيش على اعتصام للسنة قرب كركوك موجة جديدة من أعمال العنف.
ويقول مسؤولو أمن حكوميون إنهم لا يعتقدون أن الميليشيات الشيعية الرئيسية مثل جيش المهدي وعصائب الحق وكتائب حزب الله انضمت للقتال داخل العراق على الرغم من أن بعضها يرسل مقاتلين الى سوريا لمواجهة مقاتلي المعارضة السنة هناك.
لكن أهدافا سنية شهدت تفجيرات ومنها مساجد ويقول زعماء ميليشيات شيعية إنهم يستعدون للقتال. وهناك مؤشرات على أن بعض وحداتها تستعرض قوتها. وقام متشددون شيعة وإن كانوا غير مسلحين بدوريات في الشوارع يوم الاثنين في أحد أحياء بغداد بعد سلسلة تفجيرات هناك.
ويخشى كثيرون في بغداد من ان تعاود فرق القتل على أساس طائفي الظهور.
وفي تذكرة بالوقت الذي سيطرت فيه الميليشيات على أجزاء من العاصمة أنحى مسؤولون باللائمة على مسلحين شيعة هذا الشهر في مهاجمة متاجر للخمور وفي قتل مجموعة من العاهرات.
لكن مسؤولي أمن يقولون إن أعداءهم الرئيسيين هم جيش النقشبندية المرتبط بضباط سنة كانوا مقربين من صدام وتنظيم دولة العراق الإسلامية جناح القاعدة بالعراق.
ووفر لهم غياب القوات الامريكية مجالا أرحب. وكان هناك ما يصل الى 170 الف جندي أمريكي في العراق عام 2007 حين قامت الولايات المتحدة "بزيادة" أعدادها لإخماد الصراع بعد تفجير ضريح شيعي مهم في فبراير شباط عام 2006 مما دفع الميليشيات الشيعية الى الانتقام وحول مدنا الى مناطق طائفية.
وفي حين أنه تحت تصرف المالكي قوات من الجيش والشرطة يقدر عددها بمئات الآلاف فإن رحيل القوات الأمريكية حرم العراقيين من الكثير من الإمكانات على صعيد الدعم الجوي والمخابراتي.
واستغل المتشددون من المناطق التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة السنة على الحدود السورية وتزايد الغضب من الحكومة بين الطائفة السنية ليظهروا قدراتهم.
وفي الأسابيع القليلة الماضية شهدت بلدات شمالية مثل كركوك والموصل وحتى البصرة معقل الشيعة في الجنوب تفجيرات شبه متزامنة.
لكن الاختلافات عن الماضي قد تحد من الاضطرابات.
على سبيل المثال اصبحت المجتمعات السنية والشيعية والكردية وغيرها اكثر انفصالا عن بعضها البعض نتيجة لفرار الملايين في السنوات السابقة الى بلدات واحياء اكثر تجانسا.
وفي حين أن السنة مازالوا منقسمين الى متشددين ومعتدلين كما كانوا من قبل فإن الشيعة الذين يمثلون نحو 60 في المئة من سكان العراق البالغ عددهم 36 مليون نسمة أصبحت لهم الآن قيادة اكثر وحدة حول المالكي الذي يسيطر على جيش يملك أسلحة افضل واحتمالات انضمام أفراده الى الميليشيات التي قاتلت في المرة السابقة أقل.
وقال رمزي مارديني من معهد الدراسات الاستراتيجية العراقية في بيروت إن الوضع الآن مختلف عن دينامية الماضي التي كانت تدعم حربا أهلية اكثر تدميرا وتحول الى اشتباكات متقطعة بين قوات الحكومة الشيعية وعموم السنة.
وسيتوقف الكثير مستقبلا على سوريا. وفي تعبير عن نواياه الإقليمية أعلن تنظيم القاعدة في العراق في وقت سابق من العام الحالي تحالفا مع جبهة النصرة السورية.
ويخشى مسؤولون عراقيون من الشيعة من صعود حكومة سنية معادية اذا سقط الاسد. والسيناريو الكابوس بالنسبة لهم هو تدفق المتشددين السنة الى العراق عبر الحدود.
ولا تمثل هذه المخاوف الإقليمية أهمية تذكر للعراقيين الذين يواجهون العنف يوميا. وبعيدا عن التفجيرات ينتشر خوف كبير بسبب الحديث خاصة بين السنة في بغداد عن عودة فرق القتل وعصابات الخطف التي تعمل متنكرة في ملابس عسكرية رسمية.
وقال رجل أصر على عدم نشر اسمه خشية الانتقام منه إن شقيقه (24 عاما) وهو سني من بغداد يدعى نصير قتل هذا الاسبوع بعد ما أبلغ زميل له في العمل عائلته بأنه حادث خطف نفذه مسلحون شيعة في بغداد. وقال الرجل "أقيمت نقطة تفتيش مزيفة واختطف هناك. وانقطعت اخبار نصير الى أن تلقت عائلته اتصالا لتسلمه من المشرحة."
ونفى مسؤول كبير بالشرطة هذا الاسبوع إقامة ميليشيات طائفية نقاط تفتيش مزيفة لخطف ضحايا من الطوائف المغايرة وهي شائعة نفاها بقوله إن وحدات الشرطة الرسمية تعمل بملابس مدنية. لكن كثيرين في العاصمة غير مطمئنين كما بدأت المتاجر تغلق أبوابها مبكرا في بعض المناطق القريبة من المناطق التي تتسم بالحساسية الدينية حيث يسرع العاملون بالعودة الى منازلهم قبل حلول الظلام.
وقالت ام علي وهي ربة منزل تعيش في حي ببغداد مازال يعيش به السنة والشيعة معا "اذا عدنا الى ذلك الزمن فستتوقف الحياة... لن نستطيع أن نفعل اي شيء."