آن برنارد* -
(نيويورك تايمز) 16/5/2015
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
جبال القلمون، سورية- أعطى ضابط قوي البنية، يضع نظارات شمسية ملتفة حول عينيه ومرتدياً زياً مموهاً بطباعة رقمية، موجزاً تكتيكياً مفصلاً عن الوضع، وعرض خريطة وهو يقف أمام شجرة صنوبر، وأشار إلى دوائر حمراء قال إنها تظهر "مهاجع إرهابية" متروكة.
كان للعرض الذي تم على هضبة سورية مليئة بالحجارة الجيرية يوم الجمعة الماضي كل صفات الجولة في ميدان المعركة مع القوات الأميركية في العراق: ضباط يرفضون الخوض في السياسة، وضباط علاقات عامة نضر الوجوه، وتذكيرات مُلحة بعدم التقاط صور يمكنها أن تهدد لها الأمن. كل ذلك كان مفقوداً بينما تتعاقب الشرائح التوضيحية على برنامج "باور بوينت".
لكن الذي عرض الإيجاز كان ضابطاً ميدانياً من حزب الله، الذي كان مسؤولو العلاقات العامة لديه قد قادوا قافلة مكونة من نحو دزينة سيارات تحمل صحفيين عبر الحدود غير المرسومة. وكان عنصر الجذب هو: أراض جديدة استعيدت في الأيام الأخيرة من المتمردين في سورية.
كان حزب الله، مجموعة الميليشيا الشيعية التي تشكل أقوى حزب سياسي في لبنان يسعى إلى شيء يشبه الهجوم الإعلامي الكاسح على مدار الأسبوع الماضي، في محاولة لمواجهة الانطباع بأن حملته الطاحنة في سورية تسير على نحو سيئ بعد الخسائر التي منيت بها حليفته، الحكومة السورية، في ميدان المعارك.
كانت القنوات الإخبارية التي يديرها حزب الله تصدر نشرات عاجلة عن معارك جديدة في القلمون؛ المنطقة الحدودية الجبلية حيث تكثف القتال، إلى درجة جعلت الثلوج الكثيفة التي جمدت النزاع هناك في الشتاء تتقلص، متحولة إلى حقول رمادية. ومع ذلك، لكن الحزب كان أكثر انفتاحاً من المعتاد على الصحفيين أيضاً مقارنة بالمنافذ الأخرى. وقد وفر ذلك، يوم الجمعة الماضي، نظرة نادرة لنسخة حزب الله من رحلة الأخبار.
عرضت الرحلة نافذة على الأميال القليلة الأولى من ممر حساس يربط بين سورية ووادي البقاع في لبنان -وجبهة في الحرب السورية نادراً تكون متاحة الوصول للصحفيين. وكانت منطقة القلمون تشكل معقلاً للثوار السوريين وللمتشددين السنة الأجانب، بما في ذلك جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة. كما أنها تعد طريقاً لحزب الله لتلقي الأسلحة من إيران من خلال سورية.
لكنه كان قيد العرض أيضاً حزب الله نفسه، وتنظيمه وانضباطه المستمرين، رغم الضغوطات المتصاعدة وسيطرته الوحيدة الواضحة على أجزاء من الأراضي السورية. (يؤكد حزب الله أنه يعمل في سورية بإذن من الحكومة السورية).
أولاً، جمع مسؤولو الإعلام في حزب الله مجموعة من الصحفيين، معظمهم لبنانيون وسوريون ومراسلون من "النيويورك تايمز" و"رويترز". ومن بعلبك؛ البلدة الواقعة في وادي البقاع حيث كان حزب الله قد ولد في ظلال المعبد القديم لبعل، قادوا السيارات إلى أعلى التلة، حيث انتهى الطريق المعبد وبدأت السيارات بالتأرجح فوق الحجارة.
عند نقطة تفتيش، جمع ضباط حزب الله الهواتف الخلوية، بذريعة الأمن. ورحب مقاتل بالضيوف قائلاً: "لدينا برنامج ممتاز لكم اليوم". ثم شرح القواعد: لا تصوير للطريق، أو لوجوه المقاتلين.
بشكل عام، يبدو أن المجموعة التي عادة ما تكون متوجسة من إعلام الأخبار الغربي أصبحت تنفتح بعض الشيء، فيما تسعى راعيتها، إيران، إلى إبرام اتفاق نووي مع الولايات المتحدة وقوى عالمية أخرى.
كما خلقت التغييرات الفوضوية في المنطقة مصلحة مشتركة، ولو ضيقة، بين حزب الله والولايات المتحدة التي تعتبره تنظيماً إرهابياً. ويندد كلاهما بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"؛ المجموعة السنية التي استولت على أراضٍ في سورية والعراق وقتلت آلاف المدنيين، ويعتبرانها تهديداً وجودياً وتشويهاً للإسلام.
على الصعيد المحلي أيضاً، يبذل حزب الله قصارى جهوده للتصدي لرسائل الإعلام الاجتماعي من مجموعات المتمردين التي سخرت من حزب الله في أشرطة فيديو على المواقع، والتي كانت قد صورت في القلمون. وقد وصف الوضع موظف في أحد منافذ حزب الله الإعلامية بقوله: "إنهم يحتاجون إلى أن يردوا على الدعاية ضدهم".
تتلوى الطريق إلى الأعلى خلال تلال جرداء، إلا من الخشخاش وأجمة زعتر بنفسجية الأزهار، والتي كانت تتخلها ذات مرة ممرات ضيقة خلفها المهربون والرعاة. وراهناً، ثمة سيارات شحن محملة بالأسلحة والمقاتلين، والتي تمر الواحدة في إثر الأخرى على الطرقات التي يبدو أنه تم توسيعها مؤخراً، مارة بمراكز مكونة من مقطورات جاهزة وخيام.
عبر الحدود في داخل الأراضي السورية، هناك هضبة مليئة بأشجار الصنوبر التي تجاوزت أعمارها قروناً. وتمركزت وحدة مقاتلة في أحد المرتفعات وراء مدفع رشاش ثقيل ومنصة لإطلاق الصواريخ، وقد ارتفعت فوقها أعلام صفراء عليها صورة لوجه عماد مغنية؛ القائد العسكري السابق لحزب الله، والذي يقول الحزب إن إسرائيل اغتالته في العام 2008.
مشيراً إلى خريطة طوبوغرافية مفصلة، قال القائد إن مقاتلي حزب الله حطموا 40 مجموعة مقاتلة، وعطلوا ثلاث "غرف عمليات"، واستولوا على أراضٍ بمساحة 300 كيلومتر مربع (حوالي 116 ميلاً مربعاً) كان المتمردون قد استخدموها لإطلاق القذائف إلى داخل القرى اللبنانية ولتجهيز سيارات ملغومة من أجل تفجيرها في بيروت.
وقال الضابط: "قد أحبط هذا تهديداً للبنان"، ممتنعاً عن إعطاء اسمه تمشياً مع البروتوكول. وأضاف: "ليست هناك طريقة تمكنهم من العودة".
لكن أهمية وديمومة التقدم في منطقة غير مأهولة؛ حيث يستخدم المتمردون تكتيكات الكر والفر، تبقى غير واضحة. وقال القائد إن العديد من المتمردين هربوا إلى معقلهم في بلدة قريبة في لبنان، عرسال. وكان الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، قد قال في كلمة متلفزة له يوم السبت، إن 13 مقاتلاً من حزب الله قتلوا في معارك القلمون، ووبخ الإعلام الإخباري على تقليله من أهمية تلك المعارك.
ومن جهته، أصر القائد الميداني على معايير مهنية معينة: فقال إنه يستطيع التعليق على الاستراتيجية فقط، وليس السياسة. وأنب صحفيي التلفزيون الذين ناشدوه إطلاق صواريخ لالتقاط صور لها. وقال: "هذا مستحيل"، فرد عليه مراسل صحفي لبناني بالقول: "أنت المستحيل".
لكن ضباط العلاقات العامة وافقوا على السماح للوحدة بالسير عبر قمة الجبل من أجل التأثير. وقام أعضاء الوحدة بذلك في صفوف منتظمة، مثل أي فرقة مشاة مدربة.
عند ذلك، هرع معدو الأخبار لالتقاط صور حية، مرتدين سترات واقية من الرصاص، مع أنهم كانوا بعيدين عن أي قتال. وأعلن أحدهم: "الإرهابيون موجودون خلفنا مباشرة". لكنه كان من الممكن رؤية المقاتلين وهم يغطون المدافع الثقيلة بأغطية من القماش بينما يبتعد الصحفيون بسياراتهم.
خلال الجولة، تجنب معظم المقاتلين الحديث، لكن واحداً منهم، والذي اعتمر قلنسوة بيسبول مكتوب عليها "كندا بتروليوم"، قال إنه لا يستطيع مقاومة مشاركة "إيديولوجيتي".
وقال إن حزب الله يمثل الإسلام الخيري، على عكس "الدولة الإسلامية" التي تعبر الشيعة مرتدين، وأن حزب الله ربما يجد حتى قضية مشتركة مع الغرب ضد المتطرفين. وقد أعاد ذلك القول أصداء تصريحات أخيرة لأعضاء آخرين في حزب الله، لكنه طرح وجهة نظر بعيدة تماماً عن وجهة نظر الولايات المتحدة وإسرائيل التي تعتبر حزب الله معتدياً.
قال المقاتل: "هناك اختلاف بين الإسلام الذي يشكل وردة لرحيق النحل، وبين الإسلام الظلامي الذي يضر بالناس وبالأديان"، مضيفاً أنه ما يزال يعارض الغرب حول إسرائيل التي أنهت احتلالها لجنوب لبنان بعد أعوام من الهجمات التي شنها حزب الله. وقال المقاتل أيضاً: "نحن الذين هزمنا الإسرائيليين سنهزم الإرهابيين أيضاً، وسنستعيد القدس".
عند الوقفة التالية في الجولة، كانت سيارات عدة مركونة وقد مزقتها الطلقات النارية. وقال ضباط حزب الله إنهم أخرجوا منها متمردين كانوا يعدون سيارات ملغمة. وكانت في الجوار سيارة شحن تابعة لحزب الله، والتي يبدو أنها أصيبت بقنبلة مزروعة على قارعة الطريق.
عند نهاية الجولة، ودعنا أحد ضباط العلاقات العامة بالود اللبناني المعهود، وقال بالفرنسية وهو يلوح بيده: "أ لا ميزون!".. إلى البيت.
*أسهمت في هذه التغطية هويدا سعد.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Hezbollah Deploys Weapon, a Press Tour, on the Syrian Front
عن صحيفة "الغد"