صدور ترجمة رواية "جبل الروح": للأديب الصيني غاو شينغجيان

تاريخ النشر: 21 أبريل 2012 - 06:07 GMT
 رواية "جبل الروح": للأديب الصيني غاو شينغجيان
رواية "جبل الروح": للأديب الصيني غاو شينغجيان

عمان - صدر عن هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث "كلمة ودار الآداب للنشر والتوزيع" رواية جبل الروح للأديب والفنان التشكيلي والمخرج المسرحي الصيني غاو شينغجيان الحاصل على جائزة نوبل للآداب في العام 2000، قام بترجمتها الشاعر الراحل بسام حجار وماري طوق.

تتحدث مقدمة الرواية عن المساعي الخجولة التي أضافتها بعض الليبرالية على السياسة الرسمية الصينية، لبعض الكتاب الصينيين، ففي أواخر السبعينيات اتاح لهم ان ينصرفوا مجددا إلى الكتابة، لا لخدمة الحزب، وإنما للتعبير عن انفسهم كبشر، وعليه اطلقت عشرات المجلات الأدبية ونشر فيها ما لا يحصى من النصوص من أنواع وأحجام مختلفة مثل القصة القصيرة وقصائد شعرية وروايات ومسرحيات وسيناريوهات وافلام.

دعا شينغجيان، المدافع الشغوف عن "الحداثة" في الأدب، إلى تطوير أشكال جديدة في الكتابة: من قبيل تيار الوعي، والتخلي عن حبكة بعينها، واستخدام لغة وأسلوب خاليين من تأثير السياسة. وعقب اضطراره إبان الثورة الثقافية إلى إتلاف مخطوطاته ومسرحياته ورواياته التي كان قد ألفها من قبل، نشر بدءا من العام 1982، قصصا قصيرة ونصوصا مسرحية.

وشينغجيان هو احد أكثر المؤلفين انتقائية وغزارة في زماننا، فهو مترجم ومنظر ومؤلف مسرحي وروائي وشاعر ورسام، وهو متشبع بميراث التصوير الصيني بالحبر، يجيد استخدام التعبير عن أحاسيسه الحميمة على هدى حبيبات الورقة، وثبات الإيماءة وانسياب الماء.

قال شينغجيان الذي استقر في فرنسا منذ العام 1988، وتمكن من عرض مسرحياته بنجاح في النمسا وايطاليا، وقد أدت أحداث العام 1989، على القطيعة النهائية بينه وبين الحزب ونظام الحكم القائم في الصين، وفي العام نفسه كان فراغه من تأليف روايته "جبل الروح" التي كان بدأ بكتابتها اثناء رحلته الى مناطق الصين الداخلية. وكان صرح شينغجيان انه بفضل هذه الرواية يكون قد "صفى حساباته مع نوستالجيا مسقط الرأس"، ويؤكد المؤلف ان المنفى لا يشكل معاناة له؛ بل انه يتيح له ان يكون على صلة مباشرة مع هذا العالم الثقافي الغربي الذي كان هو قد عرف الصين الى تياراته الكبرى.

ودعا شينغجيان إلى هروب فاعل، وتابع عمله الإبداعي على أحسن الوجوه. وبعد ان ترجمت اعماله ونالت استحسانا في السويد، تجرأ على مغامرة الكتابة مباشرة بالفرنسية، فكانت باكورة هذه المغامرة مسرحيته "على قارعة الحياة" التي اخرج عرضها ضمن عروض "مهرجان افينيون"واقنعت عددا من المهتمين في هذا المجال.

تجسد رواية "جبل الروح" عملا فريدا في المشهد الأدبي المعاصر، فهي رحلة صميمية، وحوار بين شخصيات يعرف عنها بـ"أنا"، و"أنت" "هو" أو "هي" (ولا أثر للـ "نحن" التي تشير إلى الجمهور أو الجماهير التي توقظ بلا ريب، كثيرا من الذكريات غير المستحبة) واستحضار لمناظر الصين وغاباتها العذراء إلى اليوم، وتشخيص لعذابات الغرام، او مجرد وصف لهنيهة من المتعة مصدرها الصداقة.

ترتقي الرواية إلى مستوى مماثل من الإبداع من غير اللغة التي تضم اطراف مسكتها: لغة عصرية، ذات جرس، خالية من التكلف والغموض، ولا "شوب" فيها على الاطلاق، تلعب تجربة المسرح دورا مهما في كتابة شينغجيان الذي اعتاد خلق المسافة بين الراوي والقارئ عبر تكراره الى ما لا نهاية عبارة "تقول..." والتي نعثر عليها في نصوصه المسرحية.

ويرى بعض النقاد أن غاو شينغجيان كاتب طليعي وأن رواية "جبل الروح" فتحت أبواباً جديدة للفن الروائي، وقيل عن الرواية إنها: بمثابة أوديسة تجري أحداثها في ريف الصين، حيث يفتش الكاتب عن جبال على حدود الخيال والحقيقة. وخلال ترحاله الدائم يروي الخفايا الأسطورية الشامانية التي ما تزال حية في الأذهان، والحكم الطاوية، وقصصاً فردية كل شخصية فيها مرآة لأخرى.

وتعد الرواية حجّا وجوديّا وروحانيا ووثيقة أدبية لا تشبه إلا نفسها. إنها سفران: سفر في الصين الأبدية وسفر داخلي يرتقي فيه الكاتب بجبل روحه من خلال تعدّد الأصوات والأنواع الأدبية والتأمل في الذات. وهذه الرواية تذكّر الكتّاب بمسعى الرومنطيقية الألمانية الهادف إلى خلق قصيدة كونية.

وتتخذ هذه الترجمة لرواية جبل الروح التي حاز صاحبها على جائزة نوبل للآداب، قيمة استثنائية تضاف إلى أهميتها بين الأعمال الأدبية المعاصرة، كونها من آخر الأعمال التي عمل على ترجمتها الشاعر الراحل بسام حجار الذي أغنى المكتبة العربية ببعض أفضل الترجمات خلال العقود الأخيرة، وأدخل حساسية جديدة إلى فن الترجمة.

ولد غاو شينغجيان وهو أول كاتب صيني يتوج بجائزة نوبل للآداب، عام 1940 في جيانغ كسي ودرس الفرنسية في معهد اللغات الأجنبية في بكين وعن هذه الطريق اتصل بالآداب الغربية، عادة، وبالأدب الفرنسي الحديث خاصة.

وخاض شينغجيان، في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، معارك فكرية انتهت به الى الهجرة الى فرنسا عام 1987 حيث لم يحتفل به الغرب احتفاله بالكتاب الغربيين المنشقين ومضى شبه مغمور وامتهن الرسم ليكسب عيشه.

كتب شينغجيان رواية "جبل الروح" في سبعة اعوام قبل هجرته ولم يحظ إلا بدار نشر فرنسية صغيرة قبلت المخاطرة بنشرها، ويقول شينغجيان إن الأدب ولد، أولاً، من احتياج الكاتب الى تحقيق ذاته وأن الحديث مع النفس هو نقطة بداية الأدب وأن الكاتب لا يعبر عن نفسه كناطق بلسان الشعب ولا كمجسد للعدالة وأن الأدب لايمكن أن يكون غير صوت فرد.