تفاؤل اقتصادي حذر في أسواق النفط

تاريخ النشر: 30 يناير 2013 - 07:58 GMT
من المتوقع أن تؤدي التوترات الجيوسياسية إلى دعم أسعار النفط بصورة أكثر من تأثيرها السلبي على الإنتاج
من المتوقع أن تؤدي التوترات الجيوسياسية إلى دعم أسعار النفط بصورة أكثر من تأثيرها السلبي على الإنتاج

علامات الانتعاش الاقتصادي في الصين والتزام اليابان بإجراءات التحفيز الجديدة ساعدت في ترسيخ توقعات أكثر تفاؤلاً لأسواق النفط العالمية، حيث إن رفع مستوى الطلب الفعلي على النفط للربع الرابع لعام 2012 قد وازن التوقعات المتشائمة للنمو الاقتصادي العالمي التي كانت جلية خلال العام الماضي.

في حين أن المخاطر المتعلقة بالإمدادات النفطية لعام 2013 لم يطرأ عليها تغير يذكر، حيث إن العنوان الرئيس للتوقعات ما زال يشير إلى نمو قوي في الإمدادات من أمريكا الشمالية يوازن تراجع أداء بعض المنتجين من خارج منظمة أوبك وخطر تعطل الإمدادات. إن التحسن النسبي للمشهد الاقتصادي انعكس مباشرة على أسعار النفط، وأسهم في استقرار سعر خام برنت فوق 110 دولارات للبرميل حتى الآن لهذا العام، في الوقت نفسه عزز من الرأي القائل، بينما المخاطر المتعلقة بالإمدادات هي بصورة عامة متوازنة وغير مقلقة، فإن صورة الطلب على النفط آخذة في التحسن الطفيف. في هذا الجانب أشار التقرير الشهري الأخير لشهر كانون الثاني (يناير) لوكالة الطاقة الدولية بحذر إلى احتمالية تشدد أسواق النفط أكثر مما كان متوقعًا في السابق، في هذا الجانب رفع التقرير من توقعات نمو الطلب على النفط للربع الرابع لعام 2012 بنحو 0.71 برميل في اليوم مقارنة بالتقرير السابق، رفع أيضًا من الطلب على نفط منظمة أوبك لذلك الربع بنحو 0.4 مليون برميل في اليوم. السؤال هنا هو إذا ما كان تحسن الطلب على النفط في الربع الرابع من عام 2012 هو علامة على وجود اتجاه جديد لانتعاش أسواق النفط العالمية، وإذا ما كان من شأن هذا الانتعاش أن يمتد خارج الصين إلى بعض دول منظمة التعاون والتنمية؟

البيانات الصينية الأخيرة هي بالتأكيد مقنعة ومشجعة: قطاع التصنيع في عام 2013 من المتوقع أن يستمر في تعزيز الانتعاش الذي شهده في الربع الأخير من العام الماضي، هذا الانتعاش دفع وكالة الطاقة الدولية ومنظمة أوبك إلى رفع توقعاتهما بخصوص الطلب على النفط في الصين بصورة طفيفة ضمن تقريرهما الشهريين الأخيرين، على سبيل المثال، قامت وكالة الطاقة الدولية برفع توقعاتها لنمو الطلب على النفط في الصين لعام 2013 بنحو 135 ألف برميل في اليوم. كما رفعت وكالة الطاقة الدولية مستوى الطلب على النفط في الولايات المتحدة للربع الأخير من العام الماضي، وأجرت تحسينات كبيرة على الطلب على النفط للبرازيل وروسيا، كما أشارت إلى بعض المكاسب في الطلب على النفط في شمال غرب أوروبا. لكن مع ذلك لا تزال هناك بعض المخاطر المحتملة في انتظارنا، كما أشار التقرير الشهري الأخير لشهر كانون الثاني (يناير) لمنظمة أوبك، إلى أن فشل المشرعين الأمريكيين في الاتفاق على التوصل إلى حل مبكر للتحدي المالي أدى إلى تباطؤ الإنفاق والاستثمار في الجزء الأخير من عام 2012، على الرغم من التوصل إلى نوع من الاتفاق المبدئي حاليًا، إلا أن هناك كثيرًا من التفصيل في حاجة إلى توضيح واتفاق. إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق جديد بشأن خفض الإنفاق، الذي من المقرر الآن أن يدخل حيز التنفيذ في آذار (مارس) المقبل، ينبغي أن يخفض النمو الاقتصادي الحالي للولايات المتحدة بنحو 0.5 في المائة لعام 2013. في أوروبا، نجحت الحكومات والبنك المركزي الأوروبي إلى حد ما في الحد من تكلفة الاقتراض السيادي للدول من خلال تدابير السيولة لحالات الطوارئ، هذه التدابير قد ساعدت على دفع بعض الانتعاش.

من المتوقع أن تباطؤ هذه العوامل من انكماش الطلب على النفط الذي شهده عام 2012. على جانب العرض، أحدث البيانات تشير إلى أن رفع مستوى توقعات الإنتاج من أمريكا الشمالية سيعوّض تزايد الانخفاض في معدلات الإنتاج من المناطق الأخرى المنتجة من خارج منظمة أوبك، وبخاصة في بحر الشمال، وكذلك المنتجين من خارج ''أوبك'' في إفريقيا والشرق الأوسط. المكسيك والبرازيل ستشهدان أيضًا استمرار انخفاض الإنتاج من حقولهما الرئيسة.

التباين بين إنتاج النفط من أمريكيا الشمالية وبقية المنتجين من خارج منظمة أوبك أصبح كبيرًا، هذا التباين سيساعد على استمرار الفروق الكبيرة بين أسعار تداول خام بحر الشمال برنت وخام غرب تكساس الوسيط، ما لم يتم نقل الأخير إلى سواحل الخليج والسماح ببعض التصدير. التوازن بين العرض والطلب على المدى القريب يظهر استمرار دول منظمة أوبك في خفض إنتاجها من النفط الخام منذ الشهرين الأخيرين من العام الماضي، على سبيل المثال انخفاض الطلب على النفط من العملاء الرئيسين للمملكة العربية السعودية وتباطؤ استهلاكها المحلي الموسمي كانا وراء انخفاض إنتاجها من النفط في شهري تشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي.

التوازن الفصلي على الطلب على نفط أوبك حسب تقرير المنظمة يشير إلى طلب على نفط المنظمة بحدود 30.5 مليون برميل في اليوم خلال الربع الرابع لعام 2012، من المتوقع أن ينخفض إلى 29.3 مليون برميل في اليوم في الربع الأول من عام 2013، وإلى 28.9 مليون برميل في اليوم في الربع الثاني من العام الحالي. في حين تقديرات المصادر الثانوية لإنتاج دول منظمة أوبك أشارت إلى أن المنظمة أنتجت نحو 30.4 مليون برميل في اليوم في كانون الأول (ديسمبر)؛ ما يعني أن الأسواق في حالة توازن مريح. إذا ما كانت توقعات وكالة الطاقة الدولية للطلب على نفط المنظمة للربع الأول المقدرة بنحو 29.8 مليون برميل في اليوم صحيحة، فإن التوازن بين العرض والطلب سيكون متوازنًا بشكل جيد عند مستويات إنتاج المنظمة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي.

على صعيد التطورات الجيوسياسية، هناك عدد من السيناريوهات المحتملة في عام 2013، الخطر الأكبر في هذا الجانب يتعلق ببرنامج إيران النووي والحظر النفطي المفروض عليها من قبل الاتحاد الأوروبي والعقوبات المالية من قبل الولايات المتحدة والحرب الأهلية في سورية واحتمالية امتدادها إلى دول أخرى.

بشكل عام، من المتوقع أن تؤدي التوترات الجيوسياسية إلى دعم أسعار النفط بصورة أكثر من تأثيرها السلبي على الإنتاج. كما أن الهجوم على محطة الغاز الجزائرية هو أيضًا تذكير بأن جزءًا من الارتفاع في أسعار النفط يرجع إلى التوقعات بخصوص المخاطر الجيوسياسية، على الرغم من أن الحوادث الأمنية على البنية التحتية للطاقة هي نادرة تاريخيًا في البلدان الرئيسة المنتجة للنفط وتميل إلى أن يكون تأثيرها محدودا فقط على الإنتاج من حيث الفترة الزمنية. بالتطلع إلى الأمام، فإن الأسواق لا تزال تنتظر قرارًا من الحكومة اليابانية الجديدة بشأن خططها لإعادة تشغيل محطات الطاقة النووية، تتطلع أيضًا لمعرفة إذا ما سيستمر إنتاج دول منظمة أوبك في الانخفاض مع اقتراب الربع الثاني الذي يمتاز تقليديا بضعف الطلب على النفط.

من جانب آخر، انخفضت مخزونات النفط في دول منظمة التعاون والتنمية خلال النصف الأول من فصل الشتاء، خصوصًا المخزون الأوروبي انخفض دون متوسط الخمس سنوات. في الوقت الحاضر، لا يمكن التكهن إذا ما كان هذا الانخفاض في المخزون هو نتيجة اتجاهات الطلب الموسمي على النفط أم هو تشدد في أسواق النفط العالمية؟

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن