توماس فريدمان : صعود الطبقة الوسطى الافتراضية

تاريخ النشر: 13 فبراير 2013 - 10:32 GMT
صورة تعبيرية لاحدى أفراد الطبقة الوسطى
صورة تعبيرية لاحدى أفراد الطبقة الوسطى

صادفتُ أمراً لم يسبق أن رأيت له مثيلاً خلال رحلتي هذه إلى الهند، يتمثّل بنشوء مجتمع سياسي جديد كامل - هو «الطبقة الوسطى الافتراضية» في الهند. ويشرح ظهورها أمور كثيرة على صلة بالاحتجاجات الاجتماعية التي انطلقت في هذا المكان، وفي أماكن أخرى كالصين ومصر، لتكون من بين الأمور الأكثر إثارةً على وجه الأرض.

لقد عمدنا عبر التاريخ إلى ربط الثورات الديمقراطية بالطبقات الوسطى الصاعدة، التي تحقق مستويات دخل فردي سنوي معيّنة- فلنقل مثلاً 10 آلاف دولار - ليتمكن الناس من الشعور بقلق أقل بشأن متطلبات الغذاء الأساسية، والإسكان، وأكثر من ذلك، حيال معاملتهم كمواطنين يملكون حقوقاً وصوتاً يخوّلهم اتخاذ القرارات بشأن مستقبلهم. إلا أنّ ما يثير الدهشة هو أن الانتشار الواسع لقوة الحوسبة النافذة والمنخفضة التكلفة، بفضل الهواتف الجوالة واللويحات خلال العقد المنصرم، أدّى إلى خفض تكاليف التواصل والتعليم - إلى حدّ بات يسمح الآن لعدد أكبر بكثير من الناس في الهند، والصين، ومصر، وعلى الرغم من كونهم يجنون بضعة دولارات وحسب شهرياً، بالنفاذ إلى نوع التكنولوجيات والتعليم الذي كان في الماضي محصوراً بالطبقة الوسطى. لهذا السبب، تضم الهند اليوم ثلاثمائة مليون نسمة من الطبقة الوسطى، و300 مليون نسمة إضافية من الطبقة الوسطى الافتراضية، ممّن يطالبون، وعلى الرغم من وضعهم الذي لا يزال فقيراً، بحقوق، وطرقات، وكهرباء، وشرطة بعيدة عن الفساد، وحكم رشيد شاءت العادة أن يكون مرتبطاً بالطبقات الوسطى الصاعدة، ما يتسبب بتعرّض السياسيين المنتخبين في الهند لضغوط أكبر من أي وقت مضى، تحثهم على العمل معاً في مجال الحكم. وبفضل التكنولوجيا وانتشار التعليم، يتم تمكين عدد متزايد باستمرار من الناس عند مستويات دخل متدنية باستمرار إلى حدّ لم يسبق له مثيل، وبالتالي، يفكرون ويتصرفون وكأنهم من الطبقة الوسطى، ويطالبون بالأمن الإنساني والكرامة وحقوق المواطنين»، بحسب ما شرحه خالد مالك، مدير مكتب تقرير التنمية البشرية في الأمم المتحدة، ومؤلف كتاب بعنوان، «لماذا نمت الصين بهذه السرعة ولهذا الوقت الطويل؟».

والجدير ذكره أنها لا تلقى توجيهاً فقط من 900 مليون هاتف جوال مستعمل اليوم في الهند، أو 400 مليون صاحب مدونة إلكترونية في الصين. لقد قامت «وكالة التنمية الدولية التابعة للولايات المتحدة» في نيو دلهي بوصلي بمجموعة من أصحاب المبادرات الاجتماعية التي تدعمها الولايات المتحدة، علماً بأن نفوذ الأدوات التي تضعها بين أيادي الطبقة الوسطى الافتراضية في الهند مثيرة فعلاً للذهول.

وتنشئ شركة «غرام باور» شبكات ميكروية ذكية ومعايير ذكية لتوفير طاقة يمكن الاعتماد عليها وتوسيع نطاقها في المناطق الريفية الهندية، حيث 600 مليون هندي لا يحصلون على تزويد مستمر (أو أي تزويد على الإطلاق) للطاقة الكهربائية الضرورية للعمل والقراءة والتعلّم. ولقاء 20 سنتاً في اليوم، توفّر شركة «غرام باور» للقرويين بطاقة كهرباء مسبقة الدفع، قادرة على تشغيل أدواتهم الكهربائية المنزلية. أما شركة «هيلثبوينت سرفيسز»، فتوفر مياه شفة لعائلات مؤلّفة من ستة أشخاص، لقاء 5 سنتات في اليوم، وزيارات طبية عن بعد لقاء 20 سنتاً للزيارة. أما «فيجن سبرينغ»، فتوزع اليوم فحوصاً ونظارات طبية لفقراء الهند لقاء مبلغ يتراوح بين الدولارين والثلاثة دولارات لكل فرد.

لا تزال هذه التكنولوجيات بحاجة إلى التوسيع، لكنّ العمل على ذلك ماضٍ. وأقلّه أنّها تخوّل ملايين إضافية من الهنود أن يشعروا بانتسابهم إلى الطبقة الوسطى وأن يحظوا بالتمكين السياسي المرافق لذلك، بحسب نايان شاندا، الذي يدير مجلة «يل غلوبال» الصادرة عبر شبكة الإنترنت، والذي شارك في تحرير كتاب «عالم على تواصل: العولمة في القرن الحادي والعشرين» A World Connected: Globalization in the 21st Century. إن الأمر سيان بالنسبة إلى الصين، وفقاً لشاندا، الذي قال إنه «عندما أقدم أحد عناصر الرقابة في غوانغجو بعملية تدخّل لا سابق لها، عبر دخوله إلى مقر صحيفة «ساذرن ويك إند» وأعاد صياغة المقالة الافتتاحية ليوم رأس السنة - محوّلاً مقالة ناقدة إلى امتداح للحزب الشيوعي - استشاط الصحفيون الصينيون غضباً. وللمرة الأولى في التاريخ، طالبوا علناً باستقالة عنصر الرقابة، وتصاعدت حمم الغضب عبر موقعي «تويتر» و«ويبو» في الصين».

ولا شك طبعاً في أن اليقظة العربية لم يحفزها طلاب الكليات من الطبقة الوسطى، إنما أطلقها بائع خضار تونسي كان يسعى ليكون من الطبقة الوسطى، اعتدت عليه الشرطة الفاسدة. ويحذّر القادة قائلين: ما عاد من الضروري أن يكون شعبكم من الطبقة الوسطى، من وجهة نظر اقتصادية، ليتمتع بمستوى العلم والأدوات والعقلية المنسوبة للطبقة الوسطى- وليشعر أنه مؤهل لخوض حديث في الاتجاهين ويحظى بمعاملة تليق بمواطنين لديهم حقوق فعلية وحكم لائق.