بين فترة وأخرى تتركز الأضواء على اكتشافات نفطية جديدة أو مواد جديدة وبديلة للطاقة. أو يكثر الحديث عن مضار بيئية للبترول وكوارث ناتجة عنه للضغط على شركات النفط لتُوجِد بدائل. والثابت حتى الآن أن طبيعة الاقتصاد الحديث باتت تتطلب من أي بلد يتعافى اقتصادياً بألا يقتصر حجم إنتاجه الحاضر بل يسعى للتوسع. كما أن أي نمو في الازدهار الاقتصادي يفترض طلباً متزايداً على مصادر الطاقة بكافة أنواعها. ويبدو أن الطلب على النفط سيظل سيد الموقف، حتى نهاية العقد الحالي على الأقل.
ويورد التقرير السنوي لمنظمة الطاقة الدولية لعام 2012 وصفاً لتبدلات تشهدها خريطة مصادر الطاقة العالمية باعثة على تقلبات عريضة ستشهدها أسواق الطاقة العالمية وتجارتها. وفي المقدمة، ما يشهده إنتاج النفط في الولايات المتحدة من نمو، مترافقاً مع تراجع استخدام الطاقة النووية بعد مأساة اليابان الأخيرة. وفي الوقت ذاته يتسارع نمو استخدام تقنيات استخلاص الطاقة الشمسية والرياح. ورغم تلك الكلمات التي تأخذ بالمحلل بعيداً عن النفط وازدياد أسعاره، وتزايد الطلب عليه، إلا أن التقرير يعود ليقول بأن الأنظار كلها تتركز على متغيرات الإنتاج العراقي المرتقب، ومدى استعادته لحصص إنتاجه السابقة. وإن طبقت سياسات جديدة في بغداد بالتوافق مع زيادة الكفاءة الدولية في استخدام الطاقة، فقد يغير عودة النفط العراقي إلى السوق المشهد العالمي كله.
وبتلك الإشارة يعترف التقرير مداورة بأن النفط لايزال مصدر الطاقة الأساس. وعلى نحو محدد يورد التقرير بأنه (رغم كل التطورات والسياسات، يفشل العالم في أن يضع نظام الطاقة العالمي على السكة). فرغم تطورات تقنية تمكن من استخراج زيوت كامنة في طبقات أصعب وبروز مصادر للغاز الحجري، فإن الطلب العالمي على النفط لايزال محتفظاً بزخمه. ويرتدي اكتشاف مكامن طاقة جديدة بالولايات المتحدة أهمية بالغة في ظل سعيها نحو استعادة عافيتها الاقتصادية بكلف إنتاج أقل باستخدام الغاز والكهرباء أقل كلفة، فتحقق افضلية تنافسية. ولن تؤتي تغيرات متوقعة للطاقة ثمارًا كاملة عالمياً إلا بعد 2020. وبالمقابل يبرز عامل اتجاه منطقة الشرق الأوسط والهند نحو توسع غير مسبوق باقتصادهما واستهلاك الفرد فيهما مما سيضع ضغوطاً متزايدة على النفط لرفع الأسعار ويجعل من دول الخليج مرتكزة على استقرار نسبي لعائدات النفط سيستمر حتى نهاية العقد الحالي. وبالطبع لا يمكن الركون إلى مثل هذا التوقع، بدون وضع بدائل إن سارت الأمور على غير ما يتمنى المرء، منها أولا: اغتنام عهد الوفرة وإنفاق الأموال في سنوات سِمان لبناء بنية تحتية في المواصلات والصناعة والتعليم تجعل من وجودها عوامل استقرار اقتصادي مشجع للاستثمار بحلول سنوات عجاف. ويُتبع مثل هذا التوجه بتنويع اقتصادي محلي لكل دولة خليجية على حدة ودفع تبلورها معاً نحو كتلة اقتصادية قوية، وسوق مكتفية ذاتياً. والبقاء للأصلح.