ركزت وسائل الإعلام الفرنسية خلال الأشهر الماضية على مستوى نادي باريس سان جيرمان خصوصا بعدما آلت معظم أسهمه إلى القيادة القطرية الراغبة في خلق طفرة حقيقية داخل هذا النادي العريق.
إذ تقول صحيفة "لا ليبراسيون" أن النادي بدأ يشهد تطوراً ملموساً سواء على مستوى التدريب الفني والمهاري في ألعاب عديدة خصوصاً كرة القدم، وكرة اليد.
وأضافت الصحيفة أن الإدارة القطرية وسعت من نطاق تدريبات الفرق كافة، علاوة على أنها أبقت على بارك دي برانس أو ساحة الأمراء بغرض التدريب في مكان أفضل، كما سيتم تجديد هذه الساحة قبل انطلاق فعاليات مباريات كأس الاتحاد الأوروبي عام 2016 بفرنسا.
من جهتها، أشارت صحيفة "ليكيب" الفرنسية أن الإدارة الجديدة للنادي عمدت لاستقطاب أمهر اللاعبين من جميع أنحاء العالم خصوصاً دول أميركا اللاتينية مثل البرازيل والأرجنتين والأوروغواي.
هذا بالإضافة إلى التعاقد مع نجم البرازيل السابق ليوناردو ليتولى مهمة إدارة الفريق وقيادته في الفترات المقبلة.
ولم تكن فكرة شراء نادي باريس سان جيرمان الفرنسي مجرد وسيلة لزيادة مساحة الوجود على خريطة الرياضية العالمية، بل كانت في الأساس مشروعاً كبيراً يهدف إلى ترسيخ مبدأ هام وجديد، في ذات الوقت، ألا وهو إتقان الاستثمار الرياضي الأوروبي من أجل تحقيق البطولات، محلياً وقارياً، بمساعدة عدة عوامل يأتي في مقدمتها الدعم المالي والفكر الإداري، وهو ما أثبته القطريون خلال هذه المدة القصيرة منذ نجاحهم في شراء النادي قبل أكثر من عام.
وكانت البداية في مايو عام 2011، حين تمكنت مؤسسة قطر للاستثمار من شراء 70% من أسهم النادي، في خطوة قوبلت بترحاب كبير من جانب بلدية باريس، معتبرةً إياها فرصة لتعزيز عودة باريس سان جيرمان بين نخبة الأندية الأوروبية الكبرى.
وتعليقاً من جانبهم على الصفقة التي أتمتها قطر بمبلغ قدره 50 مليون يورو، غطت ديوناً كانت متراكمة على كاهل النادي بقيمة تتراوح ما بين 15 إلى 20 مليون يورو وكذلك خسائر تقدر بـ 19 مليون يورو خلال موسم 2010–2011، أكد كثير من المراقبين العرب والأجانب أن توجه قطر كان ذكياً للغاية لإدراكها أنها ستدعم وتعزز مكانتها على الصعيد العالمي، خاصة بعد نجاحها في نيل شرف تنظيم بطولة كأس العالم التي ستستضيفها في العام 2022.
فيما أشار خبراء متخصصون في الشأن الرياضي والاستثماري إلى أن قطر كانت بحاجة بالفعل لتعزيز وجودها على الساحة العالمية، في ظل تمتعها بقوة مادية وإمكانات بشرية وطموحات لا تنقطع، وربما وجدت ضالتها في هذا الشأن في كرة القدم، الرياضة الأكثر شعبية وجماهيرية حول العالم، وهي تسير على النهج الصحيح حتى الآن.
وبعد إتمام الصفقة مع المالك السابق شركة "كولوني كابيتال" الأميركية، بدأت تعج وسائل الإعلام بتقارير تشيد بتلك الصفقة، خاصة أنها جاءت لتصب في صالح كلا الطرفين، ولما لا والبعض بدأ يتحدث عن مستقبل مشرق بالنسبة لنادي العاصمة الفرنسية، بعد أن أضحى واحداً من أغنى الأندية في فرنسا وفي العالم بأسره.
وخير دليل على ذلك شراء لاعبين خلال موسم 2011-2012، بمبالغ كبيرة وصلت إلى 108 ملايين يورو مما جعله واحداً من أكبر الأندية إنفاقاً على المستوى العالمي.
ولم تقف طموحات قطر عند هذا الحد، حيث نجحت في مارس الماضي في الاستحواذ على كامل أسهم النادي بعد شراء الـ 30% المتبقية للمالك السابق شركة "كولوني كابيتال" الأميركية.
وسبق لناصر الخليفي رئيس نادي باريس سان جيرمان، أن أكد في تصريحات لمجلة "فرانس فوتبول" الشهيرة أن خيار شراء النادي الباريسي جاء بعد دراسة عميقة وليس مجرد صدفة.
وأضاف أيضاً: "يملك باريس سان جيرمان تاريخاً خاصاَ وثقافةً شخصيةً. لم نختر سان جيرمان بالصدفة، فهو ناد يملك هوية ولا نسعى لتغييرها".
وبمجرد إنهاء صفقة شراء النادي، اتسقت الجهود المبذولة على الصعيد الإداري مع الجهود المبذولة على الصعيد الكروي، وهو ما بدا واضحاً من خلال تعاقده في البداية من النجم البرازيلي السابق ليوناردو ليشغل منصب المدير الرياضي، ومن ثم استقدامه بعض النجوم من أمثال الأرجنتيني خافيير باستوري والأوروغوياني دييغو لوغانو.
ثم أكمل النادي سلسلة تعاقداته المميزة عبر تعاقده مع المدرب الإيطالي المخضرم كارلو أنشيلوتي، الذي أضاف قدراً كبيراً من الانضباط والالتزام داخل جنبات النادي على كافة الأصعدة والمستويات، خاصة أنه تسلم الفريق وهو بحالة لم تكن جيدة.
وبعدها تعاقد مع ثلاثة لاعبين برازيليين من الطراز العالمي وهم: ماكسويل من برشلونة وأليكس من تشلسي بطل أوروبا وتياغو موتا من إنتر، وهي التعاقدات التي عكست حقيقة استهداف النادي الباريسي للاعبين محنكين، وتطلعه للاستعانة بقدراتهم وخبراتهم ومهاراتهم في دوري الموسم القادم.
وقد تعاقد النادي هذا الصيف مع الأرجنتيني إيزيكييل لافيتزي من نادي نابولي، والبرازيلي تياغو سيلفا والسويدي زلاتان إبراهيموفيتش من ميلان، والإيطالي الصاعد ماركو فيراتي من بيسكارا لتكتمل صفوف الفريق بالنجوم الكبار الذين يستطيعون المنافسة في كافة البطولات.
ولم تقتصر السياسة القطرية على هكذا تعاقدات أو تدعيمات لصفوف الفريق الأول لكرة القدم بالنادي، بل امتدت أيضاً لتطال جوانب أخرى منها بناء بعض المنشآت الجديدة للنادي، وهو ما برز من خلال التصريحات التي سبق أن أشار فيها الخليفي إلى أنه يحلم ببناء ملعب جديد بسعة 60 ألف متفرج بدلاً للملعب الحالي بارك دي برانس.
وبخصوص مركز التدريب قال الخليفي: "لدينا مشروع في سان جيرمان، مشروع كبير، وهو مركز كبير جداً للتدريب مع منشآت من الطراز الرفيع. شرحنا لبلدية باريس ما نحتاجه ونحن بانتظار ردها، فهم أصحاب الشأن وإن لم يمنحونا ما نرغب فيه سندرس حلولاً أخرى".
وهي التصريحات التي اعتبرها كثيرون بمثابة التأكيد على المشروع العملاق والحقيقي الذي تسعى قطر من خلاله لإكمال مشوار نجاحاتها الاستثمارية.
هذا بالإضافة للهدف الأسمى الذي وضعته قطر فيما يتعلق بتحويل النادي إلى نادي مربح خلال السنوات الخمس المقبلة، حيث سبق أن أكد الخليفي في تصريحات خصّ بها شبكة "سي إن إن" الأميركية أن الهدف هو تطوير النادي وتحويله لواحد من أكبر الأندية في العالم.
وأضاف: "نسعى لكسب الأموال خلال خمسة أعوام".
وبينما لم يحقق باريس سان جيرمان النتيجة التي كانت مرجوة منه الموسم الماضي، حيث حل ثانياً بعد مونبيليه، يبدو أن الأوضاع كلها ستتغير هذا الموسم، خاصة في ظل إصرار وإدراك كارلو أنشيلوتي وهو يقود الفريق منذ بداية الموسم أن المركز الأول وصدارة جدول ترتيب الدوري الفرنسي هو الهدف المطلوب إنجازه في موسم 2012-2013، خاصة أن الملاك القطريين مستعدون لدفع مبالغ ضخمة في سوق الانتقالات الصيفية، من أجل استقدام كفاءات في مختلف المراكز، مما جعل وسائل إعلام فرنسية تتكهن بأن الفريق سيكون أقوى فرق البطولة الفرنسية عند انطلاقها.