على وقع ضجيج الربيع العربي اجتمع نحو الف من الساسة والاقتصاديين وجهابذة العلوم المختلفة الى أروقة قصر الملك حسين للمؤتمرات في منطقة البحر الميت بايقاع هادئ لا يعكس صورة الصخب الذي اختلج جلسات العمل التي حفلت بالاشارات الملمحة والمصرحة بأثر ما يحدث عربيا.
وعبر عشرين جلسة عمل رئيسية وضعفيها من الجلسات الفرعية والمباحثات الجانبية كانت السياسة هي الحاضر الابرز في مؤتمر حمل عنوانا اقتصاديا بحتا في صورته الاولية رغم ما حمل من مضامين سياسية عميقة ترتبط بالشفافية والعدالة وحسن توزيع مكاسب التنمية.
من كلمة الافتتاح لجلالة الملك عبدالله الثاني كانت شارة البدء ليس لانطلاق اعمال المنتدى فحسب بل لنقاش معمق حول دور الخريف الاقتصادي الذي عاشته المنطقة لعقود في انطلاقة «الربيع العربي» الذي قاربت شهوره على قضم اشهر السنة كلها. ولم يكن حديث جلالة الملك عن بوابات للعبور نحو المستقبل الا محاكاة حقيقية لنبض الشارع في كل الاصقاع التي عاشت وتعيش ربيع العرب حيث تقاسم جلالته مع ذلك الشارع دعوته الى الكرامة والفرص الاقتصادية والديمقراطية والسلام والعدل.
ومثلما راق للشعوب ان تطلق دعواتها لفتح تلك البوابات فقد اعتبر الملك ان احداث هذا العام فتحت الطريق امام التغير الإيجابي، على الرغم من انها أدت في العديد من الأماكن إلى اختلالات اقتصادية مؤلمة تدفع نحو وضع استراتيجيات تغطي كافة جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية وصناعة السياسات. وفي كلمة لاحقة لرئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد آل ثاني لم يغفل السياسي صاحب الدور البارز في التعاطي مع احداث ليبيا وسوريا على وجه التحديد الدور الاقتصادي الكبير لما يقع من أحداث.
وكانت كلمات الشيخ حمد تأكيد آخر على أن سوء توزيع ثمار التنمية وارتفاع نسب البطالة والامية والفقر زادت التوتر بين الحاكم والمحكوم وأدت الى ما تشهده المنطقة العربية حاليا من تعبير عن حالة السخط على فرص العمل والفقر والاجور المنخفضة. «النفس» السياسي للاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بدا أكثر وضوحا كلما افتتحت جلسة من جلسات عمل المنتدى أو دار حديث بين أي شخصيتين من المشاركين سواء داخل الجلسات او في الوقت المستقطع بينها للاستراحة او لتناول طعام الغداء او العشاء. فلم يغب عن بال غالبية المتحدثين الاشارة الى البطالة والفقر كمحركين اساسيين لانطلاقة الربيع العربي الذي تنبأ الكثير بأنه بوابة ربيع عالمي يتمثل الآن باتساع رقعة المنضوين في حراك «احتلوا وول سترييت». وهو أمر اشار اليه متحدثون اجانب أكثر من مرة، حيث قال أحدهم بكل صراحة «شباب العرب المتعطلين عن العمل في طريقهم لرسم صورة أخرى لوجه العالم» مشيرا الى بوعزيزي تونس الذي أطاح دفاعه عن حقه في العمل بنظام سياسي حكم تونس لعقود.
وكدلالة واضحة على الوجه السياسي الذي غطاه منظمو المؤتمر بعنوان اقتصادي كان الوجه الابرز بين الحضور والاكثر طلبا لدى الاعلاميين هو وجه رئيس وزراء المجلس الانتقالي الليبي محمود جبريل الذي تحدث كثيرا عن وجه ليبيا المقبل والمنشود بالتزامن مع اعلان المجلس الانتقالي الليبي استكمال تحرير الاراضي الليبية.
جبريل الذي اختار أروقة المنتدى ليعلن نفيه القاطع نيته مغادرة موقعه التي تناولتها وسائل اعلام عربية ودولية ربط كثيرا بين ما شهدته ليبيا من أحداث وما انتهجه النظام السابق من سياسات خصوصا في الجانب الاقتصادي. في الغالب لم تكن اسئلة الصحفيين ومقابلاتهم مع المشاركين تتناول الجانب الاقتصادي الا في النذر اليسير منها وهو ما تسبب بغضب بعض الاقتصاديين لدرجة ان احدهم يصرخ اثناء لقائه مع إحدى الفضائيات بنبرة غاضبة «انا والله مش سياسي». وحاول رؤساء الجلسات أكثر من مرة تنحية السياسي من محور نقاش الجلسات التي أداروها بعضهم دون ان يطلب وأخرون قالوها صراحة حين طلب أحدهم بشكل صريح من المحاورين ان يحاولوا الإبتعاد عن ربيع العرب ولو قليلا ومناقشة موضوع الجلسة بصورة فنية. السيناتور الأمريكي، مرشح الرئاسة الامريكية السابق جون ماكين كان من أكثر المتحدثين في السياسة وضوحا عندما تناول موضوعا لا يمت لعنوان المنتدى بصلة ولا يرتبط بشكل خاص بربيع العرب، حين قال ان الجماعات الاسلامية ستتمكن من الدخول في العملية السياسية ويجب على امريكا الترحيب بشمول أي جماعة او حركة بالدعم طالما انها تنبذ العنف وتتمسك بالديمقراطية.
رئيس الوزراء البريطاني السابق مبعوث اللجنة الرباعية الدولية توني بلير، امين عام جامعة الدول العربية نبيل العربي، وسلفه العازم على الترشح لرئاسة الجمهورية في مصر عمرو موسى ،وصولا الى رئيس الوزراء المكلف عون الخصاونة ووزير خارجيتنا السابق ناصر جودة وغيرهم من الشخصيات على اختلاف جنسياتها ومواقعها وتخصصها اجتمعت على عامل مشترك لم تستطع اغفاله عنوانه ومضمونه الرئيسي «الربيع العربي».