«مغرِب الشَّمس» في القرآن الكريم .. فيديو

تاريخ النشر: 25 يوليو 2015 - 05:17 GMT
«مغرِب الشَّمس»
«مغرِب الشَّمس»

بقلم: د. محمد عناد سليمان

أشرنا في مقال سابق إلى سبب تسمية «ذي القرنين» بهذا الاسم، واختلافهم في معرفته، وجزم بعضُهم أنَّه «الإسكندر المقدونيّ» على نحو ما وجدناه عند «الزَّمخشريُّ» في «كشَّافه»، و«ابن عطيَّة» في «محرَّره»، و«ابن كثير» في «تفسيره»، وغيرهم، وقد بيَّنا أنَّهم توَّهموا في أنَّه «الإسكندر»؛ لأسباب تاريخيَّة، وصفات لم تتحقَّق فيه، منها ما ذكره «الألوسي» حيث قال: «واعترض أيضًا بأنَّ إسكندر المذكور لم يتحقَّق له سفر نحو المغرب في كتب التَّواريخ المعتبرة»، ولأنَّه كما يقول «البغويّ»: «كان ملكًا صالحًا» وعليه الأكثرون.

وغالب الظَّنّ أنَّ اختلافهم ناتج عن الأخبار القصصيَّة، والتَّاريخيَّة، والاسترواح إلى بعض الاشتقاقات اللَّفظيَّة، «ولعلَّ اختلافهم له مزيد اتصال باختلاف القصَّاصين الذين عنوا بأحوال الفاتحين عناية تخليط لا عناية تحقيق، فراموا تطبيق هذه القصَّة عليها». ونتيجة لهذا الاختلاف رأى «ابن عاشور» ضرورة استخلاص أحوال هذه القصَّة من الآية «تقرِّب تعيينه، وتزييف ما عداه من الأقوال»، إذ «ليس يجب الاقتصار على تعيينه من بين أصحاب هذه الأقوال؛ بل الأمر في ذلك أوسع، وهذه القصَّة القرآنيَّة تعطي صفات لا محيد عنها:

إحداها: أنَّه كان ملكًا صالحًا. الثَّانية: أنَّه كان ملهمًا من الله. الثَّالثة: أنَّ ملكه شمل أقطارًا شاسعة. الرَّابعة: أنَّه بلغ في فتوحه من جهة المغرب مكانًا كان مجهولاً، وهو عينٌ حمئة. الخامسة: أنَّه بلغ بلاد يأجوج ومأجوج، وأنَّها كانت في جهة ممَّا شمله ملكه غير الجهتين الشَّرقيَّة والغربيَّة، فكانت وسطًا بينهما كما يقتضيه استقراء مبلغ أسبابه. السَّادسة: أنَّه أقام سدًّا يحول بين يأجوج ومأجوج وبين قوم آخرين. السَّابعة: أنَّ يأجوج ومأجوج هؤلاء كانوا عائثين في الأرض فسادًا، وأنَّهم كانوا يفسدون بلاد قوم موالين لهذا الملك. الثَّامنة: أنَّه كان معه قوم أهل صناعة متقنة في الحديد والبناء. التَّاسعة: أنَّ خبره حفيٌ دقيق لا يعلمه إلا الأحبار علمًا إجماليًّا كما دلَّ عليه سبب النُّزول.

ثم استنتجَ من هذه الأحوال أنَّه لا يمكن بحال أن يكون المقصود «الإسكندر» فقال: «وأنت إذا تدبَّرتَ جميع هذه الأحوال نفيتَ أن يكون ذو القرنين إسكندر المقدوني؛ لأنَّه لم يكن ملكًا صالحًا؛ بل كان وثنيًا، فلم يكن أهلا لتلقِّي الوحي من الله، وإن كانت له كمالات على الجملة، وأيضًا فلا يعرف في تاريخه أنَّه أقام سدًّا بين بلدين». وبيَّن سبب نسبة القصَّة إليه فقال: «و أحسبُ أنَّ لتركيب القصَّة المذكورة في هذه السُّورة على اسم إسكندر المقدونيّ أثرًا في اشتهار نسبة السَّدِّ إليه، وذلك من أوهام المؤرِّخين في الإسلام، ولا يعرف أنَّ مملكة إسكندر كانت تبلغ في الغرب إلى عين حمئة، وفي الشَّرق إلى قوم مجهولين عراة أو عديمي المساكن، ولا أنَّ أمتَّه كانت تلقَّبه بذي القرنين، وإنَّما انتحل هذا اللَّقب له لما توهَّموا أنَّه المعنيّ بذي القرنين في هذه الآية، فمنحه هذا اللَّقب من مخترعات مؤرِّخي المسلمين، وليس رسم وجهه على النَّقود بقرنين ممَّا شأنه أن يلقب، وأيضًا فالإسكندر كانت أخباره مشهورة؛ لأنَّه حارب الفرس والقبط وهمَّا أمَّتان مجاورتان للأمَّة العربيَّة».

وابتعد من جعله «إسكندر» آخر على نحو ما ذهب إليه «ابن حجر» حيث قال: «الإسكندر اليوناني كان قريبًا من زمن عيسى عليه السَّلام، وبين زمن إبراهيم وعيسى أكثر من ألفي سنة، والذي يظهر أنَّ الإسكندر المتأخِّر لقِّب بذي القرنين تشبيهًا بالمتقدِّم لسعة ملكه، وغلبته على البلاد الكثيرة، أو لأنَّه لمَّا غلب على الفرس وقتل ملكهم انتظم له ملك المملكتين الواسعتين الرٌّوم والفرس فلقِّب ذا القرنين لذلك، والحقَّ أنَّ الذي قصَّ الله نبأه في القرآن هو المتقدِّم». وإليه ذهب «ابن تيمية» إذ قال: «كان أرسطو قبل المسيح بن مريم عليه السَّلام بنحو ثلاثمئة سنة، كان وزيرًا للإسكندر بن فيلبس المقدونيّ الذي غلب على الفرس، وهو الذي يؤرَّخ له اليوم بالتَّاريخ الرٌّومي، تؤرِّخ له اليهود والنَّصارى، وليس هذا الإسكندر هو ذا القرنين المذكور في القرآن كما يظنُّ ذلك طائفة من النَّاس. فإنَّ ذلك كان متقدِّما على هذا، وذلك المتقدِّم هو الذي بنى سدَّ يأجوج ومأجوج، وهذا المقدوني لم يصل إلى السَّدّ، وذاك كان مسلمًا موحِّدًا، وهذا المقدوني كان مشركًا هو وأهل بلده اليونان كانوا مشركين يعبدون الكواكب والأوثان».

لذلك رجَّحنا سابقًا أنَّ المقصود هو الملك «قورش» على نحو ما ذهب إليه «آزاد»، والدكتور «حاكم المطيريّ»؛ لأنَّه يتطابق مع السِّياق القرآنيّ والسَّائلين عنه من «اليهود» لعلمهم ومعرفتهم به، وهو يؤكِّد ما يفسّرونه من حلم «دانيال» في الإصحاح الثَّامن حيث جاء: «أمَّا الكبش الذي رأيته ذا القرنين فهو ملوك مادي وفارس، والتَّيس العافي ملك اليونان..والقرن العظيم الذي بين عينه هو الملك الأوَّل، وإذا انكسر وقام مكانه أربعة عوضًا عنه فستقوم أربع ممالك من الأمَّة، ولكن ليس في قوَّته».

فإنْ قلتَ: هل يجوز الاعتماد على ما ورد في «التَّوارة»؟ وما فسَّروه من ذلك؟ قلتُ: نعم، وقد ورد عن بعض السَّلف ما يؤكِّدُ ذلك، منه ما ذكره «ابن كثير» في قوله: «وقال سعيد بن جبير: بينا ابن عبَّاس يقرأ سورة الكهف، فقرأ: وجدها تغرب في عين حمئة. فقال كعب: والذي نفس كعبٍ بيده ما سمعتُ أحدًا يقرؤها كما أنزلت في التَّوراة غير ابن عبَّاس، فإنَّا نجدُها في التَّوراة: تغربُ في مدرة سوداء».

وفي موضع آخر قال: «كان ابن عبَّاس يقول: في عين حمئة، ثمَّ فسَّرها: ذات حمأة. قال نافع: وسئل عنها كعب الأحبار فقال: أنتم أعلم بالقرآن منِّي، ولكنِّي أجدها في الكتاب: تغيب في طينة سوداء».

وذكر «الرَّازيُّ» في «مفاتيحه» أنَّ اتفاقًا حصل على قول «ابن عبَّاس» لكن برواية مختلفة فقال: «واتفق أنِّ ابن عبَّاس كان عند معاوية فقرأ معاوية «حامية»، بألف، فقال ابن عبَّاس: «حمئة»، فقال معاوية لعبد الله بن عمر: كيف تقرأ؟ قال: كما يقرأ أمير المؤمنين، ثمَّ وجه إلى كعب الأحبار: كيف تجد الشَّمس تغرب؟ قال: في ماء وطين، كذلك نجدُه في التَّوراة».

وفي هذه الأخبار ونظائرها دلائل واضحة على أمرين:

الأوَّل: أنَّ ذكر العين الحمئة، وذكر «ذي القرنين» قد ثبتَ وروده في الكتب السَّماويَّة السَّابقة ومنها «التَّوراة».

الثَّاني: أنَّ المراد بالسَّائلين في الآية ذاتها في قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ﴾ الكهف: 83، هم «اليهود» لعلمهم السِّابق بهذه القصَّة، وغايتهم التَّأكُّد من صحَّة نبوَّة محمَّد e، ونزول الوحي عليه، إذ هو من علم الغيب السَّابق.

وسنقف في المقالات التَّالية على رحلته في الشَّرق، لمعرفة ما المقصود بـ«مغرب الشَّمس» في قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً﴾ الكهف: 86.

الجزء الثاني

قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً﴾ الكهف: 86.

بيَّنا في مقالات سابقة أنَّ المك «قورش» هو المقصود بـ«ذي القرنين» بأدلَّة رجَّحها أهل الخبرة والاختصاص، وهو أوَّل ملوك «فارس»، عاش في الفترة الواقعة بين عامي «560 – 529» قبل الميلاد، واستولى على «آسيا» و«بابل»، و«ميديا»، وحكم بين عامي «550 – 529» قبل الميلاد.

وغالبُ الظَّنَّ أنَّ اسمه هذا هو اسم «يهوديّ» كما يشير بعض المؤلِّفين، على نحو ما نجده عند «مجيز الدِّين الحنبليّ» صاحب كتاب «الأنس الجيل بتاريخ القدس والخليل» إذ يقول: «لمَّا جرى ما ذكر من تخريب بيت المقدس ولبث على التَّخريب سبعين سنة، عمره بعد ذلك بعض ملوك الفرس، واسمه عند اليهود: كورش».

وأكَّد في موضع آخر أنَّه يحقِّق نبوءة لما ورد في «التَّوراة»، وهو ما ذكرناه سابقًا، حيث يقول: «وحكى بعض المؤرِّخين أنَّ الله أوحى إلى أشعيا النَّبيّ عليه السَّلام أنَّ كورش يعمر بيت المقدس»، وذكر لفظ «أشعيا» «وهو أنَّ القائل لكورش راعيًا الذين يتمم جميع محياي ويقول لأورشليم: عودي مبنيَّة، ولهيكلها: كن زخرفًا مزيَّنا». وقد ورد في «الإصحاح الأوَّل»: «هكذا قال كورش ملك فارس: جميع ممالك الأرض دفعها لي الرَّبُّ إله السَّماء، وهو أوصاني أن أبني له بيتًا في أورشليم التي في يهوذا».

ونظيره ما ذكره «المسعوديّ» في «التَّنبيه والأشراف» حيث يقول: «والإسرائيليُّون وكثير من النَّاس يسمُّونه كورش». وقد فصَّل «أبو الفداء» في «المختصر في أخبار البشر» فقال: «وأزدشير بهمن المذكور، اسمه بالعبرانيَّة كورش، ويقال: كيرش، الذي أمر بعمارة بيت المقدس بعد أن خربه بختنصر، فعمره أزدشير وأمر بني إسرائيل بالرّجوع إليه، ولا دليل على أنَّ أزدشير المذكور هو كورش أقوى من كلام أشعيا النَّبيّ عليه السَّلام». وهو ما أكَّده «ابن خلدون» في تاريخه أيضًا.

أمَّا عن معنى اسم «كورش: Cyrus» فقد ورد أنَّ معناه: «عرش الشَّمس» كما في معاني مفردات «الكتاب المقدَّس»، وليس غريبًا أن يكون هذا المعنى مناسبًا لما ورد في الآية السّابقة من ذكر لـ«مغرب الشَّمس»، و«مطلع الشَّمس» المناسبين للمعنى المستفاد من اسمه.

ولفظة «مغرِب» و«مطلِع» بالكسر جاءت مخالفة لما اتَّفق عليه علماء «النَّحو»، إذ المطَّرِد منها على الفتح، نحو: «منبَت»، و«محشَر»، وهي لغة «تميم»، ونُسبت إلى «أهل اليمن»، كما في «المخصَّص» لـ«ابن سيده»، والكسر لغة «الحجاز»، نسبها إليهم «أبو زيد» و«ابن السِّكِّيت»، وذهب بعضُ المحدثين - وهو ما نرجِّحُه- إلى أنَّ هذه الألفاظ وما أشبهها إنَّما جاءت مخالفة للقاعدة التي يجب أن تكون عليها؛ لأنَّها لم يُقصد بها التَّعبير عن اسمي الزَّمان والمكان بالمعنى النَّحويّ، وإنَّما هي أسماء لأماكن مخصوصة، فهي إطلاقات خاصَّة، لا تندرج تحت شروط الصِّيغة، ولا يمكن القبول بحال أنَّ المراد منها مكان «غروب»، أو «طلوع» «الشَّمس» حقيقة؛ لأنَّ «الوصول إلى مغرب الشَّمس من السّماء فمتعذِّر، وما يذكره أصحاب القصص والأخبار من أنَّه سار في الأرض مدَّة والشَّمس تغرب من ورائه فشيء لا حقيقة له، وأكثر ذلك من خرافات أهل الكتاب».

ولم يذكر المفسِّرون تحديًدا للمكان المراد من قوله تعالى: ﴿مَغْرِبَ الشَّمْسِ﴾، وإنَّما اكتفوا بتبيان حالتها بين الحقيقة والمجاز، إلا ما خلا من نتفٍ قد لا تثبتْ عند التَّحقيق، على نحو ما ذكره «القرطبيّ» عن «السُّهيلي»: «ووجد عندها قومًا، أي: عند العين، أو عند نهاية العين، وهم أهل جابرس، ويقال لها بالسِّريانيَّة: جرجيسا، يسكنها قوم من نسل ثمود، بقيَّتهم الذين آمنوا بصالح».

وذكر «ابن عاشور» أنَّها قريبة من بحر «الخزر» فقال: «ويظهر أنَّ هذه العين من عيون النَّفط الواقعة على ساحل بحر الخزر حيث مدينة باكو، وفيها منابع النَّفط الآن، ولم يكن معروفًا يومئذ، والمؤرّخون المسلمون يسمَّونها البلاد المنتنة»، وأكَّد ذلك في موضع آخر فقال: «والأشبه أن يكون ذو القرنين قد بلغ بحر الخزر وهو بحيرة قزوين، فإنَّها غرب بلاد الصِّين»، وقوله هذا راجع إلى ترجيحه أنَّ «ذا القرنين» ملكٌ من ملوك «الصِّين» حيث قال: «فالذي يظهر لي أنَّ ذا القرنين كان ملكًا من ملوك الصِّين لوجود أسباب:

أحدها: أن بلاد الصِّين اشتهر أهلها منذ القدم بأنَّهم أهل تدبير وصنائع.
الثَّاني: أنَّ معظم ملوكهم كانوا أهل عدل وتدبير للمملكة.
الثَّالث: أن من سماتهم تطويل شعر رؤوسهم وجعلها في ضفيرتين، فيظهر وجه تعريفه بذي القرنين.
الرَّابع: أن سدًّا وردْمًا عظيمًا لا يعرف له نظير في العالم هو موجود بين بلاد الصِّين وبلاد المغول».

قلتُ: إنَّ ما ذكره «ابن عاشور» من حيث موضع «مغرب الشَّمس» ليس بصحيح على ما بيَّنا سابقًا، ولكنَّه قد يترجَّح في «مطلع الشَّمس» التي وصلها «ذو القرنين» وهي في «الصِّين»، أمَّا أن تكونا في «الصِّين» فهذا ممَّا تردُّه الرِّوايات التَّاريخيَّة التي بيّنت رحلة الملك «كورش» في الشَّرق والغرب.

بينما ذكر «آزاد» أنَّ خطَّ سير الملك «كورش» بدأ من شمال «العراق» إلى «تركيا» إلى «البحر الأسود»، فقال: «وهناك وتحديدًا عند البحر الشّبه مغلق المعروف ببحر آزوف، أي: بحر الطِّين، شاهد منظرًا جغرافيًّا مميزًا، ذكره الله في سورة الكهف، بأنَّ الشَّمس في تلك البقعة كانت تغرب في عين حمئة، أي: عين من الطِّين».

والجدير ذكره أنَّ طائر «العنقاء» له صلة وثيقة كما أرى بمدينة «مغرب الشَّمس» لأمور:

أوَّلها: أنَّ بعض علماء اللُّغة كـ«ابن دريد» في «جمهرة اللُّغة»، و«ابن منظور» في «لسان العرب»، و«الزّبيدي» في «تاج العروس» فيما ينقلونه عن «ابن كراع» ذكروا أنَّ «العنقاء طائر يكون عند مغرب الشَّمس».

الثَّاني: أنَّ الأخبار الواردة في تاريخ هذا الطَّائر تشير إلى أنَّه انقرض منذ «2700» سنة تقريبًا، وهو التَّاريخ الذي عاش فيه الملك «كورش»، وكانت رحلته إلى «مغرب الشّمس» و«مطلعها».

الثَّالث: أنَّ «العنقاء» قد وردت في أشعار «الإغريق»، وكان لديهم معبد طائر العنقاء «إنكي»، وكان شعب «فينيقيا» يعبده ويقدِّمُ له الأضاحي البشريَّة، وله معبد آخر في مدينة «hierapolis»، وتعني: المدينة المقدِّسة.

الرَّابع: أنَّ هذه المدينة المقدَّسة تقع في «تركيا» غرب مدينة «أنطاليا».

الخامس: أنَّ «العنقاء» وردت في أشعار «العرب» مقرونة بوصف «المغرب» دون غيرها، منها قولهم:

ولوْ لا سُلَيْمَانُ الأَمِيرُ لحَلَّقَتْ       به، مِن عِتاقِ الطيْرِ، عَنْقاءُ مُغْرِبُ


وقال الآخر:
إِذا اسْتُبْهِلَتْ أَو فَضَّها العَبْدُ، حَلَّقَتْ    بسَرْبك، يوْم الوِرْدِ، عَنْقاءُ مُغْرِبُ

السَّادس: أنَّ هذا «الطَّائر» لم يوجد إلا في مكان «مغرب الشَّمس» في «آسيا» ومنها «تركيا»، يؤيِّدُ ذلك ما ذكره «ابن الكلبيّ» فيما يرويه علماء اللُّغة والمعاجم عنه حيث قال: «كان لأهل الرِّس نبيٌّ يُقال له حنظلة بن صَفوان، وكان بأرضهم جبل يقال له دَمْخ، مصعدُهُ في السَّماء ميلٌ، فكان ينتابه طائرة كأعظم ما يكون لها عنق طويل من أحسن الطّير فيها من كلِّ لون».

وقد ذكر سبحانه وتعالى «أهل الرَّسّ» في «القرآن الكريم» فقال تعالى: ﴿وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً﴾ الفرقان: 38، ويذكر المفسِّرون ومنهم «ابن عبَّاس» أنَّ «الرَّسّ» الذي نسبوا إليه هو بئر في «أذربيجان».

وهذا دليل جديد يرجِّحُ لدينا أنَّ مدينة «مغرب الشِّمس» في «آسيا» إضافة إلى ما سيأتي من الأدلَّة الأخرى التي تدعمه وتقوّيه، وتحدِّدُها بدقَّة.

وممَّا يقوِّي أنَّ «مغرب الشَّمس» اسمُ مكانٍ بعينه، ولا يُقصد منه جهة غروب الشَّمس ما ذكره «البكريّ» في كتابه «معجم ما استعجم» حيث قال: «صاحة: هضبتان عظيمتان، لهما زيادات وأطراف كثيرة، وهي من عماية، تلي مغرب الشَّمس، بينهما فرسخ». وفي شرحها قال: «صاحة: بالحاء المهملة جبل أحمر بين الرَّكاء والدّخول»، في دلالة واضحة على أنَّ المراد منها اسم موضع بعينه.

د. محمد عناد سليمان

 

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن