ربما تكون المنطقة الصحراوية الوعرة في بني وليد هي المكان الذي يشن فيه أنصار الزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي معركتهم الاخيرة.. وربما كان هذا هو أفضل مكان يقع اختيارهم عليه.
الطبيعة الجغرافية القاسية لبني وليد تعرض أي مهاجم لاطلاق نار مكثف حيث كانت هذه البلدة الواقعة الى الجنوب الشرقي من طرابلس واحدة من اخر الاماكن التي سقطت في يد القوات الايطالية الاستعمارية في القرن الماضي وتعرف منذ فترة طويلة بأنها ملاذ للمدافعين.
وقال جيف بورتر وهو خبير أمريكي مستقل في سياسات شمال افريقيا ان بني وليد "بنيت من أجل المواجهات الاخيرة".
وأضاف أن كل بلد له "منطقة حصينة نائية يختبيء فيها المقاتلون ويصمدون فيها على مدى التاريخ."
وقال ان بني وليد هي تلك المنطقة في ليبيا.
وحققت القوات التابعة للمجلس الوطني الانتقالي التي تحاول القضاء على اخر معاقل أنصار القذافي قدرا من النجاح في المناطق الحصينة في عمق الصحراء وحتى في بلدة سرت مسقط رأس القذافي التي أبدت دفاعا مستميتا على امتداد ساحل البحر المتوسط.
لكن في هذا المكان تم صد محاولات متكررة لاقتحام بلدة بني وليد مما أدى لعمليات انسحاب فوضوية وهجمات مضادة.
وتمتد بني وليد بمحاذاة سلسلة من التلال وهو طابع جغرافي يجبر المهاجمين القادمين من الشمال على عبور أخاديد مما يعرضهم لنيران مهلكة.
وأفسد التنظيم الذي يتسم بالفوضى والافتقار الى القيادة والخصومات بين الفصائل تماسك الحملة التي تهدف الى القضاء على القوات الموالية للقذافي في البلدة وحولت هجمات تلك الفصائل الى هزائم.
ويعتقد بعض الليبيين أن سيف الاسلام أبرز أبناء القذافي موجود داخل البلدة مما يساعد في تفسير سبب الاستماتة في الدفاع عنها بهذا الاصرار. ويصر المقاتلون المناهضون للقذافي على أن تضاريس هذه المنطقة وليست مهارة المدافعين عنها هي العامل الوحيد الذي يحبط تقدمهم.
وقال ضو الصالحين لرويترز وهو من قادة القوات المناهضة للقذافي ان من يحاربون الثوار الان هم "الحثالة" الذين فروا من بلدات مثل قصر بن غشير والزاوية وترهونة.
ومضى يقول أن قوات القذافي فرت الى هذا الوادي في بني وليد وبالنسبة لقواته فان تضاريس المكان هي ما تمنعها وليست القوات "التابعة للعدو".
وتتضمن أي خطة عسكرية واقعية للسيطرة على بني وليد احتمال قتل مدنيين ربما لم يفروا بعد.
وتضم البلدة قبيلة ورفلة أكبر القبائل الليبية وأي هجوم يسبب خسائر كبيرة في الارواح ربما يثير غضبها ضد المجلس الوطني الانتقالي. ويرغب السكان الذين فروا أو انضموا الى جانب المجلس الوطني الانتقالي بشدة في ضمان عدم المساس بمنازل أقاربهم.
وقال البريجادير بنجامين باري وهو ضابط سابق في الجيش البريطاني والان خبير في الحرب البرية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ان حصار هذه البلدة ربما ينجح أو اذا فر المدنيون فمن الممكن أن ينجح هجوم يشنه جيش محترف مزود بالدبابات والمدرعات الثقيلة.
وقال لرويترز "الرأي التوافقي بين الخبراء العسكريين هو أنه اذا لم تكن هناك طريقة أخرى لاقناع المدافعين الذين يعلمون جيدا ما يفعلون بالتخلي عن البلدة التي يدافعون عنها.. فليس هناك بديل لهجوم عسكري جماعي يقوم به مشاة مدربون جيدا بدعم من الدبابات والمدفعية وخبراء الالغام."
ومضى يقول "البدائل هي حدوث مواجهة وتسوية المكان بالارض بأشكال مختلفة من المتفجرات الشديدة أو تطويق المكان وتجويع المدافعين.. مما قد يجبرهم في نهاية الامر على محاولة الفرار.
وفي حين أن الكثير من المدنيين فروا يعتقد أن بعضهم ما زال موجودا في البلدة والتي من المفترض أن يكون سكانها 100 ألف نسمة. وستكون تسوية البلدة بالارض باستخدام مدافع ضخمة وحملات قصف من حلف شمال الاطلسي مسألة غير واردة على الاطلاق من وجهة النظر السياسية.
وقال شاشانك جوشي زميل المعهد الملكي للدراسات الدفاعية والامنية ان توجيه ضربات محددة بدقة تقوم بها طائرات بلا طيار توفرها الدول الاعضاء في حلف شمال الاطلسي ربما يكون لها دور وكذلك القوات الخاصة التي يعمل أفرادها كمستشارين.
وقال "الطائرات بلا طيار بها ... أجهزة استشعار ممتازة وتتميز بدقة عالية.. استخدمت بفاعلية كبيرة في مصراتة والزاوية وستكون مثالية للقضاء على مدفعية القوات الموالية داخل حدود المدينة."
وأضاف "المشكلة هي العدد المنخفض للطائرات بلا طيار المتاحة وكون سرت ومواقع أخرى مناطق ما زالت قتالية."
وذكر أن القوات المناهضة للقذافي على الارجح تفتقر بصورة كبيرة للتنظيم لدرجة تحول دون شن هجوم كوماندوس.
ومضى يقول "لذلك أعتقد باختصار أن الحصار المناسب سيكون الافضل لاجبار بني وليد تدريجيا على الاستسلام.. والمناسب لان تجويع البلدة سيكون كارثة استراتيجية تماما مثل قصفها."
وبعد عدة أسابيع من محاولة السيطرة على بني وليد وسرت في وقت واحد فان المجلس الوطني الانتقالي قرر فيما يبدو التركيز بأفضل القوات المتاحة له على سرت أولا ثم الزحف الى بني وليد لاحقا.
وقال بورتر ان هذا الترتيب للاحداث منطقي مضيفا "انهيار مسقط رأس القذافي سيكون مدويا بين الصامدين (من الموالين للقذافي) ومن الممكن أن يسهل سقوط بني وليد."
لكن في النهاية فإن العامل الاكبر الذي ليس في صالح القوات المناهضة للقذافي في بني وليد قد يكون عدم وحدتهم. ربما يستمر هذا الوضع ما دام المجلس الوطني الانتقالي لم يشكل بعد الحكومة المؤقتة.
ويريد المقاتلون من غرب البلاد الذين قادوا جهود السيطرة على طرابلس أن تكون لهم كلمة مسموعة بدرجة أكبر في أي حكومة مؤقتة يمثل أبناء بنغازي في شرق البلاد أغلب أعضائها.
وتابع بورتر "قد يكون هناك تردد بين بعض الفئات في القاء ثقلهم وراء الهجوم على كل من سرت وبني وليد قبل أن يعلموا كيف ستتم مكافأتهم."
وأردف قائلا "اخر شيء ترغب فيه ميليشيا بعد التضحية بالدماء والمال لخدمة حملة المجلس الوطني الانتقالي هو أن تجد أن أيا من أفرادها أو أعوانها لم يحصل على منصب في الحكومة."