تجددت المخاوف في لبنان من أن الأزمة السورية تتحول شيئاً فشيئاً إلى البلاد، بعد انفجار سيارة مفخخة جنوب بيروت . وعلى الرغم من التنديد الواسع من قبل أطياف سياسية ودينية مختلفة بالهجمات الإرهابية، إلا أن الجميع يخشى عودة النزاعات الطائفية التي ظلت نائمة لربع قرن، منذ نهاية الحرب الأهلية في العام 1990. ويعتقد الكثيرون أن هناك جهات خفية تسعى لإشعال نار الفتنة بين الطوائف اللبنانية
.
وقال وزير الداخلية مروان شربل، إن «ما يسعى إليه هؤلاء هو زرع الفرقة بين السنّة والشيعة»، وأضاف «أؤكد لكم أنه لا السنّة ولا الشيعة سينقادون إلى ذلك مهما حدث». وتوجهت الاتهامات إلى الجماعات المناوئة لـ«حزب الله»، التي قررت المواجهة معه بعد مشاركته إلى جانب قوات (الرئيس السوري بشار) الأسد في قتال المعارضة. وكان الثوار في سورية قد هددوا بنقل الحرب إلى معاقل «حزب الله» في لبنان.
وقبل شهرين، حذرت «جبهة النصرة» الإسلامية، وهي فصيل متشدد يقاتل نظام الأسد، بأنها ستحرق بيروت إذا لم يسحب الحزب مقاتليه من سورية. وفي المقابل، بدا مسؤولو «حزب الله» أكثر ميلاً للتهدئة عقب تفجيرات بيروت، مفضلين عدم التصعيد، في حين أنحوا باللائمة على الأعداء التقليديين وعلى رأسهم إسرائيل والولايات المتحدة. وقال النائب في البرلمان عن «حزب الله» علي عمار، في مكان الحادث، ان الحزب يستهدف بسبب «المقاومة» التي يخوضها في المنطقة ضد إسرائيل وأميركا.
وبات انتقال العنف من سورية يسير على وتيرة متسارعة في الآونة الأخيرة، في الوقت يستضيف فيه لبنان أكثر من 500 ألف لاجئ سوري. وحذر مراقبون ومسؤولون مراراً من أن الأزمة السورية ستؤثر سلباً في الوضع الأمني في لبنان. ودعا مثقفون وشخصيات لبنانية في الآونة الأخيرة إلى ضرورة ضبط النفس وعدم الانجرار وراء دعوات الحرب الطائفية، التي من شأنها زعزعة استقرار البلاد. ويأتي ذلك في الوقت الذي فشل فيه نواب البرلمان تحقيق اتفاق حول قانون انتخابي جديد، الأمر الذي عطل ميلاد حكومة جديدة.
ركز «حزب الله» في السنوات الأخيرة على تحصين نفسه من الهجمات الإسرائيلية ومحاولات التجسس، إلا أن تزايد قوة الجماعات المسلحة المناوئة للحزب القوي، فضلاً عن التغيرات التي فرضتها الحرب في سورية المجاورة والتي انخرط فيها بشكل واضح، باتا عاملين يشكلان تحدياً كبيراً لهيمنة الميليشيا ونفوذها في المنطقة.
وقد تكون التفجيرات الأخيرة في معقل الحزب من بوادر النقل الفعلي للأزمة السورية، وقد يكون منفذو العملية من المقاتلين السوريين أو الجماعات المساندة لهم في لبنان، مثل جماعة (الشيخ أحمد) الأسير، التي انسحبت بعد مواجهة مع الجيش في صيدا. ويتهم كثير من اللبنانيين «حزب الله» بالوقوف وراء الهجوم على الأسير والمقاتلين التابعين له. وكان رئيس الوزراء السابق سعد الحريري قد أشار إلى أن الحزب ساهم في زيادة التوتر من خلال وضع المتاريس ونقاط التفتيش التي استفزت سكان صيدا.
وعلى الرغم من شعبية الأسير المحدودة إلا أن الكثير من اللبنانيين رأوا في تدخل الجيش الحازم ضده ازدواجية من قبل المؤسسة العسكرية التي لا تجرؤ على معاملة عناصر «حزب الله» بالمثل، مشيرين إلى عجز قوات الأمن. ولعل حادثة مقتل متظاهر مطلع الشهر الجاري، في بيروت، على يد عناصر تنتمي إلى الميليشيا أمام وحدة من الجيش، مثال على نفوذ وقوة الحزب في لبنان.
وتتهم شخصيات وطنية إسرائيل بالوقوف وراء التفجير الأخير سعياً منها لدفع لبنان نحو الفتنة الطائفية. ويرى الباحث في مركز موشي ديان لأبحاث الشرق الأوسط وإفريقيا في تل أبيب، هاريل شوريف هاليفا، ان ردود الأفعال من الاتجاه العام السنّي جديرة بالاهتمام، خصوصا ما صرح به الحريري، لأن الإشارة إلى إسرائيل لا يعتبر «رد فعله النموذجي» في مثل هذه الحالات، موضحا، أن ذلك «يدل بوضوح على القلق من احتمال أن الحرب السورية ستخترق في النهاية الحدود اللبنانية وتؤدي إلى نزاع دموي بين السنّة والشيعة داخل لبنان». ويرجح هاليفا أن تكون «جبهة النصرة» ضالعة في الهجوم الأخير كرد على تدخل الحزب في النزاع السوري. وقد تبنت وحدة من الجيش السوري الحر مسؤولية التفجيرعلى موقع «فيس بوك»، وقالت ان الهجوم يعتبررداً على مشاركة عناصر «حزب الله» في قصف مدينة حمص. أما الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، طوني بدران، فيقول انه ليس متأكدا بأن جماعة الأسير هي التي تقف وراء هجوم بيروت، ولكن يرجع ذلك إلى «تدخل (حزب الله) في حمص، إذا فالأمر ربما يتعلق بالوضع في سورية»
وأفادت مصادر خاصة في بيروت لبدران، أنه تم اكتشاف سيارة مفخخة في منطقة مار ميخائيل، قبل أسبوعين من التفجير. وبالتالي، فإن فكرة الإبقاء عن التدخل في سورية بعيدا عن لبنان، مجرد وهم، حسب بدران، الذي يرى أنها كلما تمكنت هذه الهجمات من ضرب معاقل الحزب ارتفع ثمن مشاركته في الصراع السوري. ويرى لبنانيون أن هناك مستفيدين من عودة الفتنة الى لبنان بين الطائفتين الرئيستين، خصوصا في ظل الثورات التي تحيط بلبنان، والتي تغير محورها اليوم إن كان في الدول العربية ككل، في مصر وقبلها في تونس وفي سورية والاحتجاجات في تركيا. والمناطق كلها تغلي ليس في بقعة موحدة بل في كل المناطق، والجميع يستفيد من التحولات والتغييرات ضمن معطياته الإقليمية أو الدولية.