أسرار الدبلوماسية القطرية في انهاء الأزمة مع دول الخليج

تاريخ النشر: 19 نوفمبر 2014 - 08:34 GMT
البوابة
البوابة
ثمن خبراء سياسيون متخصصون في الشؤون الخليجية قرار عودة سفراء المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات، ومملكة البحرين، إلى الدوحة. وأكد الخبراء هذا القرار هو نجاح كبير للدبلوماسية القطرية بكل أدواتها، حيث إنها تعاملت بواقعية وصراحة مع الأزمة وسعت إلى تقليل حدة الخلافات الناتجة عن تلك الأزمة مع الأشقاء الخليجيين.
 
وأضاف الخبراء الخليجيون أن قادة دول مجلس التعاون الخليجي اتسموا جميعاً بالحكمة من أجل العمل على تجاوز مرحلة الخلافات، وإعادة اللحمة الخليجية إلى ما كانت عليه من قوة وأخوة، معتبرين أن القيادات الخليجية تمتعت بقدرة فائقة على إيجاد مخارج تقود إلى حل جذري للخلافات التي طرأت بين الأشقاء الخليجيين، وكذا العمل على وحدة الصف الخليجي من أجل مواجهة القضايا الشائكة والملفات الكبرى في منطقة الخليج، وأيضا حماية منظومة مجلس التعاون الخليجي في تلك الفترة الحرجة التي تمر بها المنطقة.



في هذا الإطار قال الدكتور عبدالله باعبود، مدير مركز دراسات الخليج في جامعة قطر، إن قطر تعاملت مع الأزمة الخليجية بشكل عقلاني للغاية، وأدارتها بأدوات واقعية وعلنية، حيث قامت بتقريب وجهات النظر مع المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين، وقللت من حدة الخلافات وحاولت استيعاب كل المشكلات والتداعيات الناجمة عن أزمة سحب السفراء الخليجيين من الدوحة قبل عدة أشهر.

وأضاف الدكتور باعبود في تصريحات خاصة لـ الوطن أن الزيارات التي قام بها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، إلى المملكة العربية السعودية والكويت قد ساهمت بدرجة كبيرة في حل الأزمة، مشيرا إلى أن الدبلوماسية القطرية قد تحركت في كل الاتجاهات وعلى مختلف المستويات من أجل حل أزمة سحب السفراء.

حكمة الدوحة

وأكد مدير مركز دراسات الخليج في جامعة قطر أن الدوحة كانت حكيمة وذكية في التعامل مع الأزمة الخليجية، وهو الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى عودة السفراء، وبالتالي فهذه الخطوة مهمة للغاية في طريق تقوية البيت الخليجي وإزالة كل العوائق أمام انطلاقه، حيث إن كل دول الخليج الآن باتت مقتنعة بأن الأزمات يمكن حلها بأية صورة وأية وسيلة لأنها خلافات في وجهات النظر داخل البيت الواحد. وأوضح باعبود أن قرار عودة سفراء المملكة العربية السعودية والإمارات ومملكة البحرين هو قرار مهم وخطوة في الاتجاه الصحيح وإزالة الخلافات، خاصة وأن تلك الخلافات ليست كبيرة ويمكن حلها بالحوار والتشاور والبحث عن سبل الخروج من الأزمة بصورة توافقية، وهو ما تم فعلا قبل يومين حينما تم عقد قمة خليجية أسفرت عن قرار عودة السفراء الخليجيين إلى الدوحة تمهيدا لعقد قمة مجلس التعاون في موعدها الشهر المقبل، منوها إلى أن قطر قد قامت بدورها على أكمل وجه، وذللت كل الصعوبات التي تحول دون التقارب واللحمة الخليجية.

وشدد باعبود على أن عودة السفراء في هذا التوقيت مهمة جدا لأنه لا يعقل أن تعقد قمة مجلس التعاون الخليجي الشهر المقبل في الدوحة في ظل حالة غياب سفراء المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات، وبالتالي فإن عودتهم كان أمراً منطقياً وملحاً، لأن ذلك يمهد لمناقشة كل الملفات العالقة والبحث عن كيفية تقوية وتدعيم كيان مجلس التعاون الخليجي الذي يحظى بقبول جماهيري ورسمي واسع النطاق.

نجاح دبلوماسي

وحول أداء الدبلوماسية القطرية تجاه الأزمة قال مدير مركز دراسات الخليج في جامعة قطر إن دبلوماسية الدوحة حول الأزمة الخليجية اتسمت بالحكمة والهدوء الشديدين، وسعت على أكثر من اتجاه إلى رأب الصدع الخليجي من جديد، فالخلافات بين دول مجلس التعاون الخليجي هي خلافات ليست جوهرية ويمكن حلها بسهولة، خاصة وأنها خلافات في وجهات النظر داخل البيت الواحد.

وتابع بقوله إن جميع الدول الخليجية على قناعة تامة الآن بأنه من الضروري حماية كيان مجلس التعاون لأنه ضمانة حقيقية للتشاور والتباحث وتقوية وانعاش المنطقة التي تحظى باهتمام كبير من العالم، وعلى هذا الأساس فإن إزالة الخلافات بين دوله هي أول خطوة في طريق التقدم والانطلاق نحو عالم التكتلات الضخمة.

الأزمة الأخطر

وشدد على أن دول الخليج وضعت حداً لأسوأ أزمة داخلية عاشها مجلس التعاون منذ تأسيسه قبل نحو 33 عاما، حيث يأتي الاتفاق الخليجي الذي تم التوصل إليه خلال قمة استثنائية عقدت في الرياض يوم الأحد الماضي، في ظل احتدام الأزمات الإقليمية والمخاوف من زيادة موجة التطرف والمتطرفين وفي ظل الحرب ضد تنظيم داعش في العراق وفي سوريا، وهي الحرب التي يشارك فيها غالبية دول الخليج.

من جانبه قال الدكتور عبدالخالق عبدالله أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإمارات، إن مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد تجاوزت أعقد أزمة في تاريخ المجلس من قيامه، فبعد توقيع وتفعيل الاتفاق الأخير بالرياض فإن أصعب سنة قد مرت بسلام، مشيرا إلى أن ما جرى داخل الكيان الخليجي من سحب بعض السفراء من الدوحة كان أخطر أزمة سياسية مرت بمجلس التعاون الخليجي. وأكد عبدالله أن العام الماضي شهد تراجعاً ملحوظاً في العمل المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي، متوقعا أن يشهد العام المقبل خطوات حقيقية تدفع إلى الأمام في مسيرة العمل المشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي.

التضافر الخليجي

بدوره قال الدكتور جمال عبدالله، رئيس وحدة دراسات الخليج في مركز الجزيرة للدراسات، إن الإعلان الذي صدر عن القادة الخليجيين الذين اجتمعوا في العاصمة السعودية الرياض يوم الأحد الماضي يؤكد دون أدنى شك على لحمة الشعوب الخليجية من جهة، وعلى تشارك دول منظومة التعاون الخليجية في مصالحها من جهة أخرى.

وأضاف عبدالله لـ الوطن أن المبادرة السعودية بدعوة قادة دول مجلس التعاون لاجتماع الرياض التشاوري مؤخرًا يدل على حكمة القيادة السعودية وحرصها على رأب الصدع الذي نال من الجسم الخليجي الواحد، وذلك بعد قرار ثلاث دول خليجية سحب سفرائها من الدوحة في واقعةٍ هي الأولى منذ تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

ونوه رئيس وحدة دراسات الخليج بمركز الجزيرة للدراسات أن المملكة العربية السعودية رغم أنها كانت واحدةً من تلك الدول التي سحبت سفراءها من قطر، فإنها لعبت بالإضافة إلى دولة الكويت دور الوسيط بغرض الوصول إلى توافق بين جميع الأطراف لإنهاء هذه الأزمة الدبلوماسية بين الأشقاء.

وأكد عبدالله أن التغيرات الإقليمية دفعت دول الخليج لأن تضع جانبًا خلافاتها وتؤكد لحمتها وتماسكها أمام ما يمكن أن يهدد أمنها الوطني والإقليمي، حيث إن منطقة الشرق الأوسط بشكلٍ عام والمنطقة العربية بشكل خاص، تشهد تحديات وتهديدات أمنية كبيرة وتتمثل في توسع ما يعرف بالدولة الإسلامية شمالًا في كل من العراق وسوريا، واستحواذ جماعة الحوثي على عدد من مفاصل الدولة جنوبًا في اليمن، واحتمالات تغير المعادلة في الخلاف الغربي مع إيران في ما يخص ملف البرنامج النووي لهذه الأخيرة.

دروس مستفادة

وحول الدروس والعبر التي يمكن استخلاصها من هذه التجربة الخليجية التي ألمت بها لأكثر من ثمانية أشهر، أشار الباحث في الشؤون الخليجية إلى أنه لابد من التأكيد هنا على حكمة القيادة القطرية في كيفية تعاطيها مع الأزمة، لا سيما بعدم ردها بالمثل عندما سحبت الدول الثلاث سفراءها من الدوحة، وذلك وفق الأعراف الدبلوماسية ووفق معاهدة فينا لعام 1963 التي تؤطر العلاقات الدبلوماسية بين الدول، مضيفا أن هذا التوافق على إنهاء الخلاف بين الأشقاء في البيت الخليجي الواحد، يأتي أيضًا ضمن إطار التأكيد على استقلالية سياسات دوله الخارجية.

واختتم رئيس وحدة دراسات الخليج بمركز الجزيرة للدراسات القول بأن الشعوب الخليجية هي شعب واحد، تجمعه العادات والتقاليد والثقافة واللغة وقبل كل شيء يجمعه الدين الإسلامي. يذكر أن السعودية والإمارات والبحرين كانت قد اتفقت على عودة سفرائها إلى قطر، خلال الاجتماع الاستثنائي لقادة دول مجلس التعاون في الرياض مساء الأحد الماضي، في خطوة من شأنها انهاء الخلاف المستمر منذ مارس الفائت. وجاء في بيان مشترك من الدول الثلاث أنه تم التوصل إلى اتفاق الرياض التكميلي الذي يعد إيذاناً بفتح صفحة جديدة تكون مرتكزاً قوياً لدفع مسيرة العمل المشترك والانطلاق بها نحو كيان خليجي قوي ومتماسك خاصة في ظل الظروف الدقيقة التي تمر بها المنطقة وتتطلب مضاعفة الجهود والتكاتف لحماية الأمن والاستقرار فيها». وأضاف البيان: «لذا قررت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين عودة سفرائها إلى دولة قطر».
 
اقرأ أيضاً: