الأسد ومحرقة الشباب السوري

تاريخ النشر: 13 أبريل 2016 - 08:00 GMT
حوّل النظام "المؤسسة العسكرية السورية" إلى ميليشيات منزوعة الإرادة
حوّل النظام "المؤسسة العسكرية السورية" إلى ميليشيات منزوعة الإرادة

 دينا بطحيش

خمسة أعوام على الانهيار المتوالي لقوات نظام الأسد، الذي استعان خلالها بميليشيات الأرض كافة من "حزب الله" اللبناني و "الحرس الثوري الإيراني" و "الحشد الشعبي" العراقي و "لواء أبو الفضل العباس" و "النجباء" ,,, وأخيراً وليس آخراً استعان بحليفته روسيا، وفي كل مرة كان المقاتلون الأجانب يعودون أدراجهم محملين بنعوش وتوابيت مزخرفة بعبارات الحقد الطائفية التي حملوها لأرض الشعب السوري .

عمد النظام في سورية إلى تجنيد مقاتلين من شتى أصقاع الأرض لقتل شعبه طيلة الخمس سنوات الماضية بحجة "مكافحة الإرهاب"، فكان هو أول من استدرج العصابات الإرهابية للوقوف بجانبه في هذه الحرب, ومع ازدياد وتيرة التصعيد العسكري من قبل الجيش الحر بسحق مقرات النظام ومن معه, كان الأخير في حالة إنهيار مستمرة تزداد يوماً بعد يوم.

ولذا لجأ النظام إلى حملات التجنيد الإلزامي مستعيناً بالأفرع الأمنية و"الشرطة العسكرية" ولكن مع تفضيل القوة الأمنية على العسكرية, فبدأ بتعميم أسماء المتخلفين عن خدمة العلم على الحواجز الأمنية، ومن ثم اتجه إلى حرم الجامعات فقام بعمليات سحب الشباب من على مقاعد التعليم (من مصدر مطلع وموثوق من داخل الحرم الجامعي في دمشق نتحفظ على ذكر اسمه)، متجاهلاً جميع القوانين المتعلقة بحالات الإعفاء أو التأجيل، قافزاً على المادّة (30) من الدستور الذي أصدره رأس النظام "بشار الأسد" عام 2007، بعد ذلك استعان باللجان الشعبية للقيام بعمليات الدهم والإعتقال للشباب المتخلف عن الخدمة, ولم يكتف بكل ما سبق بل وصل حاله بأن يجند موظفي القطاع العام لتغطية النقص الكبير من العناصر في صفوف قواته العسكرية.

وفي تقرير لصحيفة الديلي تيليغراف البريطانية أكدت فيه أن غالبية المقاتلين في صفوف قوات الأسد ليسوا من الجنسية السورية، فيما ذكرت عدة مصادر إعلامية معارضة أن النظام قام بإجبار الموظفين العاملين في القطاع الحكومي بالتوقيع على عقد ارتباط مع "قوات الأسد" لمدة ثلاثة أشهر كمرحلة أولية ليستلم بعدها الموظف المجند "قسراً" سلاحاً فردياً ويبدأ مسيرته التشبيحية على الحواجز داخل المدن السورية، حيث قدم نظام الأسد حوافز مالية تصل إلى زيادة بنسبة 50 بالمئة للعاملين في القطاع الحكومي، وراتب قدره 20 ألف ليرة سورية للمتطوعين من غير الموظفين، وبعد اختبار الولاء المطلق لعمله الجديد كعسكري مجند يتم إرساله إلى جبهات القتال الساخنة تحت ذريعة الحاجة له والاستنفار في العمليات العسكرية.

وقد ذكرت عدة صحف رسمية بأن نظام الأسد أنشأ عدة معسكرات تدريبية للالتحاق بالألوية المحدثة من "موظفي القطاع الحكومي", فقد سُربت معلومات عن مواقع إنشاء هذه المعسكرات أولها معسكر في دمشق وهو معسكر التدريب الجامعي في منطقة الديماس عن المنطقة الجنوبية، ومعسكر في حمص وشمسين عن المنطقة الوسطى، وعدة معسكرات في بانياس، والملعب البلدي وصنوبر جبلة والزاهية عن المنطقة الساحلية، تحت إشراف مباشر من ضباط وخبراء روس، بحسب المصادر.

في مدينة اللاذقية والتي تعتبر معقل النظام، عمد الأخير إلى فصل ما يقارب 200 موظف من مختلف القطاعات الحكومية تعسفياً، ممن رفض الالتحاق بصفوفه والقتال إلى جانبه, وأشارت مصادر من داخل المدينة إلى أن الموظفين الرافضين للالتحاق وخاصة من أبناء الطائفة العلوية يتعرضون لمضايقات مستمرة وتهديدات بالإعتقال أو الفصل حيث يعتمد النظام أسلوب الضغط والترهيب بعد فشله الذريع بزج الشباب السوري.

وأما في محافظة الحسكة، فقد أصدر المحافظ "محمد زعال العلي" قبل نحو أربعة أشهر قراراً يُجبر به الموظفين على الإنخراط في فصيل مسلح جديد تحت ما يسمى "الدفاع الذاتي" لحماية المؤسسات الحكومية على حد تعبيره, وفي تصريح للمهندس "عمار الحسن" وهو موظف في محافظة الحسكة لأحد المصادر الإعلامية الموالية لنظام الأسد قال: (هذه القوات التي دعينا إلى تشكيلها هي عبارة عن تشكيل قتالي رديف للجيش, سيشكل بشكل أساسي من الموظفين العاطلين عن العمل نتيجة تضرر مؤسساتهم من الأعمال الإرهابية وتوقفهم عن العمل), مضيفاً (أن القرار يعتبر حاسماً وكل من لا ينتسب إلى هذا الفصيل فلن يتلقى راتبه بعد اليوم، ويشمل الموظفين الذين تصل أعمارهم حتى 45 عاماً، ومن يرفض الالتزام بالقرار سيتعرض للمحاسبة والمساءلة القانونية), مؤكداً أن (هذا القرار سيطبق في جميع المحافظات السورية والمناطق الواقعة تحت سيطرة النظام).

وفي تصريح خاص للصحفي "ورد اليافي" من "مراسل سوري" للهيئة السورية للإعلام أكد فيه: "أن تدريب موظفي الدولة أصبح إلزامياً بهدف حماية الأبنية والدوائر الحكومية، أما بخصوص النازحين من المحافظات الأخرى فيجري تدريبهم لإحلالهم مكان عناصر الحواجز الأمنية، ويأتي قرار نظام الأسد بإنشاء لواء متطوعين حكوميين وغير حكوميين في الساحل السوري، لإبراز حاجته الماسَّة إلى تحريك قواته إلى مناطق أخرى خارج اللاذقية، وترك المتطوعين يقومون بمهام الاحتفاظ بتلك المواقع".

وتأكيداً على ما ذكر سابقاً وفي لقاء خاص بالهيئة السورية للإعلام مع أحد العاملين في القطاع الحكومي في دمشق وتحديداً "مديرية الأوقاف" والذي رفض الإفصاح عن اسمه الكامل لأسباب أمنية قال: "أعمل في المديرية منذ سبع سنوات وكانت علاقتي مع باقي الموظفين جيدة جداً إلى أن بدأت الثورة السورية وهجّرت من منزلي الواقع في ريف دمشق, وبدأت المضايقات بشكل فكاهي حتى تحولت لمضايقات حقيقية كوني من سكان المدن الثائرة ومن أبناء الأقليات، حتى وصل الحال منذ عام إلى تهديد مباشر من أحد العاملين معي بالتبليغ عني لسحب الاحتياط، ثم تلتها حالات تجنيد لعدة موظفين من زملائي داخل المديرية, وكان موقفي اتجاه الموضوع واضحاً للجميع برفضي لهذا القرار، استمرت المضايقات اليومية بالتهديد و الوعيد, حتى جاءني اتصال من أحد الأصدقاء يبلغني فيه أنه وعلى حد قولهم " بلغ السيل الزبى " ولن يتغاضوا عني بعد اليوم, وفي اليوم التالي أثناء قيامي بواجبي الوظيفي طلبني رئيس القسم وتكلم معي بلهجة عنيفة مهدداً باعتقالي إن لم أوافق على توقيع عقد الارتباط, ولم يكن أمامي خيار آخر فوافقت على التوقيع حماية لي ولعائلتي، وبعد اتصالات عدة مع المقربين لعائلتي من السلك الأمني والعسكري تم وضعي على أحد الحواجز الأمنية في دمشق".

وهكذا حوّل النظام "المؤسسة العسكرية السورية" إلى ميليشيات منزوعة الإرادة تقتات على فتات الضباط الكبار في المؤسسة الأمنية التي ما زالت تتحكم بالبلاد منذ أربعين عاماً، حتى قامت الثورة السورية لإعادة هيبة المقاتل السوري والتي نراها كل يوم في مقاتلي الجيش السوري الحر في عموم البلاد.

الهيئة السورية للاعلام