لسنواتٍ خلت، حجز الديموقراطيون أصوات الآلاف من الأميركيين من أصول عربية في الانتخابات الرئاسية، لكن انتخابات هذا العام لن تكون كسابقاتها، ليس فقط بسبب مواقف المرشحين دونالد ترامب وهيلاري كلينتون تجاه العرب، بل لأن ولاية باراك أوباما (الديموقراطية) كانت شاهدة على «الربيع» العربي في أوطانهم الأم، بكل ما حملته من ويلات.
الحيرة عند العرب مبررة، في ظل عدم إيلاء المرشحين اهتماماً للمضايقات التي يتعرّضون لها في المطارات والمنافذ الحدودية، فوصول ترامب إلى البيت الأبيض يهدد المهاجرين العرب والمسلمين، لكنّه في الوقت نفسه رهان للتخلّص من الفساد السياسي.
أمّا كلينتون، فعلى الرغم من سياستها المعتدلة تجاه المهاجرين، لكن العرب ينظرون إليها بوصفها شريكة بما تعانيه بلادهم من إرهاب وعنف، إذ لم ينس عرب الولايات المتحدة موقف كلينتون الداعم لغزو العراق في العام 2003، كما تأييدها تدخّل حلف شمال الأطلسي (ناتو) في ليبيا، إضافة إلى تصريحاتها في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
انطلاقاً من هذه الأسباب، من الصعب تحديد المرشح الأوفر حظاً لناحية الفوز بأصوات الأميركيين من أصول عربية، لكن لا شك بأن أصواتهم مهمة بالنسبة إلى المرشحين، خاصة أن عددهم يتخطى ثلاثة ملايين عربي، وهو ربما ما دفع بالمرشحين إلى تعيين منسقين عرب لحملاتهم في بعض المدن، مثل اللبنانية فيروز سعد، التي تشغل الآن منصب منسقة حملة كلينتون الانتخابية في صفوف العرب الأميركيين، وجون عاقوري وهو أميركي من أصل لبناني يشغل منصب نائب مسؤول حملة ترامب في ميشيغان، إضافة إلى زينب حسين، وهي أميركية من أصول لبنانية ـ فلسطينية، تحديداً من بلدة النجارية في جنوب لبنان، تشغل منصب نائب مدير الحملة الانتخابية في ولاية ميشيغان.
«أعتبر نفسي جزءاً من النظام الأميركي»، هذا ما يقوله علي إبراهيم (31 عاماً)، يسكن في مدينة ديربورن، في حديث لـ «السفير»، مضيفاً أنه في الانتخابات السابقة، دفعت فعاليات الجالية العربية بأبنائها باتجاه التصويت لأوباما، وذلك عبر الصحف أو المؤسسات الدينية، لكن الفعاليات نفسها قامت هذا العام ولأسباب غير مفهومة بدعم المرشح بيرني ساندرز، فخسرت هيلاري كلينتون، ليس ديربورن فقط، بل ولاية ميشيغان بأكملها، لافتاً الانتباه في المقابل إلى أن خطاب ترامب ضد «الإرهاب الإسلامي» (خلال الانتخابات التمهيدية) خلق حالة من الرفض ليس فقط عند العرب الأميركيين المسلمين بل عند مسلمي أميركا عامة.
يؤكد إبراهيم أنه سيصوّت لكلينتون، لأنها «ستقدّم للعالم نوعاً من الاستقرار»، مشيراً إلى إيمانه بقدرة الديموقراطيين على إحلال السلام في العالم، أو على الأقل رغبتهم في ذلك، معلّلاً عدم إحلال السلام في الشرق الأوسط، وفي فلسطين تحديداً، بما يعتبره «تعنّت اليمين الإسرائيلي». ولدى سؤاله عن الفائز برأيه، أجاب أنه من الصعب التوقّع، خاصة مع وجود ما يعرف بـ «الولايات المتأرجحة»، مثل ولايتي فلوريدا وأوهايو، مشيراً إلى أن آراء المواطنين في هذه الولايات متقلّبة.
لا يخاف إبراهيم من وصول ترامب إلى الرئاسة على الرغم من تصريحاته العنصرية، يبدو مطمئناً بالقول إنه «مواطن أميركي وبالتالي لن يستطيع ترامب أو غيره الانتقاص من حقوقه الدستورية»، متوقعاً تصويت العرب لكلينتون. لكن في مدينة هيوستن، أكبر مدن ولاية تكساس، ترى لما نصار (44 عاماً) أن الغالبية العربية تذهب باتجاه ترامب، لاعتقادهم أن كلينتون تملك مشروعاً ضد العرب، أما ترامب فهو أكثر صدقاً وقرباً من الناس.
لا تنوي نصّار التصويت لأي من المرشحين، فهي كعربية، لا ترى في أيّ منهما رئيساً يمثّل آمالها، أما بالنسبة للجو العام في الولاية التي تسكن فيها، فتجد أن «من هم ضد المقاومة العربية سيصوتون لكلينتون، أما من هم معها فأصواتهم ستذهب لترامب». وتقول نصار لـ «السفير»: «تابعت جميع المناظرات، ووجدت أن ترامب صادق على الرغم من جنونه، أما هيلاري فهي خبيثة».
تعتقد نصار إذاً أن ترامب أفضل من هيلاري بالنسبة إلى العرب، لأنه في إحدى مناظراته، علّق على كلمة كلينتون عن ثوار سوريا المعتدلين، قائلاً «كيف تعرفين أنهم معتدلون؟»، ومؤكداً أنه لا وجود لثوار معتدلين. وتنقل عن بعض الأميركيين المطلعين على القضية الفلسطينية، آراءهم حول كلينتون، التي يصفونها باليهودية أكثر من اليهود أنفسهم لأنها «أعطت ضمانات لليهود أكثر من أي رئيس أميركي سابق».
«أعتقد أن ما يقال بشأن ترامب بأنه سيرحّل كل من هو من أصول أميركية هو مجرد كلام دعائي»، تضيف نصّار، مؤكدةً أن أوباما «كان من بين أكثر الرؤساء الذين رحّلوا من هم غير أميركيين». من جهة أخرى، تتحدث نصار عن بعض الأميركيين العرب، الذين يعتقدون بنظرية المؤامرة، بحيث يقولون إن الأمر مجرد مؤامرة بين ترامب، الذي كان يدعم كلينتون في السابق، وكلينتون نفسها، وأنهما اتفقا على الترشّح لأن الشعب لن يأخذ ترشّح ترامب (البعيد عن السياسة) على محمل الجد، وسيخافون من تسليمهم «الكود» النووي، ولذلك سيعمدون إلى انتخاب كلينتون.
أما عباس حميدة (41 عاماً)، أميركي من أصل فلسطيني من بلدة دير ياسين، وهو منسّق حملة «العودة» إلى فلسطين وناشط اجتماعي في مدينة كليفلاند في ولاية أوهايو الأميركية، فيقول إن الجالية الفلسطينية من أكبر الجاليات الولايات المتحدة، لذا فإن أصوات ناخبيها مهمة بالنسبة إلى المرشحين. «العرب الأميركيين حائرون»، يؤكد حميدة لـ «السفير»، مضيفاً أن «من يشجع ترامب يشجعه من أجل سياسته الخارجية التي يعتقدون أنها أفضل من سياسة كلينتون، أما مؤيدو كلينتون فينطلقون من كونها أفضل من ترامب في ملف المهاجرين».
أما بالنسبة لرأيه الشخصي، فلا يرى حميدة أن كلينتون أفضل من ترامب، لأنها «أمضت عقوداً في السياسة الأميركية، ولم تنتج هذه السياسة سوى الحروب»، وبالتالي لا يريد التصويت لأي منهما، بل اختار التصويت للمرشحة عن حزب «الخضر» الأميركي جيل ستاين، لأنها مع القضية الفلسطينية وتؤمن بحق العودة، برأيه. الصحافي اللبناني المقيم في ولاية كاليفورنيا الأميركية محمد العزير، يرى أن أكثرية العرب الأميركيين يؤيدون كلينتون، وكانت هذه الأكثرية قد أظهرت حماسة ملحوظة لبيرني ساندرز أثناء الانتخابات التمهيدية.
وينقل العزير لـ «السفير» معلومات قدمتها استطلاعات الرأي التي جرت في أوساط العرب الأميركيين، والتي توقعت أن تنال كلينتون حوالي 60 في المئة من الأصوات بينما لم تتجاوز أرقام ترامب عتبة الـ20 في المئة. أما تصريحات ترامب العنصرية والمثيرة، فيقول العزير إن العرب الأميركيين اعتادوا عليها منذ 11 أيلول من العام 2001. من جهته، لا يريد ميخائيل حتّر وهو أميركي من أصل أردني، وصحافي سابق، التصويت في هذه الانتخابات، لاعتقاده أن كلا المرشحين لا يستحقان منصب رئيس أعظم دولة في العالم.
يقول حتر لـ «السفير» إن «164 مليونا هو عدد النساء في الولايات المتحدة، ما يمثّل حوالي 51 في المئة من عدد السكان، أي أكثر من الثلثين يملكن حق التصويت»، مشيراً إلى الضغط الذي تشكّله النساء في عملية الاقتراع واحتمالية أن يكون هذا الأمر مقدمة لمساهمة أصوات الإناث في وصول أول سيدة إلى البيت الأبيض.
أما بالنسبة لمواقف ترامب العنصرية، فيقول حتر إن «تصريحاته غير مسؤولة على الإطلاق، خاصة من شخصية مرشحة للرئاسة، فهو يعطي الفكرة الخطأٰ بأن أميركا في حالة حرب مع الإسلام، ما يعطي الفرصة لأنظمة إرهابية كداعش وغيرها للتحرك ضد المصالح الأميركية»، متوقعاً أن تذهب الكثير من أصوات المسلمين لكلينتون بعد هذه التصريحات «البغيضة».