قد تكون الفسحة الممنوحة للمرشحين للانتخابات الرئاسية محدودة، بفضل عين مجلس الوصاية التي لا تنام، غير أن العالم الخارجي لا يزال قادراً على تعلم الكثير عما يحصل في إيران وكيف سيكون عليه الحال في الجمهورية الإسلامية بعد الاقتراع لاختيارالرئيس القادم في طهران.
ومن شأن الانتخابات المقررة في منتصف يونيو الحالي، توفير ثلاثة معايير يمكن الحكم من خلالها على شكل الجمهورية الإسلامية في نهاية 8 سنوات من رئاسة محمود أحمدي نجاد.
المعيار الأول ويتعلق بحجم الاقبال الحقيقي على التصويت والذي سيكون مؤشراً على مدى تقبل واهتمام الإيرانيين بالدولة الدينية الوحيدة في عالمنا المعاصر. ويبدو أن الحكومة معنية لدرجة الهوس بحجم الاقبال على التصويت باعتباره قضية وجودية للملالي الحاكمين.
وفي ذلك يقول القائد الأعلى آية الله خامنئي «الاقتراع لأي من المرشحين الثمانية هو تصويت على الثقة بالنظام وبالعملية الانتخابية». ولم ينس خامنئي توجيه الاتهام التقليدي للعالم الخارجي بالتآمرعلى إيران في مسالة تشجيع الناخبين على البقاء في بيوتهم يوم التصويت، ومن الواضح أن القائد الأعلى للثورة الإسلامية يأمل بأن لا تقل نسبة التصويت عن 60% من الناخبين المسجلين وعددهم 50 مليون ناخب.
ثانياً: ستكون النتائج بمثابة ردة فعل واضحة عما إذا كان الجمهور الإيراني يعتبرالعملية الانتخابية شرعية بحد ذاتها، وهي مسألة في غاية الأهمية. فهناك في إيران من لا يزال يعتقد بحصول تزوير في الانتخابات الماضية لعام 2009 الأمر الذي ينزع عنها الصفة الشرعية، مما يعني بأن أحمدي نجاد لم ينتخب فعلياً من قبل الشعب.
وكانت ردة فعل الشارع الإيراني لانتخابات عام 2009 قد اشعلت أعظم تحد يواجهه النظام الإيراني منذ ثورة الخميني عام 1979 والتي ولّدت حركة معارضة جديدة لحكم الملالي.
ففي أعقاب الإعلان عن نتائج الانتخابات الصادمة، خرج الملايين من الإيرانيين إلى الشارع على مدار ثمانية أشهر وهم يهتفون: «أين ذهبت أصواتنا؟» كانت ردة فعل النظام استخدام القوة المفرطة بحق الناخبين واعتقال الآلاف ومحاكمتهم على الطريقة الستالينية على أمل سحق حركة الخضر المعارضة الجديدة
ثالثاً: سيكون الرئيس الجديد، في حال سير الأمور الانتخابية على ما يرام، بمثابة مؤشر واضح على طبيعة ما يدور في ذهن ابن الشارع. فقد فاجأ الإيرانيون العالم الخارجي باختيارهم قادة غير متوقعين في انتخابات1997 و2005, عندما مني مرشحو الحكومة بهزيمة منكرة في الانتخابات المذكورة.
ففي انتخابات عام 1997 فاز الزعيم الإصلاحي محمد خاتمي ليؤذن انتخابه ببداية حقبة إصلاحية في إيران. وفي 2005 شهدت البلاد ما يمكن وصفه بمعركة «العمامة والطربوش» التي انتهت بفوز رئيس بلدية طهران محمود أحمدي نجاد على حجة الإسلام أكبر هاشمي رافسنجاني.
ولأول مرّة منذ الثورة الإسلامية، يخسر رجل دين المواجهة، حيث فسّرالكثيرون الأمر بأنه رفض شعبي لاحتكار الملالي للسلطة، أكثر منه تأييداً لأحمدي نجاد، مهندس الطرق والخبير في إدارة المرور.
يمكن القول بأن الأنتخابات الجديدة هي الأقل تنوعاً من حيث المرشحين في تاريخ الانتخابات الإيرانية، فقد تم استبعاد اثنين من أبرز المرشحين هما هاشمي أكبر رافسنجاني واصفنديار رحيمي مشائي، المحسوبين على المعسكر الاصلاحي، و 670 مرشحا آخر، ليستقر الأمر على ثمانية مرشحين من أشد المؤيدين للثورة ألاسلامية ممن لم يظهروا حتى الآن مواقف خلافية واضحة حيال القضايا والمشاكل التي تشغل بال الشارع الإيراني، وبخاصة الفئة الشبابية التي تشكل ثلثي الشعب الإيراني البالغ تعداده 75 مليون نسمة، وأكثر من نصف عدد الناخبين.
غير أن القضية الكبرى بالنسبة للنظام، ستكون مستوى الانخراط السياسي، فمن المعروف أن نصف عدد الناخبين الإيرانيين ولدوا في مرحلة ما بعد الثورة، ولا يعرفون الكثير عن عهد الشاه أو العوامل التي أشعلت الثورة.
ولأن الفئة الشبايبة هذه لعبت دوراً كبيراً في احتجاجات 2009 فإن اقبالهم على الانتخاب واختياراتهم أمام صناديق الاقتراع، وردة فعلهم حيال النتائج تكتسب أهمية عالية وفد تشكل عامل الحسم في تحديد مستقبل البلاد.
ومن هنا تكتسب الانتخابات هذه المرّة الكثير من الأهمية. وبالرغم من القيود الهائلة التي فرضها مجلس الوصاية على العملية الانتخابية، فإن الإيرانيين سيتمكنون من التنفيس عن مكنون الصدور ومحاولة إيصال رسالتهم الهامة التي تكشف موقفهم من النظام ومن علاقة بلادهم مع العالم الخارجي.