يعتقد مسؤولون في ألمانيا أن عدد الألمان الذين التحقوا بالخطوط الأمامية في الحرب السورية يزداد يوماً بعد يوم. وعبر هؤلاء عن قلقهم الشديد من التدريبات التي يتلقونها والخبرة القتالية التي سيعود بها هؤلاء إلى ألمانيا، واحتمال استمرارهم في القتال عند العودة. وفي مارس الماضي، جذبت مشاركة شاب ألماني يدعى إبراهيم في تظاهرة لجماعة سلفية بمدينة فورزهايم، اهتمام أجهزة الاستخبارات المحلية. إلا أن الشاب اختفى بينما كان متوجهاً إلى تركيا على متن حافلة نقل عام. ويعتقد مسؤولون في وكالة الاستخبارات الألمانية أن إبراهيم توجه للقتال ضد نظام (الرئيس السوري) بشار الأسد. ونجح الأمن الالماني في منع مجموعة متشددة كان من ضمنها إبراهيم، من الالتحاق بالثوار السوريين، قبل أشهر، ويبدو أن الشاب المتحمس للقتال قد وجد طريقه إلى ساحة المعارك في سورية.
وحالة إبراهيم ليست الوحيدة، إذ تابع الأمن الألماني أشخاصاً يعتقد بانتمائهم لتيارات متشددة ينوون الذهاب إلى سورية للقتال، وفي هذا السياق أكد وزير الداخلية هانس بيتر فردريك، وجود «جهاديين» ألمان في سورية. وقال الوزير ان القلق بات حقيقياً إزاء نداءات بعودة الأوروبيين المقاتلين إلى ألمانيا ومواصلة القتال. وتؤكد الاستخبارات الألمانية والغربية تدفق أعداد من الأوروبيين على سورية، الذين يتعلمون استخدام السلاح والقتال هناك. ويعتقد أن 20 مواطناً ألمانياً يقاتلون حاليا في سورية، وبعضهم انتقل مع أهله للعيش هناك. وكانت وزارة الخارجية الأميركية قدرت عدد الغربيين في سورية بنحو 100 شخص. وتقول بيانات صدرت أخيرا، ان العدد تضاعف بشكل كبير ليصل إلى ما بين 2000 و5500 مقاتل أجنبي، بينهم 500 قادمون من الاتحاد الأوروبي. ومن هؤلاء عدد من المهاجرين وآخرون أوروبيون أصليون اعتنقوا الإسلام.
خلال الأشهر الماضية، ركز خطباء المساجد في ألمانيا على القضية السورية لتهيمن على جميع القضايا، ويطلبون من المصلين التبرع لإغاثة الشعب السوري، ولا يعارض هؤلاء رغبة بعض المصلين الذين يرغبون في القيام بالمزيد بما في ذلك الالتحاق بصفوف القتال.
ويقول الخطيب المعروف إبراهيم أبوناجي، «إخواننا وأخواتنا يقتلون حول العالم لأنهم مسلمون، وإخواننا في سورية بحاجة إلى دعم». ومن بين المتحمسين للجهاد في سورية، مغني الراب السابق دينس غوسبير، الذي ربما يكون قد التحق بالمقاتلين، وكان قد حاول مرات الدخول إلى سورية. وراجت شائعات قبل أشهر عن مقتل غوسبير في تبادل لإطلاق النار في حلب. وظهر المغني في شريط فيديو وهو يدعو إلى الجهاد في سورية.
وفي هذا السياق، يخشى مسؤولون في ألمانيا من أن تصل مقاطع فيديو من غوسبير وهو يقوم بمهمات في سورية، الأمر الذي قد يؤثر في كثير من الشباب المسلمين الألمان المتحمس للقتال. وتثير هذه الدعوات مخاوف شريحة كبيرة من الألمان يرون أن ما يحدث في سورية شأن داخلي لا يعنيهم من قريب أو بعيد.
لم يلتحق «الجهاديون» الغربيون بالثورة السورية إلا بعد عام من اندلاعها، وأخيراً دعا المدعو هجان، الذي يسكن في مدينة كاسيل وسط ألمانيا، إلى الالتحاق بـ«الجهاد» في سورية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويرى هو وأمثاله أن من واجبهم نصرة إخوانهم الذين يتعرضون للقصف والقتل اليومي على يد قوات النظام.
وأعرب مسؤولو الأمن في ألمانيا عن قلقهم البالغ، على مدى الأشهر الماضية، إزاء قدرة الثورة السورية المستمرة على جذب الجهاديين. وفي أواخر 2012، قال مدير وكالة المخابرات الخارجية الألمانية، غيرهارد شندلر أمام مجموعة من كبار مسؤولي الأمن في برلين ان الانضمام الى التمرد ضد الدكتاتور السوري بشار الأسد، وحتى أكثر من ذلك، وكتائب المسلحين مثل «جبهة النصرة»، قد تصبح أكثر جاذبية للمقاتلين المتطوعين من السفر إلى المنطقة الجبلية على الحدود بين أفغانستان وباكستان.
ومن الأسباب التي دفعت عدداً من الأوروبيين والألمان للذهاب إلى سورية، كون الوصول إلى هذه الأخيرة أسهل من السفر إلى إقليم وزيرستان. وقد علق الكثير ممن توجهوا إلى باكستان وأفغانستان في إيران وبلدان اخرى ولم يستطيعوا الوصول إلى وجهتهم. أما بالنسبة لسورية فالأمر سهل جداً، فالأوروبيون الراغبون في الجهاد يسافرون أولاً إلى تركيا، من دون الحاجة إلى تأشيرة دخول، ومن ثم الذهاب جنوباً إلى الحدود مع سورية حيث العبور إلى الجانب الآخر في غاية السهولة. ونظراً للعدد الكبير من المقاتلين الموجودين بالفعل في المنطقة، فإن المسؤولين الالمان يعتقدون الآن ان الجهاديين الألمان لا يلعبون حاليا دوراً قيادياً في سورية. ومع ذلك، لاحظوا أن جزءاً على الأقل من الأموال التي يستخدمها المتمردون لتسليح وتجهيز أنفسهم قادم من ألمانيا. وتدرك الشرطة، على سبيل المثال، الرحلات المتكررة التي قام بها رضا صيام -من برلين- إلى جبهات القتال. وفي كل مرة، وبحسب ما ورد في التقارير الأمنية، فإن رضا كان يحمل في أمتعته آلافاً من اليورو من أموال التبرعات التي يجمعها في الأوساط المتدينة عبر ألمانيا.
وما يقلق المحللين والمسؤولين على حد سواء، هو التجربة التي سيكتسبها هؤلاء المقاتلين في سورية، وكذلك الاتصالات التي يقومون بها هناك، والتهديدات التي قد يمثلها هؤلاء عند عودتهم. وكما كانت الحال مع أفغانستان وباكستان، إنهم يخشون أن هؤلاء المحاربين الضيوف «الذين يستفيدون من جوازات سفرهم التي تسهل لهم جميع خططهم» سيعودون ذات يوم إلى وطنهم أو البلدان التي استضافتهم، ومعهم مهمات «إرهابية» حقيقية. وفي ذلك يقول مدير المكتب الفيدرالي لحماية الدستور، والذي يلعب دور الوكالة المحلية للاستخبارات في ألمانيا، هانس جورج ماسن، «هناك حشد من الشباب التائهين، ويتعين علينا مراقبة هؤلاء عن كثب، بما أنهم من المحتمل أن يعودوا (إلى ألمانيا) بما لديهم من خبرة في استخدام السلاح».