انتقدت الدوحة رفض العرب المسبق لمبادرة واشنطن الخاصة باصلاح الشرق الاوسط، والتي بدأ وزراء الخارجية العرب اجتماعاتهم في القاهرة للاتفاق على رد موحد عليها اضافة لبحث جدول اعمال القمة المقررة في تونس اواخر الشهر الجاري.
وقال وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر ال ثاني في مؤتمر صحافي في القاهرة على هامش اجتماع وزراء الخارجية العرب "يجب الا نرفض شيئا لم نعرفه بعد".
واكد الوزير القطري الذي تقيم بلاده علاقات ممتازة مع الولايات المتحدة، على ضرورة معرفة تفاصيل تلك المبادرة ودراستها، وقال "اذا كانت هناك ايجابيات فى المبادرة فمن الضروري ان نشترك معهم فيها واذا كانت سلبيات نوضح ما هذه السلبيات".
وتساءل الوزير القطري "لماذا نرفض هذه المبادرة قبل أن نعرف مضمونها ومحتواها؟".
وكان وزراء الخارجية العرب بدأوا الاربعاء، اجتماعاتهم في القاهرة للاتفاق على رد موحد علة المبادرة الاميركية اضافة لبحث الملفين العراقي والفلسطيني.
وفي افتتاح الاجتماعات قال أحمد ماهر وزير الخارجية المصري ورئيس الدورة السابقة إن الوزراء "اتفقوا في مؤتمرهم الطاريء (في اليومين السابقين) على أسلوب لتفعيل العمل العربى المشترك".
وكان وزراء الخارجية قد عقدوا مؤتمرا طارئا يومي الاثنين والثلاثاء، في مقر الجامعة العربية بالقاهرة لبحث مبادرات لتطوير العمل العربي المشترك تقدمت بها مصر والسعودية وسوريا واليمن ودول أخرى وأعلن بعده عن التوصل الى وثيقة مشتركة سترفع الى قمة تونس.
وقال ماهر "أعتقد أن ما تحقق يمثل خطوة جيدة يجب أن تتلوها خطوات نحو تحقيق القدرة الكاملة للجامعة لمواجهة التحديات التي يواجهها العالم العربي والتي يجب التعامل والتفاعل معها والانتصار عليها."
وسلم ماهر رئاسة الدورة الجديدة الى محمد بن عيسى وزير الخارجية المغربي الذي قال في كلمته ان "الاجتماعات الحالية تنعقد في ظروف اقليمية تواكبها أحداث وتطورات متسارعة لازالت تداعياتها السياسية والاقتصادية في تفاعل مستمر."
وكان يشير الى غزو واحتلال العراق في العام الماضي وجمود عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين واستمرار العنف الدموي بينهم.
وأضاف أنه "يتحتم علينا في أفق هذا الاستحقاق الهام التفكير الجاد من أجل الاهتداء الى النهج الذي يمكننا من مواجهة التحديات الراهنة وتفادى الانعكاسات السلبية للتطورات المتلاحقة التي تشهدها منطقتنا العربية."
وتابع أنه يأمل في أن تكون القمة العربية التي ستنعقد في تونس يومي 29 و30 اذار/مارس الحالي "منعطفا تاريخيا في مسيرة العمل العربي المشترك".
وقالت مصادر بالجامعة العربية ان الاجتماع العادي الذي سيستمر يومين سيبحث 18 بندا على جدول أعمال مؤتمر القمة يتصدرها الوضع في العراق والصراع العربي الاسرائيلي فضلا عن إحياء مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت عام 2002.
وأضافت المصادر أن الاجتماع سيهتم ببحث المبادرة الامريكية لتشجيع الديمقراطية في الشرق الاوسط مقابل حزمة من المساعدات الاقتصادية.
وفي اشارة الى ملامح الاصلاح الذي تسعى اليه الدول العربية قال الامين العام للجامعة عمرو موسى ان "تراكم القرارات دون تنفيذها يخلق احباطا ويمثل تراجعا مخلا بمصالح العالم العربى."
ولكنه شدد على أن "القضية الفلسطينية تقف على رأس القضايا العربية التي يجب أن نتعامل معها ونحمي حقوقنا فيما يتعلق بها لانها المفتاح للاستقرار أو عدم الاستقرار في المنطقة."
كما قال ان "الكل مهتم بمستقبل العراق. هذه الدولة العضو في الجامعة العربية وذات التراث بالغ التأثير في تاريخ العالم وحضارته وذات الماضي القريب الذي أثار الكثير من الشجون."
فتور وحذر في العالم العربي
واثار مشروع المبادرة الاميركية، ولا يزال، ردود فعل فاترة بين الرفض والحذر في العالم العربي، حيث رفضه بشدة مجمل القادة فيما اعتبر بعض المثقفين والمحللين انه من الممكن ان يكون مقبولا بعد التدقيق.
ويبرر محللون مصريون المآخذ العربية على المشروع بالخوف من احتمال تدخل اجنبي ولا سيما عسكري كما حصل في العراق وافغانستان بهدف فرض او تسريع اصلاحات سياسية واقتصادية تعتبرها واشنطن ضرورية من اجل اخراج العالم العربي من "الدوامة الارهابية".
واذ رفضت الدول العربية المبادرة الاميركية، اكدت في الوقت نفسه التزامها باجراء اصلاحات انما "من الداخل" وطبقا لنمطها الخاص.
وسجل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في نهاية كانون الثاني/يناير موقفا ملفتا اثار ضجة اذ دعا علنا العرب مستخدما اسلوبا مموها انما واضحا الى اجراء الاصلاحات بانفسهم قبل ان تفرض عليهم.
وتهدف خطة الشرق الاوسط الكبير التي نشرت الصحافة العربية نسخة غير رسمية عنها الى ادخال الديموقراطية الى الحياة السياسية في الدول العربية واصلاح النظام التربوي والتشجيع على بروز نخب جديدة وتحرير المرأة كاحدى ركائز عملية التحديث والانفتاح الاقتصادي.
وقام نائب وزير الخارجية الاميركي للشؤون السياسية مارك غروسمان بجولة في المنطقة شملت مصر والبحرين والاردن والمغرب، من اجل توضيح المشروع الاميركي الذي رفضته العديد من الدول العربية ولا سيما مصر والسعودية، حليفتا الولايات المتحدة.
وسعى الموفد الاميركي الثلاثاء الى تبديد مخاوف القادة العرب، مؤكدا ان "افضل الافكار" بالنسبة لعملية التحديث ستنبع من المنطقة.
وتعتزم واشنطن عرض خطتها خلال قمة مجموعة الثماني في حزيران/يونيو في الولايات المتحدة.
ووسط الاجماع العربي الرسمي على رفض المشروع، صدر رد فعل مغاير من العراق، حيث اعلن وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري متحدثا من القاهرة ان المشروع الاميركي لا ينطوي على "اذلال" للعالم العربي.
ورأت سوريا ان مشروع "الشرق الاوسط الكبير" "اعلن لصرف الانتباه عن الصراع العربي-الصهيوني"، مؤكدة انه "مرفوض وينبغي مجابهته".
ولم تصدر الكويت رد فعل رسمي ولزمت دول اتحاد المغرب العربي (ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا) الصمت معتبرة انها غير معنية مباشرة بالمشروع.
وتصدرت مصر اضافة الى السعودية موقف الرفض العربي للمبادرة الاميركية. فندد الرئيس المصري حسني مبارك بشدة به ووصفته بانه "وصفات جاهزة غير قابلة للتطبيق تفرض من الخارج"، داعيا الى اصلاحات تدريجية ومحذرا الولايات المتحدة من انتشار "الفوضى" في حال حصول انفتاح خارج عن السيطرة.
غير ان المحللين والمثقفين المصريين كان لهم موقف مغاير، فتلقوا المشروع في بادء الامر بفضول، ثم تعاطف بعضهم معه معتبرين انه يشكل فرصة لاخراج المنطقة من الطريق المسدود الذي تراوح فيه منذ اكثر من نصف قرن.
وصدر موقف شكل منعطفا عن المحلل محمد سسلماوي الذي انتقد بشدة الاثنين وللمرة الاولى في مقالة في صحيفة الاهرام الحكومية "الرفض" العربي، معتبرا انه "لم يرد في طيات المشروع هجوم على الاسلام او خطوات لمواجهته ولا تعرضت الثقافة العربية ولا خصوصية كل دولة للانتهاك".
وكانت زميلته هالة مصطفى فتحت الطريق لهذه المراجعة النقدية قبل بضعة ايام حين دعت العرب الى البحث عن "ميدان حوار" مع الاميركيين بدل اللجوء الى "المواجهة" و"الحقد".—(البوابة)—(مصادر متعددة)