تشكل قرية العقبة الفلسطينية الواقعة على السفوح الشمالية الشرقية للضفة الغربية نموذجا للصراع على الأرض بين الفلسطينيين وسلطات الاحتلال العنصري الاسرائيلي.
ويحتفل سكان القرية يوم السبت بإنجاز بعض حلمهم بالعودة الى القرية التي اجبر عددا كبيرا منهم على الرحيل منها قبل عشرات السنين بسبب منع السلطات الإسرائيلية لهم إضافة أي مسكن فيها بحجة أنها تقع في المنطقة المصنفة ج حسب إتفاق السلام المؤقت مع إسرائيل والذي يحظر البناء فيها إلا بموافقة السلطات الإسرائيلية.
وقال سامي صادق رئيس مجلس قرية العقبة لرويترز "في الخمسينات من القرن الماضي كانت مجموعة من العائلات تسكن في هذه القرية التي بنيت فيها في تلك الفترة اربعة منازل فيما كان يقيم عدد من السكان في الخيام."
وأضاف صادق الذي اقعده رصاص الجيش الاسرائيلي في عام 1971 عندما كان في السادسة عشرة من عمره بعد اصابته بثلاث رصاصات خلال تدريبات عسكرية في القرية "بعد احتلال عام 1967 رفضت إسرائيل السماح لسكان القرية باضافة أي منزل فيها مما اضطر عددا من الأبناء للرحيل عنها وايجاد مساكن لهم في قرية تياسير المجاورة."
وأوضح صادق الذي قال ان احدى الرصاصات التي اصيب بها ما زالت في جسده لوقوعها قرب القلب مما منع إزالتها أنه قرر ان يخوض معركة إعادة سكان القرية اليها لا من خلال الشعارات بل بالعمل على الارض.
وقال "خضنا معركة قضائية في المحكمة العليا الإسرائيلية على اكثر من قضية منها وقف تنفيذ قرارات الهدم الصادرة بحق عدد من بيوت القرية والثانية منع إجراء تدريبات عسكرية لجيش الإحتلال الاسرائيلي في القرية."
وأضاف "عملنا من خلال الدعم المحلي والدولي على تنفيذ عدة مشاريع في القرية إضافة الى بناء مسجد وروضة اطفال التي تضم حاليا 260 طفلا ياتون إليها من مناطق مجاورة."
واختار صادق أن يطلق على أحد شوارع القرية "شارع السلام" ولكن هذا الإسم لم يشفع له.
وقال "عملت سلطات الإحتلال على تدمير هذا الشارع الذي لا يؤثر عليها بشيء ورغم أنهم كانوا يستخدمونه أكثر منا خلال تدريباتهم العسكرية."
واضاف "كان لابد من مواصلة البناء ولكن كان يجب ان يرافق ذلك حملة دولية تشرح معاناتنا وتطلعاتنا الى العيش بسلام في قريتنا."
وبدأ صادق رحلة البحث عن الدعم الدولي والتي قادته في عام 2008 الى الكونجرس الامريكي.
وقال صادق "لقد قلت لهم (أعضاء الكونجرس) رغم انكم مسؤولون عن اصابتي لانكم انتم من تقدمون الرصاص والطائرات للجيش الاسرائيلي ولكنني اقول لكم رغم كل الالم الذي اعيش به نحن نبحث عن السلام والعدل بدون احتلال."
واضاف "أردنا ان نقدم نموذجا فلسطينيا من خلال العمل على الأرض. بدأت القرية تتسع شيئا فشيئا واصبح عدد المساكن فيها حاليا اربعين. نطمح ان نعيد سكانها وأبناءهم اليها."
ويتحرك صادق (59 عاما) على كرسي كهربائي متحرك وهو غير متزوج ويبدو أنه كرس حياته لانجاز حلمه باعادة سكان القرية اليها. وقال "من خلال العمل فقط يمكن الصمود. القضية ليست قرية العقبة بل معركة وجود."
وأضاف "هم (الإسرائيلون) يعتبروننا شوكة في حلوقهم ونحن كذلك في هذه المنقطة الواسعة التي تستخدمونها للتدريبات العكسرية بإستخدام كافة أنواع الاسلحة."
وتقع القرية على سفح تلة تحيط بها سلسة واسعة من الجبال تقابلها بلدات وقرى أردنية على الجانب الآخر من الحدود الفلسطينية الأردنية.
وعمل صادق على اصدار ترخيص باسم المجلس القروي للوحدات السكنية الجديدة متجاهلا ان المنقطة مصنفة ج وبحاجة الى موافقة السلطات الإسرائيلية.
وقال "نأمل من الحكومة الفلسطينية تنفيذ وعدها بتقديم الدعم المادي الذي تعهدت به لإنجاز مشروع بناء الوحدات السكنية."
واحتفل سكان القرية مساء يوم الجمعة بإنجاز أول وحدة سكنية من مشروع يهدف الى اقامة 30 وحدة سكنية بدعم محلي دولي سيسكنها زوجان شابان بعد حفل زواجهما يوم السبت.
وأقام السكان مساء الجمعة احتفالا كبيرا بهذه المناسبة شارك فيه بعض فناني الزجل الشعبي الفلسطيني.
وساهمت مؤسسة (التحالف من اجل اعادة البناء) الامريكية في تشييد المنزل بحيث ان جزءا من المبلغ سيكون دعما والجزء الآخر عبارة عن قرض ميسر يتم سداده على سنوات.
وقالت دونا برانسكي رئيسة المؤسسة التي تواكب منذ عام 2002 مساعدة سكان القرية "لقد حصلنا على التمويل من خلال تبرعات فردية بسيطة من قبل المئات من مختلف انحاء العالم."
واضافت "بما أن البنوك لا تقدم قروضا لمساكن ليس لديها تصاريح بناء لانها تقام في المنطقة ج قررنا نحن ان نأخذ هذه المخاطرة ونساعد السكان."
واوضحت "نجحنا حتى الان في انشاء ثلاثة منازل بمساحة 125 مترا مربعا لكل منها واصبح واحد منها جاهز للسكن وخطوتنا هذه شجعت السكان على البناء حيث اقيمت ثماني منازل اخرى بجهود اصحابها."
وترى دونا "أن القرار الجريء بالبناء في القرية رغم خطر الهدم هو من جعل القرية حقيقة على الارض."
واضافت "اننا على اتصال بالمتبرعين الذين ساهموا بإنجاز هذا المشروع من أجل الضغط على برلمانتهم للضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف عمليات الهدم في القرية. من حق الناس العيش بسلام في مساكنهم."
وبدا الشاب صادق (27 عاما) الذي اضطر والده لمغادرة القرية في الثمانينات لعدم وجود مكان له في بيت العائلة القديم سعيدا وهو يعود إليها مع عروسه.
قال لرويترز من أمام منزله الذي تبرع المهندس المعماري الفلسطيني هاني حسن بتصميه "هذه الأرض مملوكة لنا ولا مكان آخر لنا نبني فيها. ليس أمامي حل آخر سوى أن أبني هنا واعود الى القرية."
وأضاف "حتى لو هدموا المنزل (السلطات الاسرائيلية) ساسكن في خيمة هنا ولن اغادر القرية."