أثار المبعوث الأميركي إلى لبنان، توم برّاك، موجة من الاستياء السياسي في بيروت بعد تصريحات اتهم فيها الحكومة اللبنانية بعدم الجدية في نزع سلاح حزب الله، وانتقد أداء الجيش اللبناني، وهو ما قوبل برفض حاد من أعلى المستويات السياسية.
وفي بيان رسمي، عبّر رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام عن استغرابه من تصريحات برّاك، مؤكدًا التزام الحكومة بتنفيذ بيانها الوزاري كاملاً، بما يشمل بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية وحصر السلاح في يدها، دون المساس بثوابت السيادة الوطنية.
من جهته، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري إن ما صدر عن برّاك "مرفوض شكلًا ومضمونًا"، ووصفه بأنه "يتناقض تمامًا مع مواقفه السابقة"، مشددًا على أن جيش لبنان "ليس حرس حدود للاحتلال الإسرائيلي"، وأن سلاحه "سلاح وطني مقدّس لحماية لبنان واللبنانيين، وليس أداة فتنة كما يحاول البعض تصويره".
وجدد بري تمسك لبنان بكافة مؤسساته، بما فيها المقاومة، باتفاق وقف إطلاق النار الذي وُقّع مع الاحتلال الإسرائيلي في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، لكنه قال إن الاحتلال "يضرب به عرض الحائط"، حيث تجاوز عدد خروقاته أكثر من 4,500 خرق، أسفرت عن 276 شهيدًا و613 جريحًا حتى الآن.
وأكد بري أن "العدوان الإسرائيلي لا يستهدف طائفة أو منطقة بعينها، بل يضرب كل لبنان"، داعيًا إلى "صحوة وطنية شاملة" في وجه أي اعتداء محتمل.
وكان الموفد الأميركي قد صرّح في مقابلة تلفزيونية أن الولايات المتحدة سلّحت الجيش اللبناني بهدف نزع سلاح حزب الله، وليس لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، زاعمًا أن الحكومة اللبنانية "لم تفعل شيئًا سوى إصدار التصريحات"، داعيًا إلى إعلان واضح بنزع سلاح الحزب الذي قال إنه "يعيد بناء قوته العسكرية".
كما نقل عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قوله إنه "لم يعد يهتم بالخطوط الحمراء أو الزرقاء أو الخضراء، وإنه سيصل إلى أي مكان وسيفعل أي شيء إذا شعر بالخطر".
في المقابل، تتمسك قوى المقاومة، وعلى رأسها حزب الله، بحقها في السلاح، وتؤكد أن تسليمه غير مطروح إلا بعد استيفاء شروط واضحة. وقال نائب الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، إن المقاومة لن تتخلى عن سلاحها ما لم تنسحب قوات الاحتلال من الأراضي اللبنانية، وتوقف اعتداءاتها، وتفرج عن الأسرى، وتبدأ عملية إعادة الإعمار.
وكانت الحكومة اللبنانية قد قررت، في الخامس من أغسطس/آب الماضي، حصر السلاح بيد الدولة، وتكليف الجيش بوضع خطة متكاملة لتنفيذ ذلك قبل نهاية عام 2025. غير أن القرار قوبل باعتراض واضح من حزب الله وحركة أمل، اللتين تعتبران أن التوقيت والسياق لا يخدمان المصلحة الوطنية، خاصة في ظل الاحتلال المستمر.
يُذكر أن الاحتلال الإسرائيلي شن عدوانًا واسعًا على لبنان في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتحوّل إلى حرب شاملة في سبتمبر/أيلول 2024، أدت إلى استشهاد أكثر من 4,000 لبناني وإصابة نحو 17,000 آخرين، وتسببت في دمار واسع في البنية التحتية اللبنانية.
ولا تزال قوات الاحتلال تحتل خمس تلال لبنانية سيطرت عليها خلال الحرب الأخيرة، بالإضافة إلى مناطق أخرى محتلة منذ عقود، ما يُبقي الصراع مفتوحًا رغم الهدنة المعلنة.