المرشح الديمقراطي و سياسة الشرق الأوسط

تاريخ النشر: 04 مارس 2004 - 02:00 GMT
البوابة
البوابة

خلال الانتخابات الأمريكية السابقة عام 2000 ادعى المحللين العرب أن المرشح الرئاسي الذي يعتقد أن يكون اكثر تعاطفا مع قضايا الشرق الأوسط هو الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش مفضلين فوزه على منافسة الجمهوري نائب الرئيس الأمريكي السابق آل غور. 

بالرغم من جهل بوش الابن بكل ما يدور خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية أصر هؤلاء المحللين أن بوش هو من يجب دعمة و ذلك استنادا لتحليل ساذج وهو أن بوش الأب حاول فاشلا إقناع إسرائيل بتفكيك بعض المستوطنات الموجودة في الضفة الغربية. بالطبع اهتمام بوش الأب بالمنطقة العربية كان من منطلق مصالح شخصية بالنفط العربي ليس إلا. 

لكن ذلك دفع المحللين العرب للاعتقاد أن بوش الابن سيسير على خطى أبية. 

إضافة لهذا السبب كان هناك أمرا آخر وهو أن الجميع كان يعلم أن الحزب الديمقراطي كان حزب اليهود في أمريكا. 

بالطبع كان هناك بعض التصريحات لجورج بوش حول الشرق الأوسط أفادت أنة من الممكن أن ينتهج سياسة اكثر وسطية تجاه النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. 

فقد افصح الرئيس عن رغبته في تبني حل إقامة دولتين في المنطقة ، هذا بالإضافة إلى محاولته الظهور بمظهر الرجل المسيحي الملتزم و الذي يرى أن الدين الإسلامي دين جدير بالاحترام. 

بالرغم من كل هذه التحليلات فهناك بعض العرب يرون في نجاح الرئيس بوش كارثة على العالم العربي، فخارطة الطريق هي الآن عبارة عن خرقة بالية و ممزقة ورئيس الوزراء الإسرائيلي ِشارون ينتهج سياسة أحادية الجانب تغلب مصالح إسرائيل و تتجاهل المصالح الفلسطينية و تركز فقط على أمن إسرائيل على المدى القصير. 

كما أن الرأي العام العربي ينفر من الطريقة التي يعامل بها الرئيس بوش الرئيس الفلسطيني المنتخب ياسر عرفات. 

أما بالنسبة لخطوة تحرير العراق فإنها تعد الخطأ القاتل الذي ارتكبه الرئيس بوش حيث أنة عبث بسيادة العراق و خلق حالة من عدم الاستقرار في المنطقة برمتها و جعل العالم بأسرة مكانا اكثر خطورة. 

وهكذا تعلم العرب درسا قاسيا من خيبة الأمل التي حلت بهم جراء تصرفات جورج بوش، فقد أدرك العرب أن أي مرشح يبدي أي تعاطف تجاه قضايا العرب ليس بالضرورة أن يكون صديقا. 

إضافة إلى ذلك تعلم العرب أن السياسة العامة لأمريكا تأتي أمام أي مشاعر شخصية قد يكنها الرئيس تجاه أي قضية في العالم. 

كذلك علينا أن ندرك دائما أن الرئيس الأمريكي قد يبدو قويا إلا أنة مقيد بالدستور الأمريكي الذي يحدد بدقة صلاحيات الرئيس. 

الكثير من العرب يحاول فهم سياسة القوة الأمريكية طبقا للمفاهيم العربية و هذا مفهوم خاطئ إلى حد ما، فهناك فرق كبير بين امتلاك القوة و بين إطلاق اليد في استخدامها. ففي النظام السياسي الأمريكي السلطة للشعب و ليست في يد الرئيس الأمريكي. صحيح أن هذه الصورة قد بدأ يغشاها بعض الغموض بحيث بدأت الإمبراطوريات المالية تفرض سطوتها على السياسة الأمريكية و كذلك بدأت الإدارة الأمريكية بالتضييق على السلطة الرابعة من حيث توجيهها لتبني آراء موالية للحكومة ،إلا أنة إلى حد ما لا زال الشعب هو مصدر السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية. 

إن نجاح الرئيس بوش في تطبيق برنامج محافظ في مواجهة تشديدات دستورية كثيرة لا يعود إلى شعبية الرئيس بوش في الانتخابات إذ أنة وصل إلى سدة الحكم بدون أية أغلبية تذكر. إلا أن عامل نجاحه في ذلك يعود لسبب واحد ووحيد هو اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر التي أدت إلى سقوط برجي التجارة في مدينة نيويورك. 

من الصعب جدا تقدير مدى الضرر النفسي الذي احدثتة هذه الاعتداءات على النفسية الأمريكية و خاصة من قبل المقيمين في منطقة الشرق الأوسط. و ذلك بسبب حجم الدمار والقتل اليومي الذي يشهده سكان هذا المكان من العالم بحيث غدا من الصعب أن ترى تأثرا باديا عليهم لدى رؤية مشاهد القتل و الدمار. لكن بالنسبة للأمريكيين فقد رأوا فيه تذكيرا لهم بأنهم جزء من هذا العالم غير المستقر و انهم عرضة للدمار و القتل مثل سائر بقاع الأرض. 

تفجيرات نيويورك أحدثت حالة من الهلع لدى الأمريكيين بحيث أثارت موجة من الكراهية تجاه الغرباء و بسبب كون منفذي الهجوم من العرب المسلمين و بسبب رغبة الأمريكيين في إعادة الأمان إلى بلادهم ، فقد تم توجيه الحرب ضد الإرهاب و الشر إلى منطقة الشرق الأوسط. 

لا عجب اذاً إذا تزاحم المرشحين للرئاسة الأمريكية في الإفصاح عن سياساتهم في متابعة الحرب على الإرهاب و ذلك للحد من وطأة القلق الشعبي حول مسألة الأمن في داخل الولايات المتحدة. و لهذا فان مرشح الرئاسة السابق السيناتور هوارد دين سحق منافسة ليون فورث مستشار نائب الرئيس السابق آل غور للشؤون الخارجية بسبب نصائحة حول الشرق الأوسط. فقد كانت خبرة فورث تنصب في مجال الأمن القومي و السيطرة على انتشار الأسلحة. خلال فترة رئاسة الرئيس الأمريكي بيل كلنتون كان فورث مسؤولا عن إدارة اللجنة الثنائية الأمريكية المصرية لتشجيع التجارة، كما كان من ضمن اللجنة الاستشارية لوكالة الاستخبارات الأمريكية ، بالإضافة إلى كونه عضوا في لجنة العلاقات الخارجية الأمريكية. 

إن موقع فورث الإلكتروني يشير بشدة إلى أنة من اكثر مؤيدي دولة إسرائيل حماسا. كما انه يعتقد أن الولايات المتحدة وإسرائيل تشتركان في الكثير من القيم و المبادئ. كما أنة من الذين نادوا بإجراء تغييرات جذرية في العراق إلا أنة نادى بالحفاظ على وحدة العراق الجغرافية. ومن الغرابة بمكان أنة بالرغم من رأيه السابق حول العراق فأنة أبدى رغبته في أن يرى (عودة للحكم الديمقراطي في العراق). كل ما ذكر آنفا يوضح أن فورث كان ينوي انتهاج سياسة مطابقة لما يجري الآن في الشرق الأوسط تحت إدارة بوش الحالية. 

الآن هوارد دين اصبح خارج السباق الرئاسي ، وقد يبدو الحديث عن فورث غير ذا أهمية في الوقت الحالي إلا أنة يعد من الأشخاص المتنفذين في الدوائر السياسية في واشنطن و من الممكن أن يكون له تأثير على السياسة الأمريكية و خاصة إذا اصبح الرئيس القادم للولايات المتحدة من الديمقراطيين. 

إن الموضوع الأكثر أهمية للحديث عنة الآن هو الشخص الذي استعان به المرشح الرئاسي جون كيري للحصول على المشورة بشأن الشرق الأوسط ، راند بيرز، وهو خبير في مكافحة الإرهاب وقد ذاع صيته مؤخرا بسبب استقالته من الخدمة العامة لينضم إلى جون كيري في حملته الانتخابية. 

كون بيرز من رجال البحرية الأمريكية السابقين فهو بالتالي من اشد المؤيدين للحرب على الاتجار بالمخدرات. كما أنة من الوجوه المعروفة في واشنطن و كولومبيا كونه تسيد الحرب على زراعة المخدرات في كولومبيا و ذلك عن طريق رش المواد السامة على المحصول من الجو مما ساهم في اجتثاث الكثير من حقول المخدرات الموجودة هناك، و لكن هذا الإجراء أدى إلى إصابة الكثير من المزارعين بالسرطان و كذلك أدى إلى انتشار الفقر بين المزارعين بحث اصبحوا على حافة المجاعة. إلا أن بيرز رفض التراجع عن موقفة قائلا إن مخالفة القانون غير مبررة إذا اقترفت من قبل شخص فقير. كذلك خرج بيرز باستنتاج غريب أن المجموعات المسلحة في كولومبيا قد تلقت تدريبها في أفغانستان. 

بالنسبة لمواقفه اتجاه فلسطين و إسرائيل، فأنة يشترك مع شارون بأنة يجب أن نحارب الإرهاب ومن ثم نتحدث عن السلام.  

بيرز كان ضد الحرب على العراق و لكن لمجرد اعتقاده أن غزو العراق قد يشوش على الحرب الدولية على الإرهاب. 

مرشح الرئاسة جون ادواردز ،وهو رجل ذو معرفة محدودة بالسياسة الخارجية، يبدو أنة كون وجهة نظرة السياسية حول الشرق الأوسط من خلال عدة مصادر مما ساعدة على الخروج بحلول اقل تطرفا من نظيرة كيري الذي يعتمد فقط على مصدرة الوحيد وهو بيرز. 

ففي لقاء له مع جيمس زغبي قال ادواردز انه يفضل أن يقوم الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني باتخاذ خطوات مشتركة باتجاه السلام و ذلك عن طريق زيادة صلاحيات المسؤولين الفلسطينيين داخل السلطة ممن يتمتعون بالشفافية و بحس ديمقراطي عالي. كما أشار إلى ضرورة تخفيف الاعتماد على النفط العربي وكذلك وعد بالسفر إلى المنطقة للمساهمة في دفع عملية السلام. إلا أن المرشح الأمريكي أوضح أن الحل لن يكون سريعا للصراع الدائر في الشرق الأوسط و أفاد أن الصبر و المتابعة المستمرة هي مفاتيح الحل في المنطقة. 

من المؤسف أن نقول لكل من يشاركنا الرأي أن مفتاح السلام في الشرق الأوسط هو الإصغاء لصوت الإنسانية و المنطق. المرشح الذي يمكن أن يحقق ذلك (إذا استبعدنا آل شابارون) هو دينيس كوسينش إلا أن فرصة ضئيلة جدا في النجاح. حيث أن هذا المرشح كان لدية الخطة الأكثر توازنا لاحلال السلام بين الإسرائيليين و الفلسطينيين. 

بالرغم من مؤازرة كوسنش لإسرائيل إلا أنة يعتقد بوجوب إقامة دولتين في المنطقة و يضيف أن سياسة بوش الضبابية تجاه الإسرائيليين و الفلسطينيين تدفع الطرفين المتنازعين إلى الثقب الأسود بدون أي هدف و إلى النزاع دون أي بادرة لأي حل مستقبلي. يضيف أن الأطراف المتنازعة تعاني مع تحت وطأة هذا النزاع وكل من الطرفين يحمل الآخر مسؤولية هذه المعاناة و هذا العنف المستمر. كما أنة يؤكد من دون أي لبس أن المستوطنات الإسرائيلية الموجودة في الضفة الغربية غير قانونية و أنها تشكل عقبة لا يمكن غض الطرف عنها في طريق السلام. 

بصراحة، شخصية الرئيس الأمريكي القادم ليست ذات تأثير كبير و ليس من المتوقع أن تحدث أي تغيير على الوضع في المنطقة بشكل عام. أولا يميل العرب إلى المبالغة في أهمية دور الرئيس الأمريكي في تقرير السياسة الخارجية الأمريكية و في قدرة الرئيس على تطبيق هذه السياسة. كما انهم يبالغون في تقدير أهميتهم في مجريات الأمور بالنسبة للولايات المتحدة. ناهيك عن أن إدارة بوش الحالية ساهمت في تكوين هذا الاعتقاد كونها قد مارست دورا قويا و مؤثرا بسبب القوة التي اكتسبتها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. و لكن كلما بعدت تلك الأحداث عن الذاكرة فمن المستبعد أن تتمتع الإدارة القادمة بالصلاحيات الحالية حتى لو أرادت ذلك. 

و لنكن اكثر تحديدا فأن سياسة أمريكا الحالية في الشرق الأوسط ستستمر على نفس النهج مع التخفيف من وطأة هذه السياسة على المواطن الأمريكي في الوطن. هذا يعني تخفيض عدد القوات الأمريكية في العراق مع الانسحاب من المناطق المأهولة إلى الضواحي حيث الأمور اكثر أمنا و استقرارا مع تعيين قوات محلية متواضعة التدريب و التسليح لحفظ الوضع الأمني في المدن. فعدد الضحايا العراقيين ليس له تأثير كبير داخل أمريكا، أما الضحايا الأمريكان فلهم تأثير كبير. الجهود لإرساء قواعد الديمقراطية في عراق موحد و فدرالي ستستمر بالرغم من الحماس المتناقص كل يوم و تنامي الشعور باستحالة هذه المهمة. في هذه الحالة تجارة الكلام ستغطي على فشل إحراز أي تقدم. 

أما بالنسبة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي فمن غير المتوقع حصول أي مبادرة شجاعة على هذا الصعيد. فطالما أن إسرائيل لا زالت قادرة على حفظ أمنها فلن تشعر الولايات المتحدة بأي ضرورة للتدخل في المنطقة. بالنسبة للوضع في أفغانستان فمن المرجح أن يبقى على ما هو علية إلا أنة من المتوقع أن يقوم بوش ببعض المحاولات للقبض على أسامة بن لادن و ذلك في محاولة منة لكسب بعض التأييد الشعبي في إطار حملته الانتخابية القادمة. حيث يطيب للرئيس الأمريكي أن يطلق على نفسه لقب رئيس الحرب. إلا أن شعبية الرئيس أخذه في التراجع إلا في حالة حدوث عمل إرهابي جديد. 

و ختاما نذكر بالمقولة السياسية ( جميع السياسات هي سياسات محلية) بمعنى أن الرأي العام الأمريكي غير معني بما يجري في بقية أنحاء العالم إلا في حالة واحدة وهي أن تمس هذه الأحداث مصالحة الشخصية. ففي ظل زيادة معدلات البطالة و العجز الحكومي الهائل سيكون الأمريكيين مشغولين بواقعهم اليومي و غير آبهين لما يحدث حولهم في العالم. 

في ظل هذه الظروف سيكون الرئيس الأمريكي القادم مشغولا بانتشال أمريكا من وضعها الداخلي المتردي و محاولة تحسين الوضع الداخلي مما يعني أن مشاريع أمريكا في إنشاء إمبراطورية عالمية قد تخضع للتأجيل. في المقابل فأن أي خرق لأمن أمريكا حاليا قد يقلب موازين اللعبة و يعيد انتخاب الرئيس بوش لفترة رئاسية ثانية. السلام و الأمن داخل أمريكا و الخسائر المتوالية للقوات الأمريكية في العراق، قضية الشرق الأوسط و أفغانستان، كل هذه القضايا تصب في صالح الديمقراطيين في الانتخابات القادمة. في جميع الحالات من الغباء أن نتوقع أي تغيير مهم في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. 

 

 المؤلف: جون مونرو، محاضر و صحفي مقيم في منطقة الشرق الأوسط منذ اكثر من ثلاثين عاما. المؤلف حاليا يعمل كمحاضر زائر في موضوع الإعلام و حقوق الإنسان في جامعة مالطا. 

 

 

 

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن