أليكسا تعطل المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية

تاريخ النشر: 16 ديسمبر 2013 - 02:27 GMT
يهودي متشدد يصنع رجل ثلج في إسرائيل. (أ.ف.ب).
يهودي متشدد يصنع رجل ثلج في إسرائيل. (أ.ف.ب).

وصل وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى الأراضي الفلسطينية ليعرض ويحاول أن يقنع الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني بخطته لإنجاز اتفاقية إطار قبيل انتهاء مهلة الشهور التسعة في أيار المقبل. وبدا أن كيري وطاقمه الأمني والسياسي استعدوا كثيرا لهذه اللحظة التي في جوهرها تعني قبولا بالحجج الأمنية الإسرائيلية وتعاطفا مع تطلعات الفلسطينيين شرط قبول إسرائيل بها. ويمكن القول إن الخطة الأميركية التي عرضت على الطرفين كان يمكنها أن تنفجر بقوة قنبلة نووية لولا عاصفة «ألكسا» التي حملت بقوة معها الثلوج من بلاد الثلج إلى مناطقنا الساخنة. وليس مبالغة أن عاصفة ألكسا أسهمت في إبعاد لحظة الحسم وراكمت ثلوجا كثيرة على الاقتراح الأميركي تحتاج إلى وقت طويل لإذابتها.


والحقيقة أن الأمر لم يعد سرا، فالصيغة الأميركية أخذت أولا بالمبادئ الإسرائيلية التي تمنح الأولوية للأمن على كل ما عداه. فالمسألة ليست احتلال إسرائيل لأراض عربية وتحكمها بمصير شعب وإنما متطلباتها الأمنية. وبدلا من وضع خطة تتضمن كل جوانب المسألة وعرضها على الطرفين اختارت أميركا أن تضع خطة أمنية مفصلة تاركة كل ما عدا ذلك فريسة للغموض ولمفاوضات لا تنتهي. وهذا يذكر الكثيرين بـ«خريطة الطريق» مثلا، التي شاء أحد أهم واضعيها في عهد شارون أن يشرح طبيعتها بالقول إنها لن تمنح الفلسطينيين شيئا قبل أن يثبتوا أنهم صاروا اسكندنافيين.


ومعروف أن وزير الخارجية الأميركي، الذي كانت هذه زيارته العاشرة منذ توليه مهام منصبه قبل أقل من عام، انطلق من فكرة أن تسوية الترتيبات الأمنية لإسرائيل ستساعد قادتها على الاستجابة للشرط الأول في فكرة حل الدولتين، وهو وضع تصورهم لحدود الدولة الفلسطينية. ولم يكلف جون كيري، ولا طاقمه السياسي والأمني، عناء البحث في مدى التزام رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وأبرز وزرائه بمبدأ حل الدولتين. حيث لا يخفي الكثيرون منهم، وأبرزهم وزيرا الدفاع موشي يعلون والخارجية أفيغدور ليبرمان، رفضهم المبدئي لحل الدولتين وتأكيدهم أن سبب الصراع لا يكمن هنا. ومن الجائز أن نتنياهو، الذي سبق وقدم ضريبة كلامية لمبدأ حل الدولتين في خطاب بار إيلان، حاول ومن دون توقف أن يضع العراقيل أمام الحل. ولا يقتصر الأمر على الاشتراطات الجوهرية التي تلغي هذا المبدأ مثل التمسك بوحدة القدس والمستوطنات وغور الأردن تحت السيادة الإسرائيلية والتي تحول البتة دون قيام دولة فلسطينية وإنما صار يربط الاتفاق أيضا بالمشروع النووي الإيراني.


ولكن أميركا وإدارتها لا ترى كل ذلك بل لأسباب كثيرة تحاول الضغط على السلطة الفلسطينية من منطلق إدراك الضعف الذي تعيشه. فالسلطة الفلسطينية التي تعاني من وضع عربي بائس تراجع فيه الاهتمام بالشأن الفلسطيني جراء انشغال كل قطر عربي بهموم وجودية، تعاني كذلك من الانقسام السياسي الفلسطيني ومن أزمة اقتصادية. ولأسباب مختلفة يعتقد كثيرون أن الحل ممكن في هذه الظروف بسبب هذه الأزمات مما يزيد الضغط على السلطة. وربما لهذا السبب كانت هذه هي المرة الأولى التي توجه فيها كيري مباشرة، وقبل لقاء أي من القادة الإسرائيليين، إلى رام الله للاجتماع بالرئيس الفلسطيني محمود عباس.


وحسب التقارير الفلسطينية فإن الاجتماع لم يدم طويلا، إما لأن العاصفة الثلجية أجبرت كيري على العودة سريعا للقدس وإما لأن الرئيس عباس لم يدع مجالا للشك في مدى رفض الفلسطينيين للخطة الجديدة التي تتعارض مع كل المبادئ التي تم التوافق عليها سابقا. وكان الفلسطينيون قد توافقوا مع المسؤول الأمني الأميركي السابق الجنرال جيم جونز على قبولهم أية ترتيبات أمنية لمصلحة إسرائيل بما فيها تواجد طرف ثالث على الأرض الفلسطينية والمهم أن لا يبقى أي وجود إسرائيلي. ولكن المفوض الأمني الجديد الجنرال جون ألان أخذ برأي الإسرائيليين القائل بأن لا أحد يضمن لإسرائيل شيئا سوى الإسرائيليين أنفسهم. وبديهي أن هذا لم يكن موقف الإسرائيليين في شبه جزيرة سيناء التي تتواجد فيها حتى الآن قوة متعددة الجنسيات لضمان ترتيبات أمنية. ولكن هذه هي ترجمات موازين القوى الحقيقية.
ومن المؤكد أن ميل الأميركيين لتبني الموقف الإسرائيلي يحرم السلطة الفلسطينية في رام الله من أحد أهم أوراقها وهي إظهار الاعتدال لكشف التطرف الإسرائيلي ودفع الأميركيين لتحميل حكومة نتنياهو مسؤولية فشل المفاوضات. والواقع أن السلطة الفلسطينية نجحت على هذا الصعيد مع الدول الأوروبية التي لا يخفي ممثلوها إيمانهم بأن فشل المفاوضات تتحمله حكومة إسرائيل بسبب سياستها الاستيطانية. لكن هذا ليس حال الموقف الأميركي. وكل من يعرف بديهيات وتاريخ المواقف الإسرائيلية يدرك أن إسرائيل عاشت طويلا على شعور بأنها إذا اضطرت فسوف تقبل ببقاء أميركا حليفا وحيدا لها.


صحيح أن هناك كلاما يتردد في الغرف المغلقة حول خلافات أميركية إسرائيلية جدية بشأن إيران وربما بشأن الحل النهائي في فلسطين. وصحيح أكثر أن هناك من يتحدث عن تراجع القوة الأميركية ومحاولة إدارتها تركيز الاهتمام في المناطق الأشد حساسية وقربا كما هو حال دول شرق آسيا والمحيط الهادي. ولكن كل ذلك حتى الآن كلام لا يجد ترجمة فعلية له على أرض الواقع الإسرائيلي - الفلسطيني. عموما لا يشعر كثيرون في الدولة العبرية بالخوف من تدهور العلاقات مع أميركا، وإن كان بعضهم يشعر بالخوف من ازدياد العزلة الدولية في حال فشل المفاوضات.