بصرف النظر عن انهيار المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل أو عدمه، ثمة سؤال يطرح نفسه عن إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل "دولة يهودية" قبل التوصل الى اتفاق سلام.
ذلك أن هناك عشرات الدول التي اعترفت بالدولة العبرية منذ تأسيسها عام 1948، ولكن لم يحصل الاعتراف على أساس أن اسرائيل "دولة يهودية"، فلماذا إثارة هذا المطلب في وجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس الآن؟ من المؤكد أن إسرائيل تدرك أن الوضع العربي الراهن مثالي بالنسبة اليها.
فمصر وسوريا مع العراق الذي يعتبر عمقها الاستراتيجي، غارقة منذ ثلاثة أعوام في حروب داخلية انهكت امكاناتها العسكرية والاقتصادية.
القضية الفلسطينية باتت كبرى ضحايا "ثورات" ما سمّي "الربيع العربي" بعدما كانت وظيفة هذه "الثورات" تشتيت ما تبقى من قدرات في العالم العربي ودفع المنطقة الى إفلاس سياسي وعسكري والعودة بها الى قرون ما قبل الحداثة.
ووسط منطقة مأزومة الى هذا الحد، يرى نتنياهو أن هذه فرصة إسرائيل لنيل اعتراف فلسطيني بـ"يهوديتها"، لأن اعترافاً كهذا يوازي أو يفوق في نظر نتانياهو اعترافات بقية العالم، ذلك أن الاسرائيليين يدركون أن الشرعية التي يمكن أن تستمدها إسرائيل من الاعتراف الفلسطيني هي أكبر بكثير من أي اعتراف آخر تحصل عليه من أي جهة أخرى في العالم.
ولئن كان نتنياهو يشعر بأن الفلسطينيين متروكون لمصيرهم، فإنه يرى أن هذه فرصته للحصول على تطويب تاريخي لكل أرض فلسطين التاريخية ولشطب أي مطلب فلسطيني بالأرض بعد ذلك مهما كان ضئيلاً.
فإذا قال الفلسطيني إن هذه الأرض هي لليهود، فما مبرر مطالبته بعد ذلك بدولة فلسطينية مستقلة ما دام قد قبل بمبدأ أن هذه الأرض لليهود وليست للفلسطينيين؟ ببساطة، ان اسرائيل التي تشعر اليوم أنها باتت الأقوى على الاطلاق في المنطقة بفضل "الربيع العربي"، تطالب الفلسطينيين بتوقيع وثيقة شطبهم من الأرض والتاريخ.
ان موازين القوى الحالية في المنطقة تسمح لزعماء إسرائيل بالاعتقاد أن هذه هي فرصتهم لمطالبة الفلسطينيين بتوقيع اتفاق يتنازلون بموجبه عن حقهم في أرضهم ولتتحول مسألة الدولة الفلسطينية منّة من إسرائيل للفلسطينيين.
بحكم الواقعية السياسية وموازين القوى المختلة لمصلحة إسرائيل منذ عام 1948، اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بحق إسرائيل في الوجود على أساس أن تعترف إسرائيل أيضاً بدولة فلسطينية لا تتجاوز في مساحتها 21 في المئة من أراضي فلسطين التاريخية.
ولكن من الصعب أن تجد إسرائيل زعيماً فلسطينياً يقبل بشطب الشعب الفلسطيني من الوجود.