دخل بالأمس البعد الدولي بشكل واضح على مسار التحقيق في تفجير ماراثون بوسطن، مع الاشتباه بضلوع شقيقين يتحدران من منطقة روسية قرب الشيشان بتخطيط وزرع العبوات الاثنين الماضي، في تطور قد يكون له تداعيات على نظرة واشنطن إلى ملف الشيشان في حال أظهر التحقيق ارتباطهما اللوجستي بمجموعات خارجية متشددة.
واستيقظت مدينة بوسطن وضواحيها بالأمس على إعلان الشرطة المحلية ومكتب التحقيقات الفيدرالي تحولها إلى منطقة حربية خوفاً من عبوات مزروعة، قبل تكثيف الجهود في بلدة واترتاون في ضواحي بوسطن بحثاً عن المتهمين.
وفرضت إدارة الطيران الفيدرالي منطقة حظر جوي فوق واترتاون، وتم توقيف كل وسائل النقل العامة في منطقة بوسطن ومنع سيارات الأجرة من العمل، والطلب من كل سكان المنطقة (حوالي مليون شخص) البقاء في المنازل وإقفال الأبواب وعدم فتحها لأي شخص سوى السلطات الأمنية، وهذا إجراء غير مسبوق في التاريخ الأميركي، ولم يحصل حتى خلال هجمات 11 أيلول العام 2001.
التحوّل في التحقيق بدأ ليل أمس الأول في التوقيت الأميركي. مكتب التحقيقات الفيدرالي قرر، بعد تريث، نشر صور المشتبه بهم بعد التأكد من مغادرة الرئيس باراك أوباما لبوسطن وبدء عودة الناس إلى منازلهم، في محاولة لزيادة الضغوط على المشتبه بهم، بعدما فشلت الجهود الأولية في تحديد هويتهم من صور فيديو المراقبة.
ودفعت هذه الخطوة الشقيقين تامرلان تسارناييف (26 عاماً) ودزوكار تسارناييف (19 عاماً) إلى التهور وسرقة متجر محلي وسيارة مرسيدس بدفع رباعي وقتل شرطي في «معهد ماساشوستس للتكنولوجيا» في كامبريدج، ما أدى إلى توجيه الأنظار إليهما وربط تحقيق بوسطن بهما.
وتشير المعلومات إلى أن الشقيقين أبلغا صاحب السيارة التي سرقاها أنهما قتلا شرطياً، وهما وراء تفجيرات بوسطن، وبعدها حصلا على مبلغ 800 دولار من بطاقة ائتمان وتركوه حياً على محطة بنزين على الطريق، لتنطلق السلطات المحلية بتعقبهما من كامبريدج إلى واترتاون.
وتشير المعلومات الرسمية إلى أن الشقيق الأصغر دهس شقيقه الأكبر بالسيارة المسروقة بعد إصابته بتبادل للنار مع الشرطة ورمي قنابل على عناصرها قبل أن يفر الشقيق الأصغر إلى جهة مجهولة، فيما الشقيق الأكبر كان يحمل عبوات تحت ثيابه لكنها لم تنفجر. هذا التحول جعل الشرطة تتريث في ملاحقة شقيقه، وبالتالي تم تحديد مكانه ومحاصرته في واترتاون في محاولة للتفاوض معه كي يسلم نفسه ولا يفجر نفسه ويتسبب بسقوط المزيد من الضحايا. التحقيقات تسارعت بعد إيجاد الهاتف الخلوي للشقيق الأكبر وبعد تفتيش منزلهما، حيث تم توقيف والدتهما التي تعيش معهما للتحقيق معها.
العائلة أتت إلى الولايات المتحدة بين العامين 2002 و2003 حين طلبت اللجوء، ولدى الشقيق الأكبر تامرلان أوراق إقامة دائمة منذ عام على الأقل، والشقيق الأصغر دزوكار حصل على الجنسية الأميركية في 11 أيلول العام 2012. وولد الشقيق الأكبر في روسيا والأصغر في قيرغيزستان، كما تم تحديد مكان وهوية الوالد في روسيا الذي قال إن ابنه الأصغر طالب «ذكي» وكان يتوقع منه زيارة روسيا خلال العطلة. كما تم التحقيق مع عم الشقيقين الذي يسكن في مقاطعة مونتغومري في ولاية ماريلاند، الذي قال إنه يشعر بالعار مما حصل، وطلب السماح من ضحايا تفجير بوسطن، مؤكداً أنه ليس مقرباً من الشقيقين تسارناييف وحرص على إبعاد أولاده عنهما.
تم تحديد هوية مرتكبي تفجير بوسطن، لكن ليس دوافعهما. ويبقى السؤال ما إذا كان عملاً فردياً أو بدعم لوجستي وإيحاء خارجي، وبالتالي حتى الساعة فإن الرابط مع تنظيم «القاعدة» أو مجموعات أصولية أخرى، يبقى «إيديولوجياً» وليس لوجستياً.
وهناك سوابق للروابط بين «القاعدة» ومجموعات شيشانية متشددة على الرادار الأميركي. زكريا موسوي، الذي اتهمته السلطات الأميركية بالضلوع بهجمات 11 أيلول، عمل سابقاً مع ثوار شيشان يدعمهم تنظيم «القاعدة».
ويلمح بعض الخبراء الأمنيين في واشنطن إلى أن السيناريو المحتمل الآخر هو دور ما لـ«اتحاد الجهاد الإسلامي»، وهو واحد من الفروع غير العربية لـ«القاعدة». السلطات التركية أكدت أن الشقيق الأكبر تامرلان سافر إلى تركيا في 9 تموز العام 2003 حيث بقي عشرة أيام قبل المغادرة من أنقرة، لكن لا يوجد أي روابط للعائلة مع تركيا، لكنها عاشت سابقاً قرب الشيشان. وسافر تامرلان خارج الولايات المتحدة الى روسيا العام الماضي لحوالي ستة أشهر قبل أن يعود في تموز، والتحقيق الدولي يركز الآن على ماذا فعل في روسيا.
ملف الشيشان حرصت الإدارات الأميركية المتعاقبة على تفاديه، من الرئيس الأسبق بيل كلينتون مروراً بجورج بوش الإبن وصولاً إلى باراك أوباما اليوم، فيما كانت موسكو تؤكد دائماً أن التعاون في هذا الملف شرط أساسي لتعزيز العلاقة مع واشنطن. بيل كلينتون شجع نظيره الروسي بوريس يلتسين في العام 1995 على إيجاد تسوية سلمية لأزمة الشيشان.
صحيفة «بوليتيكو» ذكرت بالأمس أن إدارة أوباما لم تلفظ عبارة «الشيشان» علناً منذ استلامها الحكم في العام 2009، وبالتالي تطورات هذا التحقيق قد تضيف عاملاً جديداً على العلاقات الأميركية ـ الروسية المعقدة أصلاً. إدارة أوباما وضعت مؤخراً رئيس جمهورية الشيشان رمزان كاديروف على اللائحة الروسية من الممنوع دخولهم إلى الولايات المتحدة، ما أدى بالكرملين إلى الرد بلائحة أميركية مضادة. في حال ثبت أن هناك دعماً لوجستياً للشقيقين تسارناييف، هذا الأمر قد يؤدي إلى تحول في بداية التعاون بين موسكو وواشنطن حول هذا الملف.