البوابة- ايـاد خليفة
ما ان تبدا الشمس بالغروب، حتى تتدفق قوافل اللاجئين السوريين الى الاردن، بعشرات الرجال، مئات النساء واحيانا الاف الاطفال، حفاة .. عراة... ضعفاء، مستغلين سواد ليل يغطيهم بات اكثر أمنا من جنود جيش، قدموا يوما له الغالي والنفيس ليدافع عنهم ويذود الاعداء عن الوطن.
تتحلق مجموعات تشكل عائلات حول بعضها، فيما يتحلق آخرين حول جريح، يصبرونه ويدعون له، ويقدمون ما تيسر من اغطية لتدفئته، وتقف سيدة بعيدا تبكي، تسترق النظر له، علها تظفر بنظره تريحها، فيتقدم آخر ليطمئنها بان الرجل مازال على قيد الحياة بانتظار سيارات اسعاف توفرت لدى قوات حرس الحدود المكلفة باستقبال وتأمين اللاجئين.
ينتشر عشرات الاطفال في محيط حفرة، يعلوها ساتر ترابي يفصل البلدين، باتت المأمن والملجأ الان من عيون جيش النظام وشبيحته، يتحاشى ايا منهم الالتفات الى الخلف عبر فتحة عرضها اقل من مترين عبروا منها قبل قليل، فقد يكون هناك مأساة في الذاكرة، بين لعبة احترقت او مدرسة سويت بالارض او اب لقي مصرعه امام اعينهم.
الجحيم في سورية
يروي لاجئين التقت بهم البوابة ضمن طاقم صحفي ، مآسي لا وجود لها الا في الخيال، دفعتهم للهرب بهذا الشكل المهين، لم يحملوا اثمن شيئ بل ما تبقى لهم -ربطة خبز احيانا- والبعض آثر وضع اطفاله على اكتافه ليتمكن من الفرار، فيما وصل آخر مع والدته العاجزة التي لا حول لها ولا قوة الا برب العباد.
احدى السيدات وما ان اطلت من العربة العسكرية الاردنية حتى صرخت "صوروا ليرى العالم ما نعيشه، نحنا هنا هربا من القتل... لم نأت للزيارة او للسياحة"
الرحلة حسب المجربين تستغرق بين 12 و 7 ساعات حسب بعد المنطقة والامان على الطريق، يتجمع الراغبين باللجوء مع ما تيسر من حاجيات وما امكن حملة، وغالبا تكون حقيبة صغيرة مع كيس او اثنين لكل شخص، وينتظرون الدليل الذي يؤمنهم الى الحدود، وقد اضطر والد لاربعة اطفال ان يحمل كمية من (المكدوس) وهي من الماكولات التموينية الشامية "ليطعم اطفالة الى حين الفرج"، فيما حمل احدهم كمية بسيطة من مادة الحمص، وشوهد ثالث يتأبط قارورة صغيرة من الزيت يبدو انها كل ثروته.
المهندس احمد كان بانتظار حافلات الجيش الاردني لتنقله الى نقطة اكثر امنا، قال قطعنا 8 كيلومترات سيرا على الاقدام، الحياة في سورية صعبة، هربنا من عمليات القتل، لا نعلم من القاتل هل هم الدولة ام مسلحين، نتنقل بين الملاجئ والمخابئ، ونعيش حياة خوف بين القصف والقتل والقنص.
وتحدث عن حالات الذبح وتشوية الجثث من اشخاص لا يعرف احد هويتهم.
اما سليمان وهو من قرية علمه التابعة لخربه غزالة في درعا، قال ان القذائف تنزل على رؤوسنا كزخ المطر، هدموا المدارس والمراكز الصحية وكل شيئ في القرية. اما شقيقه فيتحدث بنبرة عسكرية ليؤكد ان قوات النظام تستخدم الان صواريخ طويلة المدى تطلقها من دمشق على درعا، وقال انهم حرقوا كل خيراتنا.
وينهال احد الشباب على القيادة السورية والرئيس بشار الاسد بالشتائم ويتهمه بممارسة عمليات القتل ضد اطفال شعبه، وقال انه احرقنا واعطى العلويين الفقراء الاموال من اجل التمسك بالحكم حتى لو كان الثمن جثثنا. وفيما تعمل والدته على تهدئته حفاظا على حياته كونه يتحدث امام الكاميرا فانها صححت له بالقول "مو الاسد بيقتلنا يا ابني هدول ايران"
مع بداية الازمة كان الامر يحتاج الى ظلام دامس ليعبر اللاجئين، لكن اليوم تتم العملية في اوقات مبكرة في اشارة واضحة الى سيطرة الثوار على الحدود مع الاردن باستثناء منطقة الجمرك "نصيب" وهو ما اكدة احد اللاجئين ويبدو انه من عناصر الجيش الحر وقال "احرزنا تقدما في عدة مناطق، حتى منطقة نصيب فهي محررة باستثناء الجمرك "نقطة العبور الرسمية بين سورية والاردن" ، و"النعيمة" ايضا محررة والنظام لا يسيطر الا على قلب درعا. وكشف العنصر المنشق ان الجيش النظامي يستخدم العائلات دروعا بشرية وهو ما يجعل الثوار يتراجعون في عدة مواقع.
حرس الحدود يؤمن اللاجئين
منذ بداية الازمة تم تكليف قوات حرس الحدود بتامين اللاجئين السوريين وتقديم العون والمساعدة لهم ونقلهم الى اقرب نقطة آمنة، قبل ترحيلهم الى المخيمات المعتمدة وخاصة الزعتري.
ويفصل العميد الركن حسين راشد الزيود قائد قوات حرس الحدود عملية الاخلاء فيقول: "يدخل اللاجئين الى مناطق متعددة، ويتم تجميعهم ثم اجلائهم الى مناطق آمنة خلفية، ويتم اسعاف الجرحى اولا ونقلهم وتصبح بعد ذلك الاولوية للعائلات ثم باقي اللاجئين، ويتم التأكد من هوياتهم وينتقل البعض الى الزعتري خلال ساعتين واحيانا تمتد عملية التدقيق في الهوية 24 ساعة.
ويقول العميد الركن حسين راشد الزيود قائد قوات حرس الحدود: انه "تم وضع الخطط اللازمة لتنفيذ التوجيهات الملكية بهذا الخصوص" ونحتاج الى دعم لوجستي مستمر، ومع ازدياد تدفق اللاجئين حيث بلغ عددهم منذ بداية العام حتى 18 شباط 89 الف لاجئ، وهو مؤشر على ان العمليات تشتد في سورية، وهم بحاجة الى اسطول نقل من حافلات وناقلات وسيارات اسعاف، اضافة الى كوادر ومواد طبية وفنية لانقاذ حياة الجرحى، ومع فصل الشتاء والثلوج زاد الامر سوءا حيث تسبب ذلك باغلاق بعض نقاط العبور، واضطر الجيش الاردني لنقل اللاجئين بالاليات المجنزرة، وهذا الوضع فرض ايضا تامين وسائل تدفئة متنقلة والكثير من الامور التي تحتاج الى جهد بشري .
وقال العميد الركن الزيود ان القوات المسلحة تعمل على تامين مخيمات ومحطات ايواء متقدمة وقد تكبدت القوات المسلحة 250 مليون دينار زيادة عن احتياجاتها المعتادة متوقعا زيادة في هذا المبلغ.
المنشقين عن الجيش
ويتحدث العميد الزيود عن الوضع الامني على الحدود ويشير الى اشتباكات متواصلة بين الجيشين الحر والنظامي على طول الحدود وقال ان الجيش الاردني يتعامل معها وفق قواعد الاشتباك العسكرية.
ولا يخفي العميد الزيود وجود منشقين او عناصر من الجيش الحر بين اللاجئين ويقول ان لهم مخيما خاصا، لكنه كشف عن وجود بعض محاولات تهريب الاسلحة وقد تم التصدي لتلك المحاولات، وقال ردا على سؤال لموقع البوابة انه لا يوجد تنسيق رسمي بين حرس الحدود والجيش الحر، كذلك لا يوجد اي تنسيق مع الجيش السوري حول عملية اجلاء اللاجئين، فيما يرفض الجيش السوري وجود نقاط عبور آمنة للاجئين.
واكد ان بعض القذائف السورية سقطت اكثر من مرة في الاراضي الاردنية وقد اصيب بعض الجنود الاردنيين وعددهم قليل واصاباتهم كانت بسيطة.
وخلال الجولة الصحفية امكن سماع اصوات القصف على القرى المحاذية للحدود الاردنية ، كما امكن مشاهدة الوهج الناجم عن الانفجارات
ارقام واحصائيات
تمتد الحدود الاردنية السورية على طول 378 كم وهي مسافة متباينة التضاريس، بين وعرة وجبلية وصحراوية وسهول، ويوجد حوالي 45 نقطة عبور للاجئين و25 نقطة تجمع و15 نقطة ايواء منها يتم نقلهم الى الزعتري.
ومنذ بداية 2013 وحتى 18 شباط دخل البلاد 89 الف لاجئ وفي المجموع التراكمي منذ بداية الازمة دخل 210 الاف لاجئ سوري، واستقبل الجيش الاردني 2768 جريح ومن ذوي الاحتياجات الخاصة، وتم اسعافهم باسناد من الخدمات الطبية الملكية ، وتم فرز 855 ضابط وفرد لخدمة ورعاية اللاجئين، اضافة الى 450 آلية تعمل على مدار الساعة.
وبلغ عدد اللاجئين منذ بداية شهر شباط 2013 وحتى يوم 18 منه (30022 لاجئ) ،وعدد المصابين 230 مصاباً تنوعت إصاباتهم بين الشديدة والمتوسطة والخفيفة.عبروا من مناطق مختلفة عبر الحدود حيث بلغ المتوسط اليومي قرابة( 2500 لاجئ ) من مختلف الأعمار من الشيوخ والنساء والشباب والأطفال ،ومعظمهم عائلات تركت قراها باحثة عن الامن والأمان في ظل تدهور الأوضاع الأمنية هناك.
ويوجد 42% من اللاجئين اطفال، و36% نساء و22% رجال ونسبة العائدين ضئيلة قياسا بالفارين ومن اراد العودة يتم تامين نقطة آمنة للاجئ ليدخل الى بلادة.