عبد العزيز الروَّاف*
مع كل يوم يمر من أيام الأزمة الليبية يتضح أكثر بأن هذه الأزمة، تزداد ليس بفعل الليبيين فقط، بل لوجود أطراف عديدة خارجية فاعلة ولا يعدو دور بعض الليبيين في الداخل عن تنفيذ الأوامر لهذه الجهات، وينتمي أغلب منفذي هذه الأوامر لتيارات متأسلمة كانت تتواجد بالساحات الغربية عموما والأمريكية والبريطانية على وجه الخصوص، تتمثل هذه التيارات في حركة الإخوان المسلمين المتواجدة أغلب قيادتهم إلى اليوم في بريطانيا، وبعض عناصر أخرى ممن يسمون معارضين، يتواجدون بصورة دائمة في أمريكا.
يتركز وجود قيادات الصف الثاني لهذه الجماعات محليًّا في غرب ليبيا، وتحديدا مدن طرابلس والزاوية والأغلبية منهم يتواجدون بمدينة مصراته، وأكبر دليل على تبعية هذه القيادات المحلية لجهات خارجية وجود قوات ايطالية بمصراته، وتعاون ميليشياتهم مع غرف عمليات بريطانية وأمريكية فيما زعموا بأنه حرب على الإرهاب في سرت.
والعجيب حتى كتابة هذه السطور، لم نر أي اثر لهذه العمليات بمدينة سرت، سوى دمار شامل للمباني والشوارع والمنشآت الحيوية، رغم أن هذه العناصر الإرهابية، لم تتجاوز الثلاثمائة عنصر، وفي مدينة صغيرة الحجم، وقليلة السكان، ولا تمثل عند مقارنتها ببنغازي التي تواجد فيها أكثر من 10 آلاف مسلح ينتمون لتيارات متطرفة مختلفة، كما أن سرت لا تمثل من ناحية السكان والمساحة أحد أحياء بنغازي الكبرى كالقوارشة والليثي مثلا.
من ضمن الإشارات الدولية للتدخل بمختلف الوسائل في الحالة الليبية تقرير عدة منظمات دولية تدعي الإنسانية والحقوق عن المدنيين، فهذه المنظمات نشرت تقارير مليئة بالمغالطات حول مناطق تواجد الإرهابيين في بنغازي قبل أن يحررها الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وتتمحور هذه التقارير حول وجود مدنيين عالقين في عدة مناطق بالمدينة، وهي مناطق سبق للجيش أن حدد ممرات آمنة لمن يريد الخروج، وطالب الصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر والمنظمات الإنسانية والاجتماعية بالبلاد بالإشراف على خروج العائلات، غير أنه لم يخرج أحد ، بل عاد وطالب قادة الإرهابيين بممرات محددة وفي اتجاه معين ، وعدم وجود أي جهة تشرف على الخروج، ولم نسمع أي تصريح لهذه المنظمات ردا على هذه المطالب.
وإذا ما تأملنا تقارير هذه المنظمات نجدها لم تقدم أي تفاصيل عن هؤلاء المدنيين سوى جمل مضحكة في تقريرها، مثل "المدنيين في " قنفودة " من أجل البقاء على قيد الحياة يعتمدون على المواد الغذائية الفاسدة والمياه القذرة" ثم تشير إلى أن "المرضى والجرحى يكافحون مع الأدوية منتهية الصلاحية وتضاؤل الإمدادات الطبية".
ولم تقل لنا هذه المنظمات الدولية كيف وصلت لهؤلاء؟، أو كيف تأكدت بأنهم مدنيين عزل، بل والغريب أن مفردات تقاريرهم تتشابه مع تقارير قناة النبأ، والتناصح، هما قناتان داعمتان للإرهاب بكل وضوح في ليبيا، وتتفق كذلك مع بيانات مفتي الجماعات الإرهابية الصادق الغرياني، وكذلك كتابات الناشطين الداعمين للجماعات الإرهابية، وأيضا ما يرد بصفحات على الفيسبوك مؤيدة للتنظيمات الإرهابية بشكل واضح وجلي.
وللتدليل ورد في سياق أحد تقارير منظمة العفو الدولية " أن الكثير من المدنيين يخشون مغادرة منازلهم خشية التعرض لأذى؛ بسبب ازدياد الغارات الجوية واقتراب الاشتباكات من الأماكن السكنية، داعية إلى ضرورة احترام قانون حقوق الإنسان الدولي والسماح بالوصول غير المشروط إلى المدنيين المحاصرين لإمدادهم بالإغاثة اللازمة".
وتناسى التقرير أن المئات غادروا مع الطرق التي حددها الجيش في أغلب أحياء بنغازي ولم يطالهم أذى من أي نوع، كما يذكر التقرير أن هذه العائلات في حدود 130 عائلة، والغريب لم يذكروا اسم عائلة واحدة، لأنهم يعرفون أن ذلك سيعني كشف كذبهم، وزيف معلوماتهم، لأن ليبيا مربوطة اجتماعيا، وستتضح هوية هؤلاء وإلي أي تيار ينتمون.
من الأشياء الغريبة في تقاريرهم أن الأطفال أصبحوا هياكل عظمية، ولم تعرض مقاطع فيديو لهؤلاء أو حتى صور عبر الموبايل لأي طفل منهم ، وساقت التقارير دليل لا يعتد به حتى في أدنى المؤسسات الإعلامية مهنية ووضوحا وشفافية، مثل ورود هذه العبارات أشارت إلى أن المواطن محمد قال، ووليد أخبرهم، وخديجة أوضحت لهم، هذه أسماء تجدها في الصومال وجيبوتي وموريتانيا ومصر وليبيا، فأي خديجة ومن هو محمد، ولمن هذا الوليد !.
وفي إطار تأجيج الموقف الليبي، نجد أن هذه المنظمات لم تشر إلى الانتهاكات التي حدثت في سرت من قبل الطيران الأمريكي، وكذلك من قبل مليشيات مصراته التي تمشط على الأرض هناك، كما أنها تجاهلت ما قام به أحد طياري مصراته من قصف لمدنيين في منطقة "سوكنة" في أحد المنتزهات بمناسبة أحد الأعياد الدينية.
بل أن هذه المنظمات صمتت ولم تكتب شيئا حين ورد خبرا في قنوات وصفحات داعمة للإرهاب عن طفلة قتلت في قصف للطيران الليبي، كانت هذه المنظمات أشارت إلى مقتلها، وحين اقتحم الجيش أحدى المناطق وجدت الطفلة حية ترزق، وتم عرضها عبر إحدى القنوات الليبية، وأكدت عائلتها بأنهم وقعوا تحت قبضة الجماعات الإرهابية، ولم يسمحوا لهم بالخروج، وأخذوا ابنتهم وصوروها بعد أن لطخوا وجهها بألوان حمراء لتبدوا وكأنها قتلت في أحدى غارات سلاح الجو الليبي.
وعبرت قيادة الجيش في بيان لها امتعاضها لما ورد في التقارير من "مغالطات مبنية على معلومات أحادية الجانب"، معتبرة أن هذه المنظمة الدولية "لم تهتم بأعمال القوات المسلحة الإنسانية طيلة فترة القتال السابقة البالغة نحو 30 شهرًا".
وأشار بيان القيادة العامة إلى نقطة في غاية الخطورة وهي بما أنه لمنظمة العفو الدولية تواصل مع الجماعات المتطرفة فإن القيادة "تطالبها بالكشف عن مصير أسرى الجيش والمحتجزين".
وأكدت القيادة في بيانها "أوقفت العمليات العسكرية أكثر من مرة ولمدة كافية، وتم رمي منشورات بواسطة الطائرات العمودية ولكنهم لم يستجيبوا لذلك، ولم يستفيدوا من فرصة إخلاء كاملة اشتملت على التأمين الطبي والأمني والاجتماعي، وأٌعدت مقار للإقامة المؤقتة حتى يتم تأمين إقامة دائمة حسب رغباتهم".
ونصل لنقطة من الأهمية بمكان، فبعد تحرير بنغازي من كافة القوى الإرهابية، وتم إخراج العائلات ظهرت حقيقة هذه العائلات، فهي بنسبة تفوق التسعين بالمئة هي عائلات هؤلاء الإرهابيين والبقية من العوائل التي شكلت حاضنة لهؤلاء الإرهابيين تدعهم وتقدم لهم المساعدة اللوجستية بكافة الطرق، وهنا صمت كل المنظمات الدولية بما فيها منظمة العفو.
*كاتب وصحفي ليبي
