حمل عام 2018 سجلا طويلا من الترقب و الحذر اللبناني من اشتعال فتيل حرب جديدة جنوب البلاد بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي بعد نحو 12 سنة عن آخر مواجهة بين الطرفين انتهت بقرار مجلس الأمن رقم 1701 الذي ينصّ على الانسحاب الإسرائيلي من المناطق اللبنانية التي احتلها خلال المعارك، وبتولي قوات فصل دولية مهام الانتشار على الحدود برفقة الجيش اللبناني.
وظهرت مؤشرات المواجهة بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة من العام المنصرم، من خلال سيل من التهديدات الصادرة من قادة الاحتلال والردود "الوعيدية" من قبل مسؤولي حزب الله.
وعلى الرغم من أنّ التحليلات الأوليّة أشارت الى أنّ "الصدامات الكلامية" هي حرب مواقف تؤشر بوصلتها الى الاستهلاك السياسي الداخلي إلا أنّ التطورات الحاصلة تعيد خلط التوقعات من جديد، لا سيما بعد الغارات الإسرائيلية على سوريا والتي استهدف بعضها عناصر حزب الله، وأيضا حملة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على ما يقول إنّه أنفاق حزب الله على حدود فلسطين المحتلة الشمالية، و اتهامه للحزب على منبر الامم المتحدة في نيويورك بإنشاء ترسانات للتصنيع الحربي بين مناطق سكنية وعلى مقربة من مطار العاصمة.
لماذا "التسخين"؟
واعتبرت الكاتبة والمحلّلة السياسية الدكتورة هدى رزق أنّ "ما حصل من تسخين جاء في إطار محاولة للتغطية على ما يدور بين السعودية والكيان الإسرائيلي من تطبيع مع عدد من الدول العربية مثل عُمان"، لافتة الى أنّ الحراك التي تقوده السعودية مُوجهٌ تحديدا الى إيران وحزب الله لتدخلات الأخير في العديد من الدول العربية لا سيما في سوريا عبر دعم النظام ودفعه الى الصمود و أيضا في اليمن من خلال التحالف مع الحوثيين ومشاركته في تدريبهم ودعمهم".
ورأت رزق في تصريحات لـ"عربي21" أنّ "القادة السعوديين يحملون المحور الذي يضم حزب الله مسؤولية هزيمتها في اليمن"، معتبرة أنّ "التطبيع السعودي- الإسرائيلي يأتي للرد على إيران و حزب الله عبر إثارة مخاوف هذا المحور من التحالف الذي تنسجه إسرائيل مع دول عربية".
وتحدثت رزق عن دعم عربي سابق مُورس في الخفاء في الصراعات السابقة الإسرائيلية ضد حزب الله، وقالت: "شهدت حرب تموز 2006 تحالفا عربيا تقوده السعودية مع الكيان الإسرائيلي بشكل سرّي، إلا أن المتغيرات الحالية دفعت العلاقة لأخذ أشكال علنية".
وعن المصلحة السعودية في توطيد العلاقة مع الإسرائيليين، أكدت رزق أنّ الرياض "تسعى الى تعزيز موقفها من المفاوضات التي تدور حول مستقبل اليمن، خصوصا أنّ تواجدها على طاولة المفاوضات التي تضمّ الحوثيين يدلّل بشكل واضح على خسارتها المعركة".
وحول إمكانية اندلاع حرب في جنوب لبنان في عام 2019، بيّنت رزق أنّ "اشتعال فتيل الحرب أمر وارد"، لكنّها أشارت الى جملة أسئلة تطرح عن مدى قدرة الكيان الإسرائيلي على تحقيق أهدافه في أي حرب مقبلة خصوصا أنّ "الحرب الأخيرة عام 2006 استمرت 33 يوما دون تحقيق ما وضعه الإسرائيليون من أهداف".
وتساءلت: "هل باستطاعة (إسرائيل) التحرك تجاه لبنان في ظل التطورات الحاصلة في سوريا والحضور الروسي المباشر هناك؟"، متطرقة الى الاجتماع الروسي الإسرائيلي الأخير الذي جاء عقب التهديدات بشنّ حرب في لبنان بأنّه أرسل مؤشرات بعدم قبول موسكو للقيام بعمل عسكري إسرائيلي ضد حزب الله، "وهذا يعكس العلاقة الروسية الإيرانية المستمرة في سوريا رغم التناقضات الحاصلة في مساحات سياسية معينة بين موسكو وطهران".
واستبعدت رزق مضي الإدارة الأميركية في خيار الحرب على لبنان تخوفا من التجارب السابقة "التي أدّت الى تعويم حزب الله كما حصل بدءا من حرب عناقيد الغضب عام 1996 مرورا بالمواجهات التي تبعتها".
وحول دور القادة الرسميين ومؤسسات الدولة من التهديدات الإسرائيلية، قالت: "رئيس الجمهورية لا يريد حربا على بلاده، غير أنّه جزء من الفريق الذي دعمه للوصل الى الرئاسة الأولى وأعني إيران وحزب الله، كما أنّ وزارة الخارجية اللبنانية جزء أيضا من هذا المحور السياسي"، لافتة الى أنّ "القوى السياسية في لبنان كافة ترفض الحرب ضد حزب الله بسبب تغيّر المعادلات وما تمرّ به البلاد من أزمات، وفي الوقت عينه نتيجة الظروف المتعلقة بها على مستوى حضورها ونفوذها".
مصير "التعايش"
و ذهبت آراء مراقبين الى التشكيك ببقاء "الهدوء" في العام المقبل على الحدود، وأكد المحلل السياسي الدكتور شارل شرتوني أنّ "التعايش الحاصل بين حزب الله و الجيش الإسرائيلي على الحدود الجنوبية ليس قابلا للاستمرار، إلا إذا التزم الجانبان بموجبات القرار الأميي 1701 وجميع متعلقاته ومن ضمنها قوات الفصل"، موضحا في تصريحات لـ"عربي21" أنّ "ربط النزاع أوقف الصراع الدائر في المناطق الحدودية منذ 40 عاما".
وأشار الى أنّ لا مصلحة للطرفين لتبديل المعادلة في الوقت الراهن، معتبرا أن "سياسية شدّ الحبال ليس لها معنى، لأن الجميع يدرك حجم الخراب الذي قد تسببه أي حرب قادمة".
وانتقد شرتوني أداء حزب الله الذي أضرّ بالبلاد اقتصاديا وأمنيا، وقال: "لسنا مجبرين أنّ نلتزم بسياسات حزب الله، فأولوياته تخصّه وحده ولا تعني كل اللبنانيين، وفي حال أراد فرض خياراته على الجميع فالنتيجة ستكون خرابا شاملا".
وتساءل عن أسباب "استدراج حزب الله للمواجهة مع إسرائيل"، واصفا خطاب نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم بخصوص هذه المسألة بأنّها تدعو الى "الغثيان".
وقلّل شرتوني من حضور مشهد الدولة في لبنان، قائلا: "نظامنا وهمي وما يؤكد ذلك عجزهم عن تشكيل الحكومة لأشهر طويلة"، داعيا الى حسم المسألة "إمّا بإعلان غياب لبنان أو بالعودة الى الطريق الصحيح"، واعتبر أنّ مواقف رئيس الجمهورية ميشال عون والحكومة المكلّف سعد الحريري خجولة وغائبة عن التحدي الكبير التي يواجهه لبنان في سيادته واستقراره.