في ملف من ثلاث حلقات يكشف موقع ديلي بيست مساهمة الرئيس السوري بشار الأسد في خرافة محاربة الإرهاب، بمحاولته أولاً التواصل مع الزعماء الغربيين بوصفه الانتفاضة السورية ضده بأنها انتفاضة يقودها إرهابيون. وعندما أخفق أطلق متطرفين إسلاميين مسجونين قاتلوا القوات الأمريكية في العراق، ثم نفذ هجمات زائفة على منشآت حكومية اتهم بها إرهابيون. فبدل محاربة الإرهاب، غض الأسد الطرف عندما أقام التنظيم دولة داخل دولة في الرقة، وترك الأمر للولايات المتحدة وآخرين لمحاربة المتطرفين الإسلاميين.
يبدأ الصحافي الأمريكي روي غوتمان الحائز جائزة بوليتزر لتحقيقه بقصة الناشط عبد الله حكواتي الذي أمضى شهراً في السجن بحلب في بداية الانتفاضة. ويقول: "اعتقد عبدالله أنه يعرف ماذا ينتظره عندما اعتقلته المخابرات العسكرية للمرة الثانية في سبتمبر(أيلول) 2011".
ناشطون وقدامى القاعدة في زنزانة واحدة
في حينه، علق حكواتي من يديه أربعة أيام. وضرب بالهراوات والقضبان الحديد وصعق بالكهرباء في أعضائه التناسلية. وبعد محاكمة وهمية وإدانة بالإرهاب، سجن في زنزانة مع محاربين قدامى من القاعدة نقلوا من سجون سياسية في سوريا.
ويقول حكواتي: "كانت المرة الأولى أرى أحداً من القاعدة وجهاً لوجه". ولاحقاً أجبر على لعب دور رئيسي في مسرحية مناهضة للنظام في حلب نظم خلالها احتجاجات "بعدما هددوه بالقتل بحجة أنه ملحد ولا يصلي".
وبعد أسابيع في الزنزانة مع المحاربين القدامى من القاعدة الذين كانوا عملياً مديري السجن، انضم خمسة من رفاقه إلى المتطرفين الذين حملوا لاحقاً السلاح ضد الأسد. ويقول غوتمان إن خلط الناشطين المدنيين بقدامى القاعدة لم يكن عرضياً.
تحقيق استمر سنتين
فقد ادعى الرئيس السوري بأن الإرهابيين المسلحين قادوا الانتفاضة عام 2011، والتي كانت تبدو واعدة في حينه. لذا استخدم أجهزته الأمنية لجعل الواقع متناسباً مع تلك الدعاية. فمع ادعائه بأنه ضحية التطرف، لعب الدور الرئيسي الذي مكن صعود التطرف في المنطقة، بحسب ما أضهر تحقيق عمره سنتين أجرته ديلي بيست. وليس سجن حلب المركزي إلا جزءا من جهد منسق لتشدد الانتفاضة وإفقادها صدقيتها.
مقابلات مع منشقين
وترسم السلسة التي ينشرها ديلي بيست دور الأسد في صعود التطرف الإسلامي من الداخل. وهي تستند إلى مقابلات حصرية مع منشقين رفيعي المستوى من الجهاز الأمني للنظام تلقي الضوء على قرارات رئيسية، على غرار إرسال متطوعين لمقاتلة الغزو الأمريكي للعراق، وهو ما ساعد في تشكيل طلائع داعش، بتحريره نحو ألف من الناشطين السابقين في القاعدة من السجون السورية عام 2011، ومحاربته النادرة لناشطي داعش.
تفجير منشآته
وتظهر السلسة أيضاً:
-كيف دبر النظام على الأرجح تفجيرات منشآته الأمنية عام 2011 و2012 لترك انطباع بأن القاعدة يتمتع بوجود مسلح في سوريا قبل وقت طويل.
- المخابرات السورية تلقت أوامر بغض النظر عندما اجتاز مقاتلو القاعدة الحدود من العراق إلى سوريا عام 2012.
- المخابرات السورية اخترقت قيادة الجماعات الجهادية المتطرفة، وفي أوقات حساسة أثرت على عملياتها.
ثغرة كبيرة
والمفارقة أن مسؤولين رفيعي المستوى سابقين في المخابرات السورية تحدثوا إلى الصحافي قالوا إن الاستخبارات الأمريكية لم تستجوبهم أبداً، وهو ما يعتبرونه ثغرة كبيرة، لا فقط لأنهم كانوا متواطئين ومطلعين على التحركات الداخلية لدور الأسد في تدبير تمرد إرهابي ضد القوات الأمريكية في العراق، ولكن أيضاً لأنهم كانوا في موقع يتيح لهم تقديم النصح في شأن إقامة جهاز أمن الدولة الجديد في حال انهيار الدولة البوليسية للأسد أو إطاحتها.
ويبدو أن إدارة أوباما لم تكن مهتمة بهذا الأمر. وقال مسؤول أمريكي سابق رفيع المستوى إن وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إي" لم تكن مهتمة كثيراً بالمنشقين السوريين ولم تستجوبهم إلا عندما كان ديبلوماسي يطلب ذلك.
علاقة الأسد بالجهاديين
وتعود علاقة الأسد بالجهاديين إلى الدور الذي اضطلع به النظام في التمرد العرافي بعد الغزو الأمريكي عام 2003. وكشفت مجموعة من السجلات الشخصية للقاعدة ضبطتها القوات الأمريكية عام 2007 في سنجار بشمال العراق أن أكثر من 600 مقاتل من السعودية وليبيا ودول مسلمة أخرى انتقلوا إلى العراق من سوريا بين أغسطس (آب) 2006 وأغسطس 2007. ومن اللافت أن المخابرات السورية لم تحاول اختراق تلك الشبكات، بحسب تقرير لمركز وست بوينت لمكافحة الإرهاب لعام 2008.
وأكدت برقيات لوزارة الخارجية نشرها موقع ويكيليكس أن الولايات المتحدة تملك معلومات تظهر أن جميع المتطوعين الأجانب في القاعدة تقريباً دخلوا العراق عبر سوريا، وأن الأسد ومساعيده الكبار كانوا على علم بذلك. وعام 2010 أقروا بذلك لمسؤولين أمركيين زاروا دمشق، بحسب إحدى البرقيات التي نقلت عن الجنرال علي مملوك قوله: "في المبدأ لا نهاجمهم أو نقتلهم مباشرة...وإنما نخترقهم وفي الوقت المناسب نتحرك". وعرض المملوك تعاوناً في اعتقال إرهابيين مقابل تخفيف أمريكا العقوبات الاقتصادية والقيود على السفر.
تشجيع سوريين على التطوع
ولكن ديلي بيست تقول إن هذه نصف القصة، إذ قال مسؤولون مخابراتيون منشقون ومتطوعون سابقون إن النظام شجع سوريين على التطوع في الجهاد ضد الأمريكيين، وأن المئات قتلوا في المعارك.
ويقول أنس الرجب، وهو إسلامي سابق من محافظة حماة قاتل في العراق وعند عودته إلى سوريا سجن فترتين قصيرتين في سجون تديرها المخابرات السورية إن "سوريا أرادت أن تستمر حرب العراق والهجمات على القوات الأمريكية، حتى لا يتمكن الأمريكيون من الانتقال إلى سوريا".
ويوضح محمود الناصر، وهو ضابط منشق في المخابرات السورية أن المخابرات قدرت بنحو 20 ألفاً عدد الأشخاص الذين عبروا الحدود إلى العراق، عند بدء أمريكا هجومها في مارس 2003، إلا أن أكثرية هؤلاء عادوا فوراً عقب سقوط بغداد، بعد ثلاثة أسابيع.
ولكن خمسة آلاف آخرين توجهوا إلى العراق لأسباب إيديولوجية "وهم من شكلوا نواة الوحش" الذي يسيطر الآن على سوريا والعراق، حسب ناصر، الرئيس السابق للشؤون السياسية للحزب في مقر المخابرات في راس العين، بشمال سوريا ويعمل حالياً مع محامين سوريين في جنوب تركيا لجمع معلومات عن أدلة على جرائم حرب.