رفض الميليشيات الليبية تسليم اسلحتها يهدد باقتتالها

تاريخ النشر: 02 نوفمبر 2011 - 01:22 GMT
مقاتلون ليبيون في باب العزيزية معقل العقيد المقتول معمر القذافي
مقاتلون ليبيون في باب العزيزية معقل العقيد المقتول معمر القذافي

يقول مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" ديفيد كيركباتريك في مقال نشرته صحيفة "انترناشنال هيرالد تربيون" اليوم الاربعاء إن "الكثيرين من قادة الميليشيات المحلية الذين ساعدوا في الإطاحة بالعقيد معمر القذافي يتخلون الآن عن تعهدهم بتسليم اسلحتهم، ويقولون إنهم يعتزمون الاحتفاظ باستقلال ذاتي، وبتاثيرهم على القرارات السياسية باعتبارهم "حراسا للثورة".

ويضيف: "قضية الميليشيات هي واحدة من القضايا الاشد إلحاحا التي تواجه حكومة ليبيا الموقتة الجديدة، والمجلس الوطتي الانتقالي. وانتشرت العشرات من كتائب المتطوعين المسلحة المتجولة بحرية داخل البلاد، وهي تنتمي للمجالس العسكرية المحلية التي اصبحت حكومات أمر واقع، في مدن مثل مصراتة والزنتان، وكذلك في العاصمة طرابلس.

واقترحت الحكومة الموقتة المستقيلة برئاسة محمود جبريل في مؤتمر صحافي ليلة الأحد، أنه بدلا من حل الميليشيات المحلية فإن على المجلس الانتقالي دمجها، وتوسيع العضوية فيه بحيث يتم ضم ممثلين عن الميليشيات إليه.

وقال محمود شمام، الناطق باسم الهيئة التنفيذية في المجلس الانتقالي: "لا أحد يريد التخلي عن السلاح الآن، وهناك قبائل ومدن كثيرة تكدس الأسلحة تحسبا للطوارئ".

ونظرا للتقارير عن اشتباكات متباعدة بين الميليشيات وعمليات قتل انتقامية داخلية، فالكثيرون من القادة المدنيين، ومعهم بعض المقاتلين، يقولون إن تحول الميليشيات من حالة المماطلة في تسليم أسلحتهم إلى القيام بدور نشط في العملية السياسية يمثل تحديا جديا لسلطة المجلس النتقالي الهشة.

ويرى رمضان زمروح، 63 عاما، وهو من قادة المجلس العسكري في مصراتة، أن ميلشيا مدينته يجب أن تحل نفسها بعد إقامة وزارة جديدة للدفاع ويقول: "الوضع الحالي يمكن أن يؤدي إلى فوضى. وإذا اردنا الحصول على ديموقراطية، فلا يمكن أن يستمر الحال الراهن".

ويبدو على أي حال ان وجهة نظره تعبر عن رأي أقلية. والعديد من أعضاء المجالس العسكرية يصرون على أنهم بحاجة للاحتفاظ بسلاحهم إلى ان تتم المصادقة على دستور جديد، لأنهم لا يثقون بقدرة الحكومة الانتقالية الضعيفة على الانتقال بليبيا نحو الديموقراطية من تلقاء ذاتها.

وقال أنور فكيني، وهو محام ليبي يحمل الجنسية الفرنسية، ويقود مجموعات مسلحة في الجبل الغربي وهو مقرب كذلك من كبار قادة المجلس الانتقالي: "نحن الذين نمسك بالسلطة الآن- أي من يملكون القوة على الأرض- ولن نتخلى عن السلطة إلى أن تقوم حكومة شرعية من خلال انتخابات حرة ونزيهة".

واضاف: "سنتأكد من أننا سننقل البلاد إلى دستور مدني ونظام ديموقراطي. وسنستخدم كل الوسائل المتوفرة- وأولها قوتنا على الارض".

وأظهر قادة الميليشيات بالفعل عزمهم على الدخول في العملية السياسية. وقبل أن تسمي الحكومة الموقتة رئيسا جديدا للوزراء ليلة الاثنين، هدد القادة المحليون في مصراتة- الذين تحدثوا من دون ذكر الأسماء خشية وقوع قتال مكشوف مع المجلس الانتقالي- بأنه إذا لم يتم الاتفاق على مرشح يعتبرونه مقبولا، فإن المجالس العسكرية في مدن غربي ليبيا ستتدخل لحسم المسألة.

وحلت المشكلة سلميا باختيار عبد الرحيم الكيب، وهو مهندس طرابلسي ورجل اعمال، ما ارضى المدن الغربية. لكن المسؤولين في المجلس الانتقالي قالوا إن خطر التدخل بحد ذاته يهدد عملية الانتقال إلى ديموقراطية مدنية، تجري فيها تسوية الخلافات بالاقتراع أو التحكيم، وليس بالأسلحة.

وقال شمام إن التدخل العسكري "سيكون كارثة" وأنه لا بد من تبني دستور جديد "تحت مظلة القانون"- مراكز الشرطة والقضاة- وليس المجالس العسكرية وقوة السلاح.

ويرى هو وآخرون في المجلس الوطني أن هناك أملا بأن تسيطر الحكومة الانتقالية المقبلة على الوضع وأن تبني جيشا وطنيا، وهو هدف ما زال من الصعب تحقيقه، وان تحل المجالس العسكرية المحلية. وفي إشارة إلى انتخاب هيئة حاكمة هذا العام قال شمام: "إذا بدأت المجالس العسكرية في الامتداد والتوسع، فستكون بديلا عن الجمعية الوطنية".

ويشير البعض إلى مصر المجاورة التي تسلم فيها مجلس من الضباط العسكريين السلطة عقب تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، تم تأجيل الانتقال إلى سلطة مدنية. ويقول آخرون إن هناك خطرا بأن يماثل الوضع في ليبيا ما هو موجود في اليمن أو سوريا، لأن هناك عدة ميليشيات لها استقلال ذاتي تستعد لتسلم دور سياسي- في طرابلس وفي الجبل الغربي مثل الزنتان وجارتها مصراتة وفي مدينة بنغازي الشرقية.

وفي الشرق وفي العاصمة طرابلس ترتبط عدة ألوية من الأكثر عددا والأفضل تجهيزا مع المنظمات الإسلامية، التي تشكل الآن أحزابا سياسية. وفقا لتوقعات شمام، الذي هو ليبرالي.

ووقعت بالفعل اشتباكات بين مجموعات مسلحة. وقبل أسبوعين حدث قتال بين مسلحين من الزنتان وآخرين من مصراتة في مطار طرابلس، ما أسفر عن ثلاثة قتلى، بحسب عبد الرزاق البكيش، 40 عاما، وهو قائد عسكري من الزنتان. وقال إن الاستفزازات الصادرة عن مؤيدين من فلول القذافي هي السبب في الاشتباكات.

واندلع اشتباك الأسبوع الماضي بين مجموعتين مسلحتين في ميدان الشهداء بالعاصمة، وهو الميدان الذي حظر المجلس العسكري المحلي الآن على المقاتلين الآخرين دخوله.

وبعد السيطرة الشهر الماضي على آخر معاقل القذافي في سرت، وقع اشتباك قصير بين مقاتلين من بنغازي وآخرين من مصراتة، وفقا لما ذكره زرموح، وهو قائد من مصراتة، رغم أنه لم يسفر عن إصابات.

وصباح امس الأول هاجم مقاتلون من الزنتان مستشفى في طرابلس ليبحثوا، كما قالوا، عن موال للقذافي كان يعالج داخله، بحسب تقارير بثتها إذاعة طرابلس.

وقال عبد الرحمن الشاطر، وهو صحافي يحظى بالاحترام وينشر مقالاته في واحدة من عشرات الصحف الجديدة: "يبدو المجلس الانتقالي عاجزا. وهو مثل زوج مخدوع لا يعلم ما يجري وراء ظهره، أو مثل من يعلم لكنه لا يبالي".

وقد تعهد المجلس الوطني الانتقالي في "اعلان دستوري" بانه سينظم، بعد ثمانية شهور من تشكيل حكومة انتقالية جديدة، انتخابات لمجلس وطني يقوم بالاشراف على كتابة دستور جديد. (وبدا جبريل في مؤتمره الصحافي وكأنه يقترحطرح "الاعلان" جانباً من دون ضجة، ما اثار اسئلة حول مدى الزام الاعلان).

ويتعين على السلطات الانتقالية في ليبيا التي ليس لها تاريخ نظام انتخابي ديموقراطي ان ترسم حدود المناطق (الدوائر) الانتخابية وتضع نظام تصويت – وهذان قراران يعنيان بصورة لا مفر منها انه سيكون هناك رابحون وخاسرون، سياسياً وجغرافياً.

وخلال الثورة، اقسم المسؤولون في المجلس الوطني الانتقالي على اعطاء اصوات متساوية لجميع الليبيين بغض النظر عن مكان وجودهم او موقفهم السياسي.

ولكن القادة في مصراتة، وهي مركز تجاري تحمل حصاراً طويلاً وبرز بصفة ترسانة الثورة الليبية، يقولون انهم يوصون بمعيار للتمثيل من اربع نقاط من شأنها ان تعزز اصواتهم، على حساب مدن وبلدات اصغر او تلك البلدات والمدن التي بقيت مواليةً للعقيد القذافي. وهذه النقاط هي: السكان، الحجم، الانتاج الاقتصادي، و"الاسبقية في التحرير".

والآن يدعو بعض الناس في المناطق الشرقية حول بنغازي، وهي مناطق اهملت في عهد العقيد القذافي لمصلحة غربي البلاد، الى العودة الى بنية فيديرالية فضفاضة يمكنها ان تحميهم من سيطرة طرابلس ومصراتة.

ولكن عزة كامل ماغور، وهي محامية حقوق انسان عقدت في الآونة الاخيرة مؤتمراً في مصراتة للحديث عن العملية الانتقالية انها فوجئت بصورة خاصة من التصميم المكشوف على ادخال الاسلحة في العملية السياسية. وقالت: "وقفوا وقالوا: لن نسلم اسلحتنا الى ان يصاغ الدستور". واستدركت قائلة: "لا يمكن ان يكون هناك مجتمع مدني ديوقراطي بوجود السلاح-كيف يمكن اجراء انتخابات؟".