يثور جدل كبير في فرنسا حول أساليب قوات مكافحة الشغب في مواجهة العنف أثناء مظاهرات السترات الصفراء، وينتقد المتظاهرون أجهزة الإعلام التي اقتصرت في حديثها عن العنف على ذكر الجرحى في صفوف قوات الأمن، وتجاهلت أعداد المصابين وطبيعة إصاباتهم من المتظاهرين.
وانفجر الجدل بعد أن قامت صحيفة ليبراسيون بحصر أعداد المصابين بجروح خطيرة من المتظاهرين، وأعلنت أنه يبلغ 94 مصاب، منذ 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 وحتى 15 يناير/كانون الثاني، بينما تفيد الأرقام الرسمية بأن عدد المصابين، عموما، بلغ 1000 شخص من رجال الأمن مقابل 1700 مصاب في صفوف المتظاهرين، دون الحديث عن طبيعة ومستوى الإصابة وفق تقرير لموقع راديو مونتكارلو
واعتمدت الصحيفة، لتوصيف الإصابة الخطيرة، الإصابات التي تؤدي لبتر أعضاء من الجسم (العيون، اليدين... الخ) أو تعطيل وظيفتها بصورة دائمة، الكسور، السيقان والأقدام التي تعاني من شظايا منغرسة فيها، الحروق الكبيرة والجروح المفتوحة في الرأس، وحصرت 94 متظاهرا أصيب بصورة خطيرة، من بينهم 10 نساء، وإصابة 69 من هؤلاء ناجمة عن طلقات LBD أو بنادق الكرات الدفاعية، والتي احتل استخدام قوات الأمن لها أغلب الجدل الدائر حول أساليب الشرطة في مواجهة العنف في المظاهرات.
LBD... بنادق الكرات الدفاعية:
هي الجيل الجديد من مسدسات الكرات المطاطية المعروفة باسم Flashball، وتتميز عنها بأنها مزودة بمصوب إلكتروني وبعقب، ويبلغ مداها 50 مترا، بينما لم يكن مدى Flashball يتجاوز العشرة أمتار، وتطلق كرات مطاطية شبه صلبة، من المفترض أن تتفتت لدى اصطامها بالهدف، وهي من صناعة سويسرية، وتصنف في فئة الأسلحة الوسيطة غير القاتلة.
وهناك قواعد صارمة لاستخدام LBD ـ بنادق الكرات الدفاعية ضد المتظاهرين، إذ تعتبر سلاح رجال الأمن للدفاع عن أنفسهم في حال تعرضهم للعنف أو للخطر من قبل المتظاهرين، وينبغي أن يحصل مستخدمها على تدريب خاص وشهادة تسمح له بذلك، كما لا يحق له استخدام السلاح في كل مرة، قبل الحصول على إذن خاص من قيادته، وينبغي أن يقتصر التصويب على منطقة الصدر والساقين.
الجدل حول LBD... بنادق الكرات الدفاعية:
هذه النقطة الأخيرة هي التي فجرت الجدل، ذلك إن حوالي 15 من أصحاب الإصابات الخطيرة فقدوا إحدى العينين لإصابتها بالكرات المطاطية، وأحد المصابين في مدينة بوردو، جاءت إصابته في الرأس ومن الخلف، أي أنه لم يكن يواجه رجال الشرطة، وأدت لإصابته بنزيف في الدماغ، ووضعه في غيبوبة اصطناعية، كما أصيب عدد من الصحفيين والمصورين، الذين لا يمكن أن يشكلوا خطرا على رجال الأمن، بالكرات المطاطية في الوجه.
المطالبون بمنع استخدام هذا السلاح، يذكرون الإصابات الخطيرة في الوجه والرأس، معتبرين أنها تكشف عن أحد أمرين، إما أن السلاح ليس بالدقة التي يعلن عنها، وإما أن رجال الأمن تعمدوا التصويب نحو الرأس، ويشيرون إلى أن فرنسا هي البلد الأوروبي الوحيد، الذي يسمح لقوات مكافحة الشغب باستخدام بنادق الكرات الدفاعية.
بينما يدافع وزير وقيادات الداخلية عن هذا السلاح باعتباره السلاح الوسيط غير القاتل الوحيد لرجال الأمن لمواجهة انفجار العنف ضدهم في المظاهرات، وقال الوزير كريستوف كاستنير، أنه في حال منع استخدام بنادق الكرات الدفاعية، لن يعود أمام رجال الأمن، في حالة تفجر العنف، سوى الاشتباك الجسدي المباشر أو استخدام أسلحتهم النارية، مما سيؤدي لعدد أكبر من الإصابات الخطيرة.
ولكن نقابات الشرطة تطرح القضية على مستوى أكثر أهمية، رافضة أن يقتصر الحديث على السلاح، وإنما تطالب بنقاش عقيدة قوات مكافحة الشغب في حفظ الأمن في المظاهرات ومواجهة العنف، والتي كانت تقوم، بضعة شهور، على تجنب الاحتكاك المباشر بالمتظاهرين، وإنما احتواء المظاهرة وتوجيهها، وعزل العناصر المشاغبة بأساليب غير عنيفة، ولكن طبيعة مظاهرات السترات الصفراء المتناثرة والتي لا يعلن مسبقا عن مسارها، وتشهد، أحيانا، اعمال عنف وتخريب، دفع بقيادات الداخلية لتغيير عقيدة حفظ أمن المظاهرات مطالبة قواتها بالتدخل والاشتباك مع مرتكبي أعمال الشغب.
وتكمن المشكلة في أن هذه العقيدة الجديدة، تؤدي في ظروف المظاهرات وفوضى التعامل إلى إصابة أعداد متزايدة من المتظاهرين المسالمين بإصابات خطيرة، مما يعرض حرية التظاهر في فرنسا للخطر.