صدام انشغل عن الواقع بكتابة الرواية

تاريخ النشر: 27 يناير 2004 - 02:00 GMT
البوابة
البوابة

كانت طبول الحرب تقرع، والتحالف بقيادة واشنطن يعد ما استطاع من قوة لغزو العراق فيما كان الرئيس المخلوع صدام حسين منسحبا من الواقع منشغلا بكتابة الروايات يدفع بمخطوطاتها الى طارق عزيز لاعادة كتابتها. وكان العلماء يستغلون الانسحابية هذه وتفرد الرئيس لتقديم برامج أسلحة خيالية لكسب المال وليس للتنفيذ. 

تنقل صحيفة "الشرق الاوسط" استنادا الى خدمة "نيويورك تايمز" عن ديفيد كاي، رئيس فريق التفتيش الاميركي عن اسلحة الدمار الشامل العراقية المستقيل قوله ان وكالة المخابرات المركزية الأميركية ووكالات استخباراتية أخرى لم تدرك أن العلماء العراقيين كانوا قد قدموا برامج أسلحة طموحة لكنها غير واقعية الى الرئيس العراقي المخلوع واستخدموا الأموال، بالتالي، لأغراض أخرى. 

ويشير كاي أيضا الى أن العراق حاول انعاش جهوده لتطوير أسلحة نووية عامي 2000 و2001، ولكنه لم يصل في مسعاه لصنع قنبلة الى المدى الذي وصلت اليه ايران أو ليبيا. 

وقال كاي في مقابلة معه ان بغداد كانت تعمل بنشاط على انتاج سلاح بيولوجي مستخدمة سم الرايسين حتى الغزو الأميركي في آذار/مارس الماضي.  

ولكن كاي ينحى باللائمة على وكالة المخابرات المركزية ووكالات استخباراتية أخرى، ويقول انها أخفقت في معرفة ان العراق كان قد تخلى تقريبا عن جهوده لانتاج كميات كبيرة من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية بعد حرب الخليج الأولى عام 1991. 

في اذار/مارس الماضي شنت الولايات المتحدة بالتحالف مع بريطانيا حربا على العراق انتهت في التاسع من نسيان/ابريل بسقوط بغداد وهروب صدام وكانت ذريعة الحرب هي امتلاك العراق لاسلحة دمار شامل لم يعثر حتى الان على دليل واحد يثبتها. 

ويقول ديفيد كاي انه من خلال المقابلات مع علماء عراقيين ومصادر أخرى عرف فريقه ان العراق دخل في فترة بين عامي 1997 و1998 في ما سماه "دوامة فساد" عندما بدأت نشاطات الحكومة تفقد السيطرة لأن صدام حسين المعزول والمليء بالأوهام على نحو متزايد كان قد أصر على التفويض الشخصي للمشاريع الكبرى من دون تدخل آخرين. 

ويقول كاي انه بعد بداية هذه "العصور المظلمة" أدرك العلماء العراقيون انه يمكنهم التوجه مباشرة الى صدام وتقديم خطط خيالية حول برامج الأسلحة وتلقي موافقة وكميات كبيرة من المال. وأضاف ان ما تبقى من قدرات فعالة في مجال الأسلحة فانه يندرج، الى حد كبير، في خطط زائفة لجمع المال من جانب علماء بارعين في فنون الكذب والنجاة في دولة بوليسية. 

ويقول كاي "ان المسألة برمتها تحولت من برامج موجهة الى عملية فاسدة. ولم يعد النظام قادرا على السيطرة. وكان الأمر شبيها بلولب الموت. فصدام يدير بنفسه المشاريع التي لا تخضع لتدقيق آخرين. وكان العلماء قادرين على اعداد برامج مزورة". 

وفي مقابلات معه بعد اعتقاله أبلغ طارق عزيز نائب رئيس الوزراء السابق كاي بأن صدام حسين كان قد أصبح بعيدا عن الواقع، على نحو متزايد خلال العامين الأخيرين من حكمه. وكان صدام يرسل مخطوطات روايات كان يكتبها الى طارق عزيز حتى في الفترة التي كان فيها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة يستعد للحرب. 

ويقول كاي ان الأخطاء الأساسية في التقييمات الاستخباراتية في فترة ما قبل الحرب كانت فادحة الى الحد الذي يجعله يوصي المخابرات المركزية ووكالات الاستخبارات الأخرى بقيامها بتدقيق معلوماتها وتحليلاتها. 

ويضيف كاي ان محللين كانوا قد أتوا اليه "وعيونهم مغرورقة بالدموع" قائلين انهم يشعرون "بمزاج سيئ لأننا لم نجد ما اعتقدوا أننا سنجده". وكان هناك محللون اعتذروا عن عدم التوصل الى الاستنتاجات التي توصلوا اليها". 

ويقول كاي انه اعتمادا على المقابلات التي اجراها فريقه مع علماء عراقيين، ومراجعة الوثائق العراقية، والتدقيق في المشاريع والمواد الأخرى، فان الادارة كانت، بالتأكيد تقريبا، مخطئة في اعتقادها ما قبل الحرب بأن العراق كان يمتلك مخزونات كبيرة من الأسلحة المحظورة. 

ويخلص كاي الى القول "أنا شخصيا مقتنع بأنه لم تكن هناك مخزونات كبيرة من أسلحة الدمار الشامل المنتجة حديثا. فلم نجد الناس أو الوثائق او المشاريع المادية التي يمكن للمرء أن يتوقع العثور عليها اذا ما كان الانتاج مستمرا". وأضاف "أعتقد أنهم قلصوا، تدريجيا، المخزونات خلال سنوات التسعينات. وفي وقت ما في أواسط التسعينات جرت ازالة المخزونات الموجودة من الأسلحة الكيماوية". 

ويقول انه بينما يحتمل أن يكون العراق قد واصل تطوير "كميات اختبار" من الأسلحة الكيماوية وكان يعمل على تحسين طرق الانتاج فان الدليل قوي على "انهم لم ينتجوا كميات كبيرة من الأسلحة الكيماوية خلال التسعينات". 

ويشير الى أنه في ما يتعلق بالأسلحة البيولوجية هناك دليل على أن العراقيين واصلوا البحث والتطوير "حتى النهاية" لتحسين قدرتهم على انتاج الرايسين.  

ويعرب كاي عن اعتقاده بان العراقيين "كانوا يبحثون، في معظم الأحيان، عن طرق أفضل للتسلح. وكانوا يحتفظون ببنية أساسية ولكن لم يكن لديهم انتاج واسع جار". وان العراق قام بجهد لاستئناف برنامج أسلحته النووية في عامي 2000 و2001، ولكن الدليل يشير الى أن البرنامج كان بدائيا في أحسن الأحوال وكان له ان يستغرق سنوات لاعادة بنائه بعد أن جرى التخلي عنه الى حد كبير في سنوات التسعينات.  

ويقول انه "كان هناك استئناف للبرنامج النووي، ولكن الشيء المفاجئ هو أنه اذا ما قارنته بما نعرفه الآن عن ايران وليبيا فان البرنامج العراقي لم يكن متقدما أبدا". 

ويقول كاي ان العراق كان قد احتفظ ببرنامج نشيط للصواريخ البالستية كان يتلقى مساعدة اجنبية كبيرة حتى بداية الغزو الأميركي. وأضاف انه يبدو ان الأموال قد وجهت ثانية الى برنامج الأسلحة النووية لاستئناف السعي جزئيا لأن العراقيين ادركوا انهم بحاجة الى نوع معين من شحنات التفجير لصواريخهم الجديدة. 

وبينما أكد ان الملاحقة يجب أن تستمر في العراق، قال كاي انه يعتقد ان "85 في المائة من الأمور المهمة" قد انكشفت الآن، ونبه الى أن عمليات النهب الواسعة التي جرت في العراق بعد الاطاحة بصدام حسين في نيسان /ابريل الماضي قد أدت الى ضياع الكثير من الوثائق والمواد الهامة الأخرى. ويعني ذلك انه من المستحيل، عمليا، الحصول على صورة كاملة عما كان عليه الوضع في العراق قبل الحرب. 

ويقول كاي انه "سيكون هناك مستوى يتعذر اختزاله من الغموض بسبب كل عمليات النهب التي جرت".  

ويعتقد كاي ان العراق كان يشكل خطرا على العالم، ولكن ليس التهديد الذي أعلنت ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش عن تفاصيله. وقال "نحن نعرف ان الارهابيين كانوا يمرون عبر العراق. ونعرف، الآن، ان هناك سيطرة قليلة على قدرات العراق في مجال الأسلحة. اعتقد ان ذلك يظهر أن العراق كان مكانا شديد الخطر. فقد امتلك البلد التكنولوجيا والقابلية على الانتاج، وكانت هناك جماعات ارهابية تمر عبره، ولم تكن هناك سيطرة مركزية". 

وكاي مقتنع بأنه لم يتم الضغط على المحللين من قبل إدارة بوش لفبركة تقارير استخبارية كي تتماشى مع أجندة البيت الأبيض تجاه العراق.  

وكان محللون من الـ"سي آي إيه" قد قالوا في السنة الماضية إنهم شعروا بالضغط من الإدارة الأميركية كي يجدوا آصرة تربط العراق بـ"القاعدة" تتوافق مع ما تتمناه الإدارة الأميركية. وبينما قال كاي إنه لا يعرف أي شيء حول هذه القضية لكنه قال إنه مقتنع بأن هناك ضغطا مورس على المحللين الاستخباراتيين بما يخص برامج الأسلحة.  

وقال كاي إن "جميع المحللين الذين التقيت بهم قالوا إنهم لم يشعروا بأي ضغط بما يخص أسلحة الدمار الشامل. فالجميع كان مؤمنا بأنه العراق لديه أسلحة دمار شامل". 

وينتهي كاي الى قول إنه لم يشعر قط بالضغط من إدارة بوش كي يصوغ تقاريره حول وضع الأسلحة العراقية وإنه عند اجتماعه ببوش في البيت الأبيض في آب / أغسطس الماضي حثه الرئيس على الكشف عما حدث حقا في العراق. 

إصرار بريطاني على ذرائع الحرب 

ومع تكرار كاي اقواله بانه لا يعتقد أن الرئيس العراقي السابق كان يملك أسلحة دمار، أصرّ وزير الخارجية البريطاني جاك سترو على أنه لا يزال يرى أن صدام كان يملك مثل تلك الاسلحة ، وان الحرب على العراق كانت مبررة. بينما شدد وزير العدل الاميركي جون أشكروفت على انه حتى من دون اسلحة الدمار الشامل كان صدام "يشكل خطرا" يبرر الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق.  

وعلى رغم عدم العثور على أية أسلحة بعد مرور أكثر من عشرة أشهر على سقوط بغداد، ابلغ وزير الخارجية البريطاني الى هيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي" ان "القرار الذي اتخذناه في 18 آذار/مارس للقيام بعمل عسكري كان مبررا حينئذ من زاوية تطبيق القانون الدولي ولايزال مبررا الان". وبعدما اعرب عن "خيبته" لعدم العثور على الأسلحة، رفض قبول فكرة عدم وجودها أساساً، مؤكداً أنه سيظهر "عدد كبير من الادلة". وسئل عن قول كاي إنه لا يعتقد انه كان لدى العراق اي اسلحة دمار شامل، فأجاب ان الخبير الاميركي "قال أشياء كثيرة. قال إن الاسلحة ليست موجودة . ثم يقول انه يعتقد ان بعضها ذهب الى سوريا. ثم يقول انه لايزال هناك كثير من الامور لم تحل. من حقه ان يقول رأيه. وهو رأي خبير". وحاول التركيز على ايجابيات اسقاط صدام على رغم ملاحظة مضيفه اكثر من مرة أن تلك الايجابيات لم تكن من مبررات الحرب. وقال: "تخلصنا من طاغية رهيب. عثرنا على الاف المقابر لاناس قتلهم نظام صدام... ومنذ الحرب، فتحت ليبيا وايران برامج الاسلحة لديهما للتفتيش الدولي".  

وفي فيينا، صرح اشكروفت بعد محادثات اجراها مع وزير الداخلية النمسوي ارنتس شتراسر:" أعتقد ان الجميع يتفهمون ان صدام حسين كان لا يزال يشكل خطرا" بعد حرب الخليج الاولى.  

وسئل عن استقالة ديفيد كاي، فلم يجب مباشرة وقال ان "أسلحة الدمار الشامل، الاسلحة الكيميائية والجرثومية المشؤومة، موضع قلق ليس بالنسبة الى الولايات المتحدة فحسب، بل الى الاسرة الدولية وقد صدر فيها قرار من الامم المتحدة"—(البوابة)—(مصادر متعددة)