دعا الرئيس اللبناني ميشال عون الخميس، الى تشكيل حكومة جديدة للبلاد من وزراء ذوي "كفاءة وخبرة" وليس وفق الولاءات السياسية، وذلك خلفا لحكومة سعد الحريري التي قدمت استقالتها تحت وطأة احتجاجات شعبية عارمة.
وقال عون في خطاب لمناسبة الذكرى الثالثة لانتخابة رئيسا للجمهورية ان "الاعتبار الوحيد المطلوب هذه المرة هو ان تلبي الحكومة طموحات اللبنانيين وتنال ثقتهم اولا ثم ثقة ممثليهم في البرلمان".
وتعهد في الخطاب الذي بثه التلفزيون بالتحول إلى دولة مدنية بعيدا عن النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية ووصف الطائفية بأنها "مرض مدمر".
وقال "يبقى إيماني بضرورة الانتقال من النظام الطائفي السائد إلى الدولة المدنية العصرية حيث الانتماء الأول هو للوطن وليس لزعماء الطوائف".
وأضاف ان على الحكومة التي سيجري اختيارها ان "تتمكن من تحقيق ما عجزت عنه الحكومة السابقة بأن تعيد للشعب اللبناني ثقته بدولته، ولذلك يجب ان يتم اختيار الوزراء وفق كفاءاتهم وخبراتهم وليس وفق الولاءات السياسية او استرضاء للزعامات".
وأثنى عون على أداء الحكومة المستقيلة وما بذلته من خطوات شاقة واقرار لمشاريع وخطط مهمة، لكنه قال ان "مشكلتها كما سابقاتها ان المقاربات فيها سياسية اكثر مما هي تقنية وتنفيذية، وشرط الاجماع الذي اعتمده البعض حال دون التوصل الى الكثير من القرارات الضرورية".
واستقال الحريري الثلاثاء على وقع موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات أشعل شرارتها الغضب المتصاعد من النخبة الحاكمة المتهمة بدفع البلاد نحو انهيار اقتصادي.
وحذر رئيس الجمهورية من ان "لبنان عند مفترق خطير خصوصاً من الناحية الاقتصادية، وهو بأمس الحاجة الى حكومة منسجمة قادرة على الانتاج، لا تعرقلها الصراعات السياسية، ومدعومة من شعبها".
ودعا الكتل النيابية الى تسهيل ولادة هذه الحكومة، محذراً القيادات والمسؤولين من "ان استغلال الشارع في مقابل آخر هو اخطر ما يمكن ان يهدد الوطن وسلمه الاهلي"،
واكد عون المضي في الحرب على الفساد "مهما كان الطريق شاقاً"، وكرر نداءه الى اللبنانيين بالضغط على النواب لاقرار قوانين تصب في هذا الاتجاه.
- "مضيعة للوقت"-
وقالت الكتلة البرلمانية لجماعة حزب الله اللبنانية الخميس إن استقالة الحريري مضيعة لمزيد من الوقت اللازم للإصلاحات التي تعتبر على نطاق واسع ضرورية لإخراج لبنان من الأزمة الاقتصادية.
ودعت فرنسا، التي تدعم الحريري، إلى سرعة تشكيل حكومة جديدة بمقدورها تنفيذ إصلاحات ملحة.
وقالت الكتلة النيابية لحزب الله في بيان بثه التلفزيون "هذه الاستقالة سوف تسهم في هدر الوقت المتاح لتنفيذ الاصلاحات". واتهمت كتلة الوفاء للمقاومة الولايات المتحدة بالتدخل في شؤونها الداخلية لنشر الفوضى.
وقالت الكتلة في البيان "تدعو الكتلة حاكمية المصرف المركزي إلى اتخاذ كل التدابير والإجراءات الآيلة إلى ضمان عدم تفلت الوضع النقدي في البلاد وخصوصا إبان هذه المرحلة الدقيقة والصعبة".
وقبل استقالة الحريري، أعلنت الحكومة سلسلة من الخطط الإصلاحية لكن دون خطوات ملموسة ولم تنجح في تهدئة المحتجين أو طمأنة المقرضين بما يكفي لحملهم على صرف مساعدات تبلغ 11 مليار دولار تقريبا لبنان في أمس الحاجة إليها كانوا قد تعهدوا بها في مؤتمر في باريس العام الماضي.
وانحسرت المظاهرات الحاشدة التي اندلعت قبل أسبوعين احتجاجا على النخبة الحاكمة بعد استقالة الحريري، لكن المتظاهرين الذين يطالبون بالمزيد من الاستقالات خرجوا إلى الشوارع مرة أخرى مساء يوم الأربعاء ويوم الخميس وطالب كثيرون منهم باستقالة مزيد من المسؤولين.
وفي بيان منفصل، ذكر تلفزيون المنار نقلا عن حزب الله أن الجماعة استهدفت طائرة مسيرة فوق جنوب لبنان "بالأسلحة المناسبة" مما أجبرها على مغادرة المجال الجوي يوم الخميس.
وقال الجيش الإسرائيلي إن صاروخا مضادا للطائرات أطلق من الأراضي اللبنانية يوم الخميس باتجاه إحدى طائراته المسيرة لكنه لم يصبها.
وتعهد حزب الله في أغسطس آب بإسقاط أي طائرات مسيرة إسرائيلية في المجال الجوي اللبناني بعد أن قامت ما يشتبه في أنها طائرة مسيرة إسرائيلية باستهداف منشأة تابعة للجماعة في ضاحية بيروت.
* أسبوعان من الاحتجاجات
قالت جمعية مصارف لبنان إن من المقرر أن تستأنف البنوك المغلقة منذ أسبوعين تقريبا عملها بشكل طبيعي وتبدأ في استقبال العملاء يوم الجمعة.
وارتفعت سندات لبنان الدولارية للمرة الأولى في عشر جلسات يوم الخميس مع نشر قوات الجيش وأفراد شرطة مكافحة الشغب لإعادة فتح طرق أغلقها محتجون واستعداد البنوك لاستئناف العمليات واستقبال العملاء يوم الجمعة.
وصعد إصدار استحقاق 2021 بمقدار 0.8 سنت، وهو أكبر ارتفاع في ستة أسابيع، إلى 68.5 سنت في الدولار، بينما ارتفعت سندات استحقاق 2037 بمقدار 0.6 سنت إلى 54.9 سنت في الدولار، حسبما أظهرت بيانات تريدويب.
وتعرضت السندات لضغوط بيع هائلة في الأيام القليلة الماضية بسبب الاحتجاجات المستمرة ضد الحكومة منذ أسبوعين والتي أدت إلى إغلاق البنوك وتأجيج مخاوف إزاء قدرة الحكومة على الوفاء بالتزامات الديون.
وطلب الرئيس اللبناني ميشال عون من الحكومة رسميا الاستمرار في تصريف الأعمال لحين تشكيل حكومة جديدة وفقا لنظام الحكم في لبنان.
وقال مسؤول بارز مطلع إن الحريري مستعد لتولي رئاسة الوزراء في حكومة لبنانية جديدة بشرط أن تضم خبراء قادرين على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة بسرعة لتجنب انهيار اقتصادي.
وفي محاولة لاستعادة مظاهر الحياة الطبيعية يوم الخميس أزال الجنود مكبات قمامة وسيارات وخياما كانت تغلق طريقا سريعا يربط العاصمة بشمال لبنان.
وقال سايمون نعمة المحتج على جسر الرينغ في بيروت "نحن قاعدين بالطريق صار لنا 14 / 15 يوم"، مضيفا أن السياسيين "مرتاحين كأن ما عندنا شي... وبعد استشارات أسبوعين عم يماطلوا فينا ليزهقونا ويقولوا لنا اطلعوا من الشارع".
وقالت قيادة الجيش اللبناني إن حق التظاهر السلمي مكفول بموجب القانون لكنها قالت إنه ينطبق على "الساحات العامة فقط". وأطلق الجنود الغاز المسيل للدموع بعد اشتباك مع محتجين كانوا يسدون طريق في منطقة عكار ليل الأربعاء.
ودعا وزير التعليم المدارس والجامعات لفتح أبوابها لكن شهودا من رويترز قالوا إن أغلب المدارس ظلت مغلقة يوم الخميس في العاصمة كما في أجزاء من شمال البلاد وجنوبه.