في المسألة القبرصية؟!

تاريخ النشر: 25 فبراير 2012 - 10:27 GMT
خارطة توضح معالم جزيرة قبرص في البحر الأبيض المتوسط
خارطة توضح معالم جزيرة قبرص في البحر الأبيض المتوسط

*كتب المحامي: محمد احمد الروسان

عندما تقول: تركيا بعيدة عن جزيرة قبرص بشطريها, كأنّك تقول: اسطنبول ليست من تركيا وفيها؟!بعبارة أخرى, قبرص هي أرض عثمانية – تركية بامتياز, كانت هناك تفاهمات سياسية وأمنية بين العثمانيين والبريطانيين, على جزيرة قبرص وقت الصراعات الدولية آنذاك, وعلى مشارف الحرب العالمية الأولى وتحديداً في عام 1914 م, أعلنت لندن تخليها عن التفاهمات السابقة وعن الاتفاقيات أيضاً مع الإمبراطورية العثمانية, ثم انقلب البريطانيون على العثمانيين واستعمروا الجزيرة وضموها إلى مستعمراتهم فيما وراء البحار, انتقاماً من العثمانيين الذين تحالفوا مع ألمانيا والإمبراطورية النمساوية - الهنغارية, ثم بدأ الصراع يدور على الجزيرة, بين الطرف الإنجليزي والطرف القبرصي \ الشعب القبرصي الواحد بأتراكه ويونانه, الذي طالب بتقرير مصيره على أرضه وممارسة سيادته.

 ولمّا كان الإنجليز يمتازون بخبثهم الاستعماري الدفين, عملوا وبخبث قلّ نظيره, على تحويل الصراع بينهم وبين الشعب القبرصي الواحد بيونانه وأتراكه, إلى صراع قبرصي – قبرصي داخلي وعلى شكل حرب أهلية, بين القبارصة الأتراك المسلمون السنّة, وبين القبارصة اليونانيين المسيحيين الأرثوذكس, وصار الإنجليز وعبر مخابراتهم يلعبون بذكاء – خبيث, على خطوط الصراع الداخلية على خط القبارصة اليونانيين – القبارصة الأتراك, وكذلك على خطوط الصراع الخارجية, بين اليونان الداعمة للقبارصة اليونانيين – وتركيا الداعمة للقبارصة الأتراك, وما زلوا الإنجليز يلعبون على ذلك, حتّى لحظة كتابة ونشر هذا التحليل السياسي, وهذا كله أدّى ويؤدي إلى نشوء صراع إقليمي تركي – يوناني, مع الإبقاء في أجواء هذا الصراع وميكانيزمات تفاعلاته, قد يتوسع ويقود إلى صراع أكبر من إقليمي وأقل من دولي, قد تشترك فيه " إسرائيل " محركةً له واليونان.

 ولحظة استقلال الجزيرة عن بريطانيا, وإبقاء قواعد عسكرية واستخبارية عليها لصالح لندن, حاول القبارصة اليونانيون على الجزيرة, ونسبتهم لا تتعدى 17 %بضمها إلى اليونان, فتدخلت تركيا عسكرياً عام 1974 م, وظهرت هناك قبرص التركية \ في الشمال وقبرص اليونانية في الجنوب, واعترفت تركيا وحدها بحكومة قبرص الشمالية, ويرفض العالم كلّه الاعتراف بها حتّى الآن, في حين أنّ العالم كلّه بما فيه العالم العربي والإسلامي, يعترف بجمهورية قبرص اليونانية ويقيم معها علاقات شاملة, كلوحة سريالية فريدة من نوعها, بالمعنى السياسي والدبلوماسي.

ولكي نفهم مفاعيل ومحركات المسألة القبرصية, لا بدّ من التنويه إلى أهمية جزيرة قبرص الإستراتيجية, بالمعنى العسكري والأستخباري والاقتصادي لجهة "إسرائيل", فهي تشكل بأهميتها بالنسبة للدولة العبرية, بمثابة أهمية بناء دولة يهودية نقية خالية من العرب, وبمثابة إنهاء الملف النووي الإيراني, كما تعد أهمية قبرص بالنسبة لها, بمثابة بناء هيكلهم المزعوم على أنقاض, المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.

"إسرائيل" وعبر أدواتها السياسية, والدبلوماسية, والمخابراتية, وتنسيقاتها مع المخابرات الأميركية, والمخابرات البريطانية, ومن تحالف معهما من مجاميع المخابرات الدولية والإقليمية, والمافيات الدولية الإجرامية الداخلة في حسابات, شبكات المخابرات الإسرائيلية الداخلية والخارجية, تسعى تل أبيب جاهدةً إلى استمرار, الأوضاع المضطربة في جزيرة قبرص, لجهة استثمارها وتوظيفها في إعاقة أو إبطاء الدور التركي, في المنطقة والعالم, وفي ابتزاز أنقرة والقبارصة بنسختيهم واليونان, وبشكل عام وخاص ابتزاز العلاقات التركية – اليونانية, لأدراك سياسي دبلوماسي عسكري أمني استراتيجي إسرائيلي, بمدى الأهمية التاريخية وروحية إستراتيجية موقع قبرص بالنسبة لتركيا, كجبهة عسكرية تركية متقدمة وعلى تماس مع "إسرائيل", ولكثرة الثروات الطبيعية فيها من نفط وغاز.

وفي المعلومات, تتحدث تقارير الاستخبارات العسكرية التركية, أنّه من لحظة ظهور التوترات, على خط العلاقات الشاملة بين تركيا وتل أبيب, قام القبارصة اليونانيين في تجديد, عقود الدفاع المشترك مع الدولة العبرية وإجراء المزيد, من التفاهمات العسكرية والأمنية المتقدمة, كذلك لجأت الشركات النفطية العالمية العملاقة, إلى تأكيد تفاهماتها الاقتصادية النفطية مع القبارصة اليونانيين, في موضوعة استخراجات النفط والغاز من جزيرة قبرص, وسواحلها الغنية بذلك, وفي المياه الإقليمية والدولية المحيطة بالجزيرة. وتتحدث المعلومات, أنّ "إسرائيل" تسعى حثيثاً إلى ممارسة الضغوط المختلفة على واشنطن, لاستمرارها في التدخلات السياسية والمخابراتية – الأستخبارية في المسألة القبرصية, وإعاقة أي حل أممي أو إقليمي لها, لجهة استثمارها في دعم وتعزيز النفوذ الأميركي, على كل من تركيا واليونان والجزيرة نفسها, لإفساح المجال للدولة العبرية, كي تستخدم المجال الجيوسياسي القبرصي, كنافذة مشرعةً تتسلل من خلالها لواذاً, لتنفيذ عملياتها المخابراتية السريّة والعسكرية, ضد كافة بلدان الشرق الأوسط وخاصةً البلدان العربية, وكذلك التدخلات في الساحة اللبنانية والفلسطينية والإيرانية والسورية, وعقد التفاهمات المخابراتية والعسكرية مع مافيات الأجرام الأممية, حيث تشكل الأخيرة أدوات متقدمة وفعّالة بيد جهاز الموساد الإسرائيلي, المتغلغل على ساحة جزيرة قبرص بشقيها القبرصي التركي – واليوناني القبرصي المغتصب.

وتقول المعلومات الأستخبارية الحديثة, أنّ محور واشنطن – تل أبيب يعمل على, تصعيد وتفعيل النزعة القومية اليونانية من جديد, حيث من شأن ذلك أن يقود إلى, تفاقمات الاحتقانات السياسية والأثينية الموجودة أصلاً, وخلق احتقانات أخرى لكي تأخذ, طابع ظهور منظمات إرهابية سريّة يونانية سابقة, لكي يتم استرجاع النسخ الإرهابية السابقة, مثل: منظمة "الوكا" اليونانية الإرهابية السريّة, حيث قامت الأخيرة في فترات سابقة, بعمليات التطهير العرقي الواسعة ضد القبارصة الأتراك, كي يؤدي ذلك إلى تأمين نقاء عرقي يوناني في الجزيرة.

ولا يختلف الحال بالنسبة لللأتحاد الأوروبي, وخاصةً الموقف الفرنسي فيه والهادف بمجمله, إلى تفعيل وتنشيط مفاعيل الأزمة القبرصية, كي يتم توظيفها واستثمارها وتوجيهها, في عرقلة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. لقد فشلت الأدوات الأممية في حل المسألة القبرصية, فشلاً ذريعاً ونوعياً, فمن الاتحاد الأوروبي, إلى الأمم المتحدة, مروراً بالولايات المتحدة الأميركية, وانتهاءً بمنطمات أممية وإقليمية أخرى, كون هذه الأدوات الدولية والإقليمية, مخترقة أصلاً من اللوبيات الأسرائلية الصهيونية ومافياتها, كما تعاملت هذه الأدوات الدولية والإقليمية, مع الأزمة القبرصية على أساس أنّها فقط, أزمة سياسية بسيطة صغيرة, بين القوى القبرصية السياسية المؤيدة لأنقرة, والقوى القبرصية السياسية المؤيدة لأثينا, وأنهّا أزمة مفاعيل دبلوماسية على خط أنقرة – أثينا, بحيث يستثمر كل طرف أدواته, السياسية, والأمنية المخابراتية, والشعبوية, وتوظيفها لصالحه في صراعه مع الطرف الآخر.

وتأسيساً على ذلك, لم تستطع هذه الأدوات الدولية الآنف ذكرها, ومعها الأدوات الإقليمية المساندة, الدفع باتجاه أفق الحل السياسي الدبلوماسي الاستراتيجي لهذه الأزمة, والسبب الجوهري والمؤثر في ذلك, هو الدور الإسرائيلي الصهيوني, والمساند من قبل الدور الإنجليزي والأميركي وغيرهما, مع الإشارة أيضاً إلى الدور الفرنسي, ومن تقاطع وتحالف معه من بعض دول الاتحاد الأوروبي, لجهة دفع الإتحاد الأوروبي مجتمعاً في استخدام, ملف الأزمة القبرصية وتداعياتها وتسخينها من جديد, لخلق ميكانيزمات جديدة, لمفاعيل فيتو مستمر على ملف انضمام تركيا إليه, مما شجّع أثينا وبمساعدة "إسرائيل" وأميركا, للعب دور اللوبي اليوناني – المتأسرل والتأمرك, داخل الإتحاد الأوروبي لتبني وطرح الحلول السياسية, والتي تتساوق وتتفق مع المنظور اليوناني, حيث الأخير مرفوض تركيّاً ويرفضه القبارصة الأتراك.

ناهيك عن استخدام المنظمة الدولية \ الأمم المتحدة, العاجزة عن فعل أي شيء, والتي لم تحقق أي نجاحات حقيقية في ملفات أممية أخرى, وأهمها وعلى رأسها القضية الفلسطينية, هذه الأمم المتحدة والتي تحوّلت بفعل فاعل, وتواطىء بعض أفراد البيت الأممي الواحد, تحوّلت إلى أداة استعمارية جديدة بثوب جميل بيد الولايات المتحدة الأميركية, هذه المنطمة الدولية ما زالت تصر على استخدامات, للأساليب البيروقراطية الفوقية التقليدية الضعيفة, غير الفاعلة والتي تقف عائق حقيقي لنجاحات هذه المنطمة الأممية, حيث أعادت الأخيرة أساليبها القديمة الجديدة والموصوفة بالتقليدية, وأسقطتها على قوام هيكلية الأزمة القبرصية, فحصلت الأمم المتحدة على صفر مكعب, في امتحان حل المسألة القبرصية, لا بل وفي جميع الأزمات الأخرى المنتشرة في العالم. والكيان العبري الطارئ على الجغرافيا والتاريخ في المنطقة, يعتبر أي تفاهمات وتوافقات وتطورات إستراتيجية, في المسألة القبرصية لصالح تركيا, هو تهديد استراتيجي لوجوده, لذلك من مصلحته استمرار الخلافات بين شطري الجزيرة.

*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية

www.roussanlegal.0pi.com

mohd_ahamd2003@yahoo.com

 

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن