قصة امبراطور من ليبيا مات قبل 1800 عام من مقتل القذافي

تاريخ النشر: 30 أكتوبر 2011 - 08:44 GMT
 هل رأى معمر القذافي في ذاته انه قيصر افريقي جديد ؟
هل رأى معمر القذافي في ذاته انه قيصر افريقي جديد ؟

نشرت صحيفة "انترناشونال هيرالد تربيون" قصة امبراطور روماني ولد في ليبيا التي كانت ذات يوم من اهم مقاطعات الامبراطورية الرومانية القديمة وذلك بعد تسعة ايام على مقتل االزعيم الليبي السابق العقيد معمر القذافي. وفي ما يأتي نص المقال: "في خضم طقوس بريطانية لم تحظ باهتمام واسع في حقيقة الامر، قام المسؤولون في مجلس بلدية مدينة يورك الانكليزية في 4 شباط ( فبراير) بالكشف عن تمثال نصفي لاحد اباطرة الرومان بهدف احياء ذكرى وفاته في مدينتهم قبل 1800 سنة بالضبط.

ويذكر ان الامبراطور سبتيموس سيفيروس، واصله من شمال افريقيا، حاول عبثا لثلاث سنوات ان يخضع المتمردين الكاليدونيين الى الشمال من حائط هادريان (بناه الرومان ما بين انكلترا واسكتلندا). لكنه في العام 211 استسلم في ما يبدو لمرض الالتهاب الرئوي وهو في الـ 64 من العمر، وكرس معظم الـ18 عاما الباقية من حكمه في توسيع امبراطوريته. وبينما كان على فراش الموت، اطلعوه على جرة سيحتفظ فيها برماد جثته بعد حرقها، وقيل انه قال موجهاً كلامه للجرة "ستضمين رجلا عجز العالم عن ان يتسع له".

وما يبدو تافها من الناحية التاريخية في مقاطعة "يوركشير" الانكليزية، يجد صدى في الوقت الحالي في ليبيا اليوم، موطنه. فقد ولد في مدينة "ليبتس ماغنا" (لبدة الكبرى) التي كانت ميناء رومانيا رئيسيا يبعد 81 ميلا الى الشرق من طرابلس. وكان معروفا بلقب "القيصر الافريقي" نسبة الى اصوله، ولكنته الاقليمية وبشرته الداكنة.

وخلال فترة حكمه (193 – 211 م) تطورت ليبتس ماغنا التي كانت في الاصل مستوطنة فينيقية واصبحت مدينة رئيسة مليئة باقواس النصر والمسارح الواسعة والكتابات العديدة ومدرج يتسع لـ50 ألف شخص.

ومن بين ابرز الاثار الرومانية، يعتبر الميناء القديم اليوم الشاهد الصامت على المجد الذي كانت عليه ليبيا ذات يوم. غير ان الحملات المتعاقبة من علماء الاثار الايطاليين والالمان والبريطانيين جردوا متحفا حقيقيا من التماثيل الكلاسيكية.

ولم يكن سيفيروس اول شمال افريقي يحكم الامبراطورية الرومانية فحسب، وانما كان حكمه ايضاً حكماً ناجحاً ظاهرياً. فقد فرض استقرارا يمكن التعايش معه في موطنه حتى عندما كان يشدد قبضة روما في اوروبا ويمدد الحدود في افريقيا والشرق الاوسط (اذ انه ضم بلاد ما بين النهرين أي العراق اليوم).

هل يمكن ان يكون معمر القذافي قد رأى في ذاته انه قيصر افريقي جديد؟ فمسقط رأسه كان مدينة سرت الساحلية، التي لا تبعد كثيرا عن لبدة، ولم يتوقف المسؤولون في حكومته عن السعي للحصول على موافقة منظمة "اليونيسكو" الدولية على تصنيف لبدة موقعا اثريا عالميا. وكانت الآثار تمثل موقعا مفضلا للحجاج الغربيين، وفي غالب الاحيان بتوجيه من ابناء القذافي. ورغم التقارير التي انتشرت في شباط (فبراير) بان القذافي كان يخادع باخفاء الصواريخ في لبدة الكبرى، وهو يدرك ان المواقع الاثرية العالمية تظل مستثناة من قوائم اهداف الـ"ناتو"، فان تلك المكيدة لم تتاكد.

وفي احد الجوانب، يبدو التشابه بين القذافي وسيفيروس مذهلا. ويقر المؤرخون الكلاسيكيون بان الامبراطور كان يدين بصعوده الى استمالته للقوات المسلحة الى جانبة خاصة الحرس الامبراطوري الروماني خلال الصراع القوى بين خمسة من الذين رشحوا انفسهم للرئاسة. وقيل ان اخر كلمات الامبراطور لولديه كانت "ادفعا المال للقوات. وتعاملا فيما بينكما، واهملا كل شخص اخر". (وقد حكم الاثنان بالمشاركة بعد وفاته، الى ان قتل احدهما الاخر).

وقد صدر رأي مخالف تماما للكاتب ادوارد غيبون في كتابه "انهيار الامبراطورية الرومانية وسقوطها". ويبدو ان غيبون تكهن بمجيء القذافي. فقد وصف سيفيروس على أنه مواطن من افريقيا تمكن من "أخفاء مطامحه الجريئة، ولم يتركها تنحرف". وفي رأي غيبون فان سيفيروس كان مشعوذا حقيقيا "ما كان يعد الا ليخون" و"لم يسلك طريق الاطراء الا ليدمر". ورغم انه ادعى انه ملتزم بالقسم والمعاهدات "فان ضميره، واطراءه لما فيه مصلحته، اعفاه من الالتزامات غير المناسبة له".

وما ان تم ترسيمه امبراطورا، حتى امر بقتل جميع المشتبه بانهم ينافسونه، ومن بينهم اثنان من اعضاء مجلس الشيوخ. وبصفته حاكما اعلى، فقد "اعتبر الامبراطورية الرومانية ملكا له"، واعطى السكان القمح الرخيص والهاهم بالالعاب المتواصلة، بينما اغدق العطاء على جنوده. وكتب غيبونز ان "روحه النهمة وغير المرنة لم تستطع ان تكتشف او تدرك فوائد المحافظة على قوة وسطى، مهما تكن خيالية، بين الامبراطور والجيش".

وكتب غيبون ان "الذين عاصروا سيفيروس واستمتعوا بالسلام والمجد خلال حكمه، صفحوا عن القسوة التي اوجدت تلك الامجاد. وقد اعتبرته الاجيال اللاحقة التي عانت من الاثار القاتلة لثوابته ومثله على انه الكاتب الرئيس الذي سطر انهيار الامبراطورية الرومانية". ومن المؤكد ان كتب التاريخ المدرسية في ليبيا القذافي لا تشير الى هذه الكلمات.