قدمت الجلسة الأولى للجنة مجلس النواب المختصة بالتحقيق في اقتحام مبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021 سردية مروّعة للأحداث الدموية في ذلك اليوم، والتطورات التي سبقته وعقبته، مدعومة بالشهادات المصورة لبعض أبرز المسؤولين في إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، وشهادات حية لعناصر من الشرطة المكلفة حماية الكونغرس، وعرض فيلم وثائقي للمرة الاولى تضمن مشاهد عنف مقززة، تضافرت جميعها لتكشف للأميركيين بشكل لا لبس فيه، أن ما جرى في ذلك اليوم لم يكن تظاهرة ارتجالية، بل "مثّل ذروة المحاولة الانقلابية" التي قادها الرئيس السابق ترامب ضد الدستور، كما قال رئيس اللجنة بيني تومبسون. نائبة رئيس اللجنة الجمهورية ليز تشيني قالت إن ترامب "أشرف على خطة من سبعة أجزاء لإلغاء نتائج الانتخابات". وفي الجلسات اللاحقة سوف يتم التطرق بالتفصيل لجميع أجزاء هذه الخطة الانقلابية، من خلال الشهادات الحية للشهود، أو مقتطفات من مئات الشهادات المصورة للذين لعبوا أدوارا هامة في ذلك اليوم أو ما سبقه من تحضير للاقتحام، أو ما لحقه من محاولات للتغطية على الحقائق.
وإذا كان أحد أهداف اللجنة، هو الكشف عن الأدلة الملموسة والدامغة بأن ترامب على الرغم من جميع ادعاءاته العلنية بأنه لم يخسر الانتخابات ،The Jan 6 committee accuses Tump وانه علم من كبار مساعديه في الحملة الانتخابية وفي البيت الابيض فور الإعلان عن النتائج انه خسر الانتخابات، وبالتالي فان ادعاءاته كانت تهدف لأن تكون أساسا سياسيا للمحاولة الانقلابية التي دعا اليها، لوقف التصديق على انتخاب جوزف بايدن الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة، فان اللجنة نجحت في مهمتها.
وخلال أقل من ساعتين، حفلت بالصور والوثائق والشهادات وشرائط العنف، شاهد عشرين مليون أميركي على شاشات تلفزيوناتهم وبوضوح دامغ هشاشة النظام الديموقراطي الذي اقترب في ذلك اليوم من الانهيار، بعد أن احتل مئات المتطرفين صرح الديموقراطية الأميركية، ليساهموا مع أكثرية الأعضاء الجمهوريين في المجلس في محاولة انقلابية عنيفة يقودها رئيس في البيت الابيض لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، لإلغاء نتائج انتخابات نزيهة فاز بها منافسه.
ما شاهده الأميركيون، كان سردا مفصلا ومثيرا وسريع الإيقاع لوقائع ذلك اليوم والدور المركزي للرئيس السابق ترامب في التحريض على الهجوم، والاستمتاع بمراقبة وقائعه الحية في البيت الأبيض. نائبة رئيس اللجنة، الجمهورية ليز تشيني نسبت إلى ترامب موافقته على مطالب المتطرفين الذين كانوا يرددون خلال اقتحامهم لمبنى الكابيتول "اشنقوا مايك بينس"، حين قال "لديهم الفكرة الصحيحة" للتخلص من نائبه. الجلسة وثقت بشكل واضح أن عناصر الميليشيات المؤيدة لترامب اجتمعوا في واشنطن لتنسيق الاقتحام، وأن هؤلاء بدأوا بزحفهم باتجاه الكابيتول، قبل أن يدعو ترامب في خطابه في ذلك اليوم مؤيديه لحصار الكابيتول، ما يبين أن الاقتحام لم يكن عملا عفويا أو تحركا ارتجاليا، بل نتيجة تنظيم مسبق ومتعمد.
الجلسة حفلت بلحظات وتعليقات صعقت الكثير من الأميركيين. بعض هذه اللحظات عكست المعاناة الشخصية لمن كانوا في خضم معركة اقتحام الكابيتول. شهادة الشرطية كارولاين أدواردز التي لا تزال تعالج الجراح التي أصيبت بها في ذلك اليوم، تحدثت بهدوء طيف كانت "تتزحلق في دماء المجروحين" من زملائها وهم يحاولون صد هجمات المتطرفين. كارولاين ادواردز، جلست تراقب بصمت ووجوم شريط الهجوم الذي تعرضت له على يد المتطرفين.
ولعل أهم ما جاء في الجلسة كانت "المرافعة" التي قدمتها النائبة ليز تشيني، التي نبذتها قيادة الحزب الجمهوري في المجلس بسبب انتقاداتها اللاذعة للرئيس السابق ترامب، والتي شملت عرضا مفصلا ودقيقا وموثقا تضمن شهادات من مسؤولين سابقين في إدارة ترامب في البيت الابيض ووزارة العدل، بما فيها شهادة مصورة من وزير العدل السابق بيل بار قال فيها للجنة إنه لم ير أي دليل يبين أنه تمت سرقة الانتخابات من ترامب، وان ادعاءات ترامب هي "هراء" واستخدم بار، الذي استقال من منصبه قبل أسابيع من نهاية ولاية ترامب، كلمة مبتذلة ليبلغ الرئيس السابق انه لا أساس لادعاءاته بشأن تزوير الانتخابات. وعقب ذلك شريطا مقتضبا لنجلة ترامب ايفانكا قالت فيه للجنة إن شهادة وليام بار "أثرّت على موقفي، فأنا احترم وزير العدل بار، ولذلك فأنا أقبل بما قاله".
ووجد دونالد ترامب نفسه في وضع لا يحسد عليه، حين اضطر إلى نقض ما قالته ابنته مدعيا انها "لم تشارك في دراسة نتائج الانتخابات" وإضافة إلى شهادة أيفانكا التي ناقضت ادعاءات والدها، كانت هناك شهادات مصورة لعدد من المساعدين المقربين لترامب في الحملة الانتخابية والبيت الأبيض الذين أبلغوا اللجنة أنهم قالوا لترامب بشكل لا لبس فيه أن الانتخابات لم تكن مزورة وانه خسرها.
ويمكن اعتبار مداخلة ليز تشيني، التي استمرت لأربعين دقيقة بمثابة لائحة اتهامات جنائية ضد الرئيس السابق يمكن لوزارة العدل أن تستخدمها إذا ارادت محاكمة ترامب بتهم التحريض على الفتنة، ومحاولة تقويض المؤسسات الدستورية والديموقراطية عبر محاولة انقلابية عنيفة. وكان من المناسب للجنة أن تختار نائبا جمهوريا، يتحلى بالخبرة القانونية (تشيني كانت تمارس المحاماة قبل انتخابها) وبالفصاحة والسمعة الشخصية الجيدة لتقديم الأدلة الدامغة بأن الرئيس السابق كان ولا يزال يشكل الخطر الأساسي الداخلي ضد الديموقراطية الأميركية.
وربما كانت الكلمات القوية واللاذعة التي وجهتها تشيني لزملائها الجمهوريين السابقين هي أبلغ ما جاء في مداخلتها، "سوف يأتي اليوم الذي يرحل فيه دونالد ترامب، ولكن عاركم سوف يبقى".
وسوف تسعى الجلسات التي ستعقد في الأيام والأسابيع المقبلة إلى إبراز دور ترامب في المحاولة الانقلابية، من خلال فضح ادعاءاته بأنه كان مقتنعا بالفعل بأن الانتخابات كانت مزورة وانه حرم منها، وللتأكيد بأنه كان منذ الكشف عن نتائج الانتخابات يخطط لإلغاء النتائج بمختلف الوسائل المتاحة بدءا بالضغوط السياسية ومحاولة ترهيب المسؤولين المحليين عن الانتخابات في الولايات المحورية، وانتهاء بالتحضير لاقتحام الكونغرس.
هشام ملحم - الحره