ليبيا، بعد ثلاثين عاما من حكم العقيد القذافي قضاها في معاداة النظام الرأسمالي السائد، انتهت اخيرا الى ادراك اهمية الانضمام الى الركب والمضي قدما مع "التيار السائد" عالميا، بحسب ما قال رئيس وزرائها شكري غانم.
يقول رئيس وزراء ليبيا في مقابلة مع وكالة "رويترز" للانباء ان قيادة بلاده توصلت الى استنتاج مفاده ان تحقيق التنمية الاقتصادية ربما يقتضي التغاضي عن قدر قليل من الظلم الاجتماعي.
في السنوات الاخيرة توجهت ليبيا التي كانت خلال الاعوام الثلاثين الماضية تتبنى نوعا من "الافكار الاقتصادية الاشتراكية" الى سياسية اقتصادية جديدة تقوم على الانفتاح فقامت بخصخصة شركات مملوكة للدولة والحد من القيود المفروضة على الاستثمارات الاجنبية.
ومنع القذافي الذي اعلن انه سيسعى لاقامة مجتمع كامل المواطنين الليبيين من توظيف ليبيين آخرين لديهم باعتبار ان ذلك يعد استغلالا.
ولا يزال شعار "شركاء وليس عبيدا اجراء" مرفوعا على لوحات اعلانات ولافتات الشركات في كافة انحاء ليبيا.
الا ان سياساته ادت الى حدوث حالة من الركود الاقتصادي ونقص في المعروض من العديد من السلع وتبديد استثمارات عوائد النفط في القطاع العام وبطالة شاملة بين الخريجين الليبيين.
واوضح غانم ان السياسات المتبعة ربما كانت جيدة من الناحية النظرية ولكن اداء القطاع العام لم يكن جيدا عند التطبيق.
واردف قائلا انه من الناحية النظرية ترى ليبيا انه اذا كان افراد الشعب عقلانيين فعندئذ يمكن للقطاع العام ان يفعل الكثير لدولة ما. واضاف انه لسوء الحظ فليس الجميع عقلانيين بدرجة كبيرة ولذلك فانه يتعين اللجوء للافراد وللحوافز الفردية.
واضاف انه عندما تتولى الحكومة مسؤولية كل شيء فان اداءها يكون اقل من المرضي بدرجة كبيرة وقال ان القطاع الخاص سيكون افضل لاقتصاد البلاد في الوقت الحالي ولذلك تسعى ليبيا كي تخصخص او توسع قاعدة الملكية الفردية.
ويسير التحول الى القطاع الخاص الذي يتضح بالفعل على نطاق ضيق في مئات المحال التجارية التي فتحت ابوابها في طرابلس بشكل متواز مع محاولات الحكومة الليبية استعادة العلاقات مع الولايات المتحدة والتي ينظر اليها كمصدر رئيسي محتمل للاستثمارات وخاصة في قطاع الصناعات النفطية.
كانت الحكومة الليبية قد اعلنت الشهر الماضي عن قراراها التخلي عن برامجها لامتلاك اسلحة دمار شامل ممهدة الطريق امام علاقة صداقة مع واشنطن.
وقال غانم ان الحكومة الليبية حددت 361 شركة لخصخصتها عن طريق تحويل ملكيتها للعاملين بها في حالة المؤسسات الصغيرة وبطرح اسهمها محليا بالنسبة للمؤسسات متوسطة الحجم وبطرح اسهمها على المستثمرين الاجانب في حالة المؤسسات الضخمة المملوكة للدولة.
ولا يزال برنامج الخصخصة في مرحلته التمهيدية ويقول دبلوماسيون في طرابلس ان من الصعب تنفيذه ما لم ترفع الحكومة المزيد من القيود المفروضة على هياكل الشركات.
وقال دبلوماسيون ان القذافي امتنع عن المضي في التغيير بسبب قلقه على "العدالة الاجتماعية" لكن غانم الذي تولى المسؤولية منذ ستة اشهر اقنعه بان التغيير ضروري.
وتابع غانم انه لسوء الحظ عندما يكون لدى المرء شركة خاصة وعندما تكون هناك منافسة حرة ستكون هناك نسبة ضئيلة او كبيرة من الاستغلال وشكل ما من الظلم واحيانا اذا ما شاء الفرد تنمية اقتصادية ربما كان عليه التضحية بدرجة ضئيلة من العدالة الاجتماعية.
واضاف "لكننا سنحاول ان نضمن على الاقل الحد الادنى من الدخل وعندما ينخفض عنه سوف نتدخل حتى ندعمه."
وذكر رئيس الوزراء الليبي انه يتوقع ان يتطور النظام السياسي الليبي الفريد بشكل متواز مع التغيير الاقتصادي ولكنه لم يقدم مؤشرات تدل على حدوث تغييرات وشيكة في المؤسسات الليبية القائمة.
ومن الناحية النظرية فان المواطنين الليبيين لديهم حرية المشاركة في عملية صنع القرار من خلال مؤتمرات الشعب الاساسية التي يمكن لكل المواطنين ان يعبروا خلالها عن ارائهم في السياسة العامة.
وخلال الممارسة على مدار سنوات فقد تم اقصاء المعارضين للنظام وتم اضطهادهم في بعض الاحيان. ويتمتع القذافي والدائرة الضيقة المحيطة به بسلطات تنفيذية هائلة.
وتعكس التغييرات الجديدة قرارا من جانب القادة الليبيين بتقليص طموحاتهم بلعب دور متميز على المسرح العالمي.
وقال غانم "ان تكون دولة متميزة سيحمل ذلك مشاكل معينة. وسيكون بوسعك ان تحتفظ بطابعك الخاص وبتفكيرك الخاص..ولكن سيتعين عليك ان تمضي مع التيار السائد".
وفد النواب الاميركيين
من ناحية اخرى، أعلن كورت ولدن (جمهوري) رئيس الوفد البرلماني الاميركي الذي زار ليبيا خلال توقف في تونس مساء أمس الاثنين ان النواب الاميركيين زاروا "بدون اي مشاكل" موقعا لإنتاج أسلحة الدمار الشامل في ليبيا.
وقال خلال مؤتمر صحافي عقده في السفارة الاميركية في تونس "لقد سمحوا لنا بزيارة موقع لانتاج اسلحة الدمار الشامل بدون مشاكل" ولكنه لم يذكر مع ذلك الموقع الذي زاره الوفد.
وتوقف الوفد البرلماني الاميركي المؤلف من سبعة نواب (خمسة جمهوريين وديموقراطيان) في تونس في ختام زيارة لليبيا استمرت 48 ساعة.
ووصف ولدن المحادثات التي اجراها الوفد في طرابلس بانها كانت "مثمرة" مؤكدا ان وفده يمثل "خطوة جديدة" باتجاه تطبيع العلاقات الاميركية الليبية بعد اعلان طرابلس عن رغبتها في التخلي عن برامجها لانتاج اسلحة دمار شامل.
وكان الوفد التقى الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي امس الاثنين في العاصمة الليبية لمدة ساعتين ونصف الساعة.
واوضح ولدن ان "القذافي كان منفتحا. تحدثنا عن اسلحة الدمار الشامل".
اما النائب الجمهوري ايلتون غاليغلي فقال ان "القذافي ادلى بتصريحات شجاعة. اريد ان اقتنع بها اكثر من التشكيك فيها".
واضاف مع ذلك "نحن متفائلون ولكن يجب ان نكون حذرين وان نرصد ما يجري حقيقة على الارض".
وبعد ان اشار النواب الى انهم ليسوا مكلفين "التفاوض"، اكدوا رغبتهم في ان يبحثوا مع الادارة الاميركية ومع الكونغرس افاق اتفاق يتيح رفع العوقابات المفروضة على ليبيا "سريعا"—(البوابة)—(مصادر متعددة)