يرجع قرار الجزائر بايواء أفراد من أسرة الزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي الى مخاوف قياداتها الدفينة من أن تحيي الثورة في جارتها ليبيا عنف الاسلاميين المتشددين الذي قضت سنوات في محاربته.
وجازفت الجزائر بتعرضها لعزلة دبلوماسية حين سمحت لزوجة القذافي واثنين من ابنائه وابنته بالفرار الى أراضيها لكن حكومتها أظهرت أنها لا تخشى السباحة ضد تيار الرأي العام الدولي حيث تتعرض مصالحها للخطر.
ووصف المجلس الوطني الانتقالي الذي يحكم ليبيا قرار الجزائر بأنه عمل عدواني وكانت هذه الواقعة الاحدث في علاقة تزداد توترا بين الجزائر وبين المعارضة التي أطاحت بالقذافي.
والجزائر هي الدولة الوحيدة على الساحل الشمالي لافريقيا التي لم تعترف بالمجلس الوطني وواجهت اتهامات لعدة اشهر بدعم القذافي في الصراع الاهلي لكنها نفت ذلك.
ويقوم هذا العداء في الاساس على شيء واحد فالجزائر لم تكن راضية عن حكم القذافي لكنها لا تثق في قدرة المجلس الوطني على السيطرة على تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي وهو جناح القاعدة في شمال افريقيا.
وقال فواز جرجس استاذ سياسات الشرق الاوسط بكلية لندن للاقتصاد لتلفزيون هيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) "الاسلاميون يمثلون مكونا مهما للمتمردين (الليبيين) لكن ليس الاسلاميين المتشددين."
وأضاف "الكثير من الجهاديين السابقين يقولون انهم تابوا ويؤمنون بالمجتمع المفتوح. لكن الواقع هو أن حتى الامريكيين والاوروبيين يساورهم القلق من وجود قطاع صغير من الاسلاميين بين المتمردين."
وقال عبد الحميد سي عفيف رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الجزائري والعضو البارز بالحزب الحاكم ان الجزائر تشترك مع ليبيا في حدود طولها الاف الكيلومترات لهذا فان عليها أن تتعامل مع هذه المسألة بحرص وأن تجعل من امن الجزائر اولويتها القصوى.
وربما قررت الدائرة المقربة للقذافي اللجوء الى الجزائر تحديدا بسبب العداء بين الحكومة الجزائرية وحكام ليبيا الجدد. فعلاقة الدول المجاورة الاخرى مثل تونس ومصر بالقوات المناهضة للقذافي اكثر ودا.
وقال جرجس لبي.بي.سي "هذه هي الوجهة الطبيعية للقذافي."
ونتيجة لتجربتها الخاصة تشعر الجزائر بالقلق من عنف الاسلاميين المتشددين. وأسفر صراع بين الحكومة والاسلاميين المتشددين بلغ ذروته في التسعينات عن مقتل ما يقدر بنحو 200 الف شخص.
وتراجع العنف في الاعوام القليلة الماضية من خلال توليفة من الاجراءات الامنية المشددة وبرنامج للمصالحة مع الاسلاميين الذين يوافقون على القاء السلاح.
ونقطة الضعف الامنية في الجزائر هي الصحراء الشاسعة والحدود غير المحكمة في جنوبها. وفي هذا الصدد اعتمدت بدرجة كبيرة على التعاون مع الجيران بما في ذلك ليبيا تحت قيادة القذافي.
وشهدت الاسابيع القليلة الماضية تصاعدا في الهجمات الانتحارية رفيعة المستوى بالجزائر. وفي الاسبوع الماضي قتل 18 شخصا حين استهدف مفجران ثكنة في غرب الجزائر. وأسفر هجوم بقنبلة على مقر للشرطة في يوليو تموز عن مقتل شخصين كما أدى هجوم على هدف اخر تابع للشرطة عن اصابة 29 شخصا هذا الشهر.
ويعتقد مسؤولو الامن الجزائريون أن هذا قد يكون نتيجة استغلال عناصر جناح القاعدة المحلي للفوضى في ليبيا لوضع أيديهم على اسلحة خاصة المتفجرات البلاستيكية.
ويقول خبراء أمنيون ان القذافي حصل على كميات من هذه المادة من تشيكوسلوفاكيا ابان الحرب الباردة وان الحصول عليها الان ربما يكون سهلا.
وقال مصدر حكومي جزائري لرويترز الاسبوع الماضي "نريد التأكد من أن حكام ليبيا الجدد منخرطون في القتال ضد القاعدة بمنطقتنا. هذا أساسي للعلاقات الجيدة."
وربما أغضبت الجزائر حكام ليبيا المؤقتين حين سمحت بدخول عائلة القذافي لكن هذا لا يخالف القانون الدولي او عقوبات الامم المتحدة.
وقال رئيس تحرير صحيفة لا نوفيل ريبوبليك الموالية للحكومة عبد الوهاب دجاكون ان الجزائر دولة ذات سيادة وتستقبل من تشاء.
وأضاف قائلا لرويترز ان من استقبلتهم ليست لهم صلة بالصراع وان الجزائر أبلغت الامين العام للامم المتحدة بان جي مون فضلا عن الليبيين أنفسهم.
وقال سعد جبار وهو محام جزائري مقيم في المملكة المتحدة وكان مستشارا لحكومة القذافي ان استقبال الجزائر للزعيم الليبي المخلوع نفسه سيكون مبررا اذا كان سيؤدي الى سرعة انهاء القتال في ليبيا.
وأضاف أنه اذا سمح للقذافي بالاستمرار حيث هو فان هذا يعني أن بوسعه مواصلة عمليات التخريب او عمليات العنف لتقويض الامن.
واستطرد قائلا انه لو كان في الجزائر فان بوسع الجزائريين السيطرة عليه ومنعه من ممارسة اي نشاط في الاراضي الليبية.
ولن تنشغل الجزائر كثيرا برد الفعل الدبلوماسي السلبي في الغرب لانها كانت في هذا الموقف من قبل.
لقد عاملتها الولايات المتحدة واوروبا بجفاء لسنوات بسبب صراعها مع الاسلاميين الى أن أصبح للغرب قضية مشتركة معها حين بدأ في مكافحة الاسلاميين المتشددين بعد هجمات 11 سبتمبر ايلول 2001 على مدن امريكية.
وقال العربي صديقي المحاضر المتخصص في سياسة الشرق الاوسط بجامعة اكستر في بريطانيا ان الجزائر لديها عقدة العالم الثالث التي تجعلها تتفرد من خلال سياستها الخارجية وتحدد مصالحها.
وتابع أن الجزائر قادرة على أن تفعل هذا لانها واحدة من أقل الدول اعتمادا على المساعدات الخارجية في المنطقة.
لكن موقف الجزائر من ليبيا ينطوي على مخاطرة.
ويفضل حكام الجزائر الا يعودوا الى العزلة الدولية التي عاشتها بلادهم في التسعينات والتي يعتبر رئيسها عبد العزيز بوتفليقة أن التخلص منها واحد من اكبر انجازاته.
كما أن هناك خطر من أن تشعل سياستها تجاه ليبيا الرأي العام في الداخل.
وانتقد عدد من الصحافة الجزائرية المشاكسة الحكومة لعدم تأييدها للحركة المناهضة للقذافي في ليبيا. وتابع المواطنون الجزائريون الصراع عن كثب ويساورهم شعور عام يسود العالم العربي وهو أن القذافي مستبد.
وقال جبار المحامي الجزائري انه اذا تم الاعلان عن وجود القذافي في الجزائر فربما تندلع اعمال شغب وربما يستغل الناس هذا كعذر للاحتجاج.
وقال جرجس من كلية لندن للاقتصاد انه يرى أن النظام الجزائري يرتكب خطأ فادحا ويسيء التقدير بشدة وتابع أن النظام نفسه ليس محصنا ضد الزخم الثوري في العالم العربي.
ويرى محللون اخرون أن هذا ينطوي على نوع من المبالغة. وبعد أعمال العنف التي مروا بها في التسعينات فان قلة من الجزائريين الان لديهم استعداد للقيام بانتفاضة خاصة بهم على غرار انتفاضات "الربيع العربي".
والنتيجة الارجح هي أن بوتفليقة الذي كان في معظم مشواره دبلوماسيا مخضرما سيجد مخرجا ربما بارسال عائلة القذافي الى المنفى في دولة ثالثة او تسليمها الى ليبيا.
وقال ديفيد هارتويل المحلل المتخصص في شؤون الشرق الاوسط وشمال افريقيا بمؤسسة (اي.اتش.اس) جين "أعتقد أنه سيتخذ قرارا يرى أنه لن يؤثر سلبا على الوضع الاستراتيجي للجزائر على المدى الطويل."