ترك يوسف جراد منزله المريح ووظيفته كرئيس للخدمة الصومالية في هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) في لندن ليرشح نفسه لرئاسة الصومال عندما تبنت البلاد خطة لتغيير الصورة التي شاعت عنها في شتى أنحاء العالم باعتبارها دولة فاشلة.
هو واحد بين عدد محدود من الوجوه الجديدة التي عادت لمحاولة قيادة البلاد وإخراجها من الفوضى والعنف الذي تغرق به منذ 20 عاما على أيدي الميليشيات المسلحة والمتشددين الإسلاميين والقراصنة الطامعين.
قال جراد لرويترز من منزله بالعاصمة مقديشو "راقبت من بعيد لفترة طويلة جدا.. لا أفعل شيئا سوى تغطية الأخبار والتظاهر بأنه ليس بيدي القيام بشيء."
ومنذ اندلاع حرب أهلية في 1991 لم يكن في البلاد حكومة مركزية تسيطر على أغلب أجزاء الصومال لكن هناك الآن فرصة لطي هذه الصفحة من خلال خارطة طريق مدعومة من الأمم المتحدة وبرعاية إقليمية.
وفي إطار تلك العملية كان من المفترض اختيار رئيس جديد للبرلمان ورئيس جديد للبلاد قبل 20 أغسطس آب.
وعلى الرغم من حث الجهات المانحة المستمر مرت المهلة دون تحقق شئ لكن دبلوماسيين غربيين يأملون أن يكون هذا التأخير مجرد أسابيع محدودة. والقضية الأكبر هي ما إذا كان بوسع الحكومة الجديدة أن تكون مختلفة عن سلسلة من الإدارات المؤقتة غير الفعالة في السنوات القليلة الماضية.
ورشح جراد ومنافسون من الوافدين الجدد أنفسهم للرئاسة في مواجهة ساسة من الحرس القديم. ويتنافس كل كبار زعماء الحكومة الاتحادية الانتقالية الحالية على منصب الرئاسة.
لذلك فأنه على الرغم أن نهاية الإدارة المؤقتة توصف بأنها فجر جديد في السياسة الصومالية فإن هناك مخاوف من أن تجيء الحكومة الجديدة مماثلة للحكومات السابقة بالمشكلات الأمنية ذاتها وكذلك الفساد والسياسة العشائرية التي تسبب الانقسام.
وقال كن منكهاوس وهو خبير بشؤون الصومال واستاذ العلوم السياسية في كلية ديفيدسون "إذا نجحت القيادة الحالية للحكومة الانتقالية المؤقتة في التلاعب في النتيجة فإن نهاية الفترة الانتقالية ستمثل فارقا بدون اختلاف."
وبحلول اليوم الاثنين من المتوقع انعقاد برلمان جديد تقلص عدد أعضائه لكن لم يتم تعيينهم كلهم. فقد تم اختيار 220 من بين 275 هم أعضاء البرلمان حتى الآن.
وقال إي.جيه هوجندورن مدير مشروع القرن الافريقي في المجموعة الدولية لعلاج الأزمات لرويترز "أعتقد أن الاحتمال القائم هو أن البرلمان الجديد سيعكس الشخصيات ذاتها تقريبا وأن الكثير من التحديات التي واجهتها الحكومة الانتقالية المؤقتة... ستستمر في ملاحقة الحكومة الجديدة."
ويقول كثيرون إن الإدارة الحالية لم تحقق مكاسب أمنية دائمة أو خدمات أساسية أو تحسن من مستوى المعيشة لكن الرئيس شيخ شريف أحمد وهو زعيم سابق للمتمردين ويتولى السلطة منذ عام 2009 وكذلك رئيس الوزراء ورئيس البرلمان جميعهم يتنافسون على الرئاسة.
كما يواجهون مزاعم فساد متفش ورد ذكره في تقرير مجموعة مراقبة الصومال التابعة للأمم المتحدة في يوليو تموز والذي أظهر أن سبعة دولارات من كل عشرة دولارات تلقتها الحكومة الانتقالية من عام 2009 الى عام 2010 لم تدخل خزائن الدولة.
وفي مقابلة مع رويترز رفض الرئيس الصومالي المزاعم التي وردت في التقرير وقال إنها "مختلقة" و"كاذبة".
وفي مقديشو التي ما زالت تحمل آثار الحرب وضعت لافتات عليها صور المرشحين المحتملين على أعمدة الإنارة والجدران والسيارات ويشعر كثير من المواطنين بالقلق من أن يستأثر الزعماء الحاليون على عملية الإصلاح للاحتفاظ بالسلطة.
وقالت فرتون وهي شابة منتقبة عمرها 21 عاما تتسوق في سوق حمروين المفتوحة حيث يتسابق الرجال والنساء لشراء الهدايا بمناسبة عيد الفطر "هذه الحكومة الحالية مروعة. لم يعطوا الناس حقوقهم."
وأضافت "لا نريد عودته (الرئيس أحمد) لأنه لا يقدم المساعدة.. إنه يأخذ فقط كل المال ولا يترك شيئا لشعبه." كانت تقف قرب لافتة كبيرة تظهر الخيار الذي يواجه الصومال. في اللافتة نصف إنسان يحمل حمامة تحيط به الفاكهة في حين أن النصف الآخر هيكل عظمي تحيط به القنابل ومظاهر الدمار.
يقول نيك بيرنباك رئيس المعلومات العامة في المكتب السياسي للصومال التابع للأمم المتحدة إن انعقاد البرلمان بأغلبية الأعضاء خطوة مهمة للأمام بالنسبة للبلاد مضيفا "لكن... ما زال هناك الكثير من العمل الشاق المطلوب في الأيام القادمة."
ويسهل ان ينتابك شعور بالتشاؤم ازاء الصومال.
فقد اتهمت الأمم المتحدة التي تدعم صراحة عملية التحول من وصفتهم بأنهم "مفسدون" بمحاولة إفساد العملية.
ولم يتهم اوجوستين ماهيجا ممثل الأمم المتحدة الخاص لشؤون الصومال أحدا بعينه بشكل مباشر باللجواء الى الترويع والرشى لكنه يقول إن البعض في هذه العملية "له مصلحة دفينة في الإبقاء على الوضع الراهن".
ويرشح زعماء القبائل من التركيبة العشائرية المركبة في الصومال أعضاء البرلمان ويجب ألا يكون لهم تاريخ في العنف وان يكونوا حصلوا على التعليم الثانوي على الأقل وأن يكون ثلثهم من النساء.
وتنظر لجنة في مدى صلاحية الأعضاء وتضم هذه اللجنة أعضاء اختارهم أكبر ثلاثة زعماء في الصومال منهم الرئيس.
ووردت أنباء عن أن بعض الأعضاء في اللجنة تلقوا تهديدات فيما يتعلق بعملهم.
ومن بين المرشحين للرئاسة عبد الرحيم عبد الشكور الذي كان ممثلا للصومال في جامعةالدول العربية ويقول إن العملية الانتخابية برمتها تنطوي على عيوب.
وقال "إنها عملية الحكام فيها واللاعبون واحد. لا فائدة من مشاهدة المباراة... الصومال في مفترق طرق... سيحدد الرئيس الجديد ما إذا كان الصومال سيمضي للأمام أم للخلف."
لكن هناك بعض الأسباب التي تدعو للأمل.
إذ تحاول مقديشو التي كانت يوما مرادفا للفوضى والعنف أن تبعد عن نفسها صورة المدينة التي تمزقها الحروب.
وحتى العام الماضي كان مقاتلون من حركة الشباب المتشددة يحفرون أنفاقا في العاصمة واستغلوا منازل مهجورة كمخابئ لمحاربة القوات الافريقية والصومالية التي تحرس الجبهات التي أصبحت تحدد شكل المدينة الساحلية.
وانسحبت حركة الشباب في أغسطس آب واضطرت لإعادة تنظيم صفوفها في مناطق أخرى ويرجع ذلك أساسا إلى استمرار الضغط من قوات بعثة الاتحاد الافريقي المدعومة من الأمم المتحدة.
وبعد مضي 12 شهرا أصبحت مقديشو تنبض بالحيوية وتجلى ذلك في تجديد المنازل التي كانت مليئة بالثقوب من الأعيرة النارية وفي ازدحام الأسواق.
وعلى الرغم من أن الأزقة ما زالت مليئة بالحفر فإن الطرق الرئيسية مرصوفة وعلى جانبيها المتاجر المزينة بالرسوم الملونة. وإلى جانب السيارات القديمة أصبحت سيارات الدفع الرباعي تتسابق في الشوارع.
ويمكن أن يتناول نزلاء الفنادق وجبات طازجة من الاستاكوزا التي يجري اصطيادها من المحيط الهندي لكن عليهم أولا اجتياز نقاط التفتيش والتفتيش الذاتي.
ويعتقد مسؤولون بالأمم المتحدة وفي الجهات المانحة إن استمرار الدعم الدولي سيدفع الصومال في الطريق الصحيح بعيدا عن صراع السلطة بين العشائر والفوضى السياسية التي أتاحت ظهور متشددين إسلاميين.
وقال مصدر دبلوماسي مقيم في نيروبي لرويترز "ستكون هناك فترة بعد المرحلة الانتقالية.. إذا اعتبرت ذات مصداقية.. سيتجدد خلالها الاهتمام الدولي بالصومال."
لكن المصدر حذر قائلا "إذا اعتبر ان هذه المؤسسات الجديدة تخوض عملية تنطوي على عيوب كثيرة سيجعل هذا الوضع أكثر صعوبة بكثير."
ومن الممكن أن يؤدي هذا إلى تجدد اشتعال الخصومة العشائرية التي ربما تستغلها حركة الشباب كوسيلة للحشد لدعوتها لتجديد المعركة في مواجهة قوات بعثة الاتحاد الافريقي والقوات الحكومية التي ما زالت تعاني نقصا في المعدات وتدنيا في الرواتب.
وفي حين أن بعثة الاتحاد الافريقي أحرزت تقدما كبيرا خارج مقديشو كما أن القوات الكينية والاثيوبية ما زالت تخرج المتمردين من أجزاء من جنوب ووسط الصومال فإن الحكومة المركزية ليس لها سلطة تذكر خارج العاصمة.
ويقول هوجندورن إن المشكلة هي أن المكاسب التي تحققها قوات الاتحاد الافريقي وحلفاؤها أوجدت مناطق بها فراغ سياسي لا تشغله أو تديره بشكل فعال الحكومة المركزية بل الميليشيات المتحالفة.
ويقول محمد عبد الله محمود وهو رئيس سابق للوزراء يحظى بشعبية معروف باسم فارماجو وهو الآن يرشح نفسه للرئاسة إنه ما زال يأمل أن يختار البرلمان الجديد قيادات.
وقال "هناك تعريف للجنون يقول إنه القيام بالأمر ذاته مرارا وتكرارا مع توقع نتيجة مختلفة. إنهم بحاجة لقيادة التغيير الذي تحتاجه البلاد."