- رواية "مملكة الفراشة" آخر أعمالي وأناقش فيها الحب في العالم الإفتراضي
- تحديت الإرهاب ب "سيدة المقام" وضحيت بمنصب وزير لأجل الحب
- "ألف ليلة وليلة" أول كتاب سرقته في الطفولة .. ومازلت أحتفظ به
- هناك وجوه تغادر الذاكرة لأننا نكتشف أنها كانت كذبة كبيرة
- مريم.. لم يعرف قلبي "المهبول" سواها
- لست ضد "المؤسسة الزوجية" لكنها تحتاج لوعي كاف
عمان – البوابة – وسام نصرالله
حذر الروائي الجزائري واسيني الأعرج من مخططات تسهدف إعادة تقسيم العالم العربي على أسس مذهبية وطائفية، مشيرا إلى الدور المشبوه الذي يقوم به الفيلسوف الصهيوني الفرنسي برنار هنري ليفي.
ويرى الأعرج الذي يشغل منصب أستاذ كرسي في جامعتي الجزائر المركزية والسوربون في باريس، أن وعي الشعب الجزائري والتجربة الصعبة التي عاشها خلال فترة الإرهاب في التسعينييات، أفشلت مخططات إدخال الجزائر في دوامة العنف.
ويستعد الروائي الجزائري الذي وضع على قائمة الإغتيالات من قبل الإرهابيين خلال فترة التسعينييات، لإصدار عمله الروائي الجديد "مملكة الفراشة" خلال الشهرين المقبلين، والذي يقول بأن فكرته تناقش العزلة التي عاشها المجتمع الجزائري بعد الحرب الأهلية، وكيف أن العزلة من الممكن أن تؤدي لعزلة أقسى وأفظع.
الأعرج إنطلق من المحلية إلى فضاءات العالمية ليعطي لتجربته تنوعا ثريا في الأداء السردي، مع وعي حاد بالزمن وحركة الإنسان في التاريخ، له العديد من الأعمال الروائية المميزة منها: "أصابع لوليتا"، "جملكية أرابيا"، "البيت الأندلسي"، "طوق الياسمين".
والأعرج حاصل على الجائزة التقديرية من رئيس الجمهورية الجزائرية في العام 2001، وعلى جائزة الرواية الجزائرية عن مجمل أعماله الروائية، كما حصلت روايته "كتاب الأمير" على جائزة المكتبيين في العام 2006، وعلى جائزة الشيخ زايد بن سلطان العام 2007، وحصل سنة 2008 على جائزة الكتاب الذهبي في معرض الكتاب الدولي، عن روايته "سوناتا لأشباح القدس". كما ترجمت أعماله إلى العديد من اللغات الأجنبية.
إلتقينا الأديب العالمي الأعرج خلال زيارته للعاصمة عمان، وكان لنا معه الحوار التالي:
"جمهور شبابي"
* لوحظ خلال الندوة التي عقدتها في رابطة الكتاب الأردنيين العدد الكبير للجمهور، والذي طغت عليه فئة الشباب وتحديدا العنصر الأنثوي، ماتفسيرك لذلك ؟
- لقد سررت بالكم الهائل من الحضور، وأفترض أن العدد كان كبيرا جدا، هذا الحضور الذي يرد على تساؤلات البعض بأن العرب لايقرأون، ويقودنا لسؤال مهم هو، متى العرب يقرأون؟، بإعتقادي أن الإجابة تكمن بمدى ملامسة مايكتب لحاجاتنا وهمومنا اليومية.
ويعود الحضور الطاغي لفئة الشباب خلال الأمسية لعدة أمور منها اللغة السهلة والبسيطة التي أكتب فيها أعمالي الروائية بعيدا عن تعقيدات اللغة، وكذلك ملامسة تلك الأعمال لهموم الشباب وقضاياهم والإشكاليات التي يعانون منها في عصرنا الراهن.
وبالنسبة للحضور الانثوي الذي كان له الحصة الأكبر بين الحضور يعود للأفكار التي أطرحها في أعمالي الروائية عن المرأة وهمومها وحقها بالحياة والحب، وماتعانيه داخل المجتمع من طريقة تفكير ذكورية تقصيها عن كثير من التفاصيل وتضع عليها القيود.
ولاشك أن الحياة التي عشتها بمرحلة الطفولة، خاصة وأني كبرت في مجتمع نسوي، بسبب غياب معظم الرجال عن منازلهم إما للعمل في فرنسا أو لمقاومة الإستعمار، مما دفع ذلك معظم النساء لتولي مهام الرجال في العمل وتولي شؤون الحياة عدا عن تربية الأولاد، تلك الظروف التي خلقت في داخلي حالة من التعاطف الكبير مع المرأة.
"شرارة البداية"
*ماهي شرارة البداية التي أودت بك إلى عالم الإبداع، ومادور جدتك في ذلك ؟
- إن البيئة التي نشأت بها في عائلة فقيرة تسكن قرية حدودية مع المغرب تقع على حافة جبل وتطل على البحر، وظلم الإستعمار الفرنسي في تلك الحقبة ومايحمله كل ذلك من تناقضات في القسوة والجمال، ولد لدي رغبة إستثنائية لقول شيء ما، وكان ذلك الشيء ينتظر الوسيلة.
والوسيلة لذلك كانت جدتي التي حببتني باللغة العربية، وتصر عن سبق إصرار على ضرورة تعلم لغة جدٍ أندلسيٍ عاش في غرناطة وامتلك فيها مكتبة ضخمة.
تلك الجدة التي كانت حكاءة ومرتبطة بتاريخ أندلسي، فكانت حكاياتها نسيجا متداخلا بين الأسطورة والحقيقة، وكنت في أغلب الليالي أنام على صدرها وهي تقول لي الحكايات، مما ولد ذلك لدي رغبة في أن أكون حكاء.
"صدمة المدينة"
* تقول بأنك عشت طفولة قاسية ومتوحشة، حدثنا عن تلك المرحلة من حياتك ؟
- حينما تجاوزت العاشرة توجهت إلى مدينة تلمسان لإكمال دراستي، مما ولد ذلك في داخلي صدمة من عالم المدينة المعقد والمركب بطريقة مختلفة تماما بكل تفاصيله عن مجتمع القرية الصغير البسيط، فكنت ارى كل شيء بالمدينة كبيرا كالشوارع والمباني، وماساعدني على تجاوز حالة الخوف تلك أني كنت اصبوا لذلك العالم لأتقدم بتحصيلي العلمي وأتمكن من مساعدة أسرتي على الحياة.
وفترة التكوين الأولى بالمدينة جعلتني أنتسب ثقافيا لجهة معينة، ولكن رهاني الحقيقي كان على المجتمع، لان الأدب لايغير مجتمع ولكن يثير أحاسيس الناس.
وخلال فترة دراستي الجامعية للأدب العربي وهي فترة التمركز الثقافي والفكري، بدأت الحكايات الشعبية تتحول لدي لشيء ممنهج ومفكر فيه، وأخذت بنشر القصص القصيرة في كل من الجزائر وسوريا، كما كان إنخراطي وقتها بالحركات الطلابية اليسارية التي كانت منتشرة بالجزائر خلال فترة الستينييات، مع العلم أنه لم يكن واردا بذهني قدرة الأحزاب على تغيير الأنظمة ولكن على الأقل أن توقف الظلم.
* لماذا فضلت السفر لدمشق لإكمال دراستك، بدلا من أي مكان آخر عرض عليك ؟
- رغم تنوع الخيارات التي كانت متاحة لإكمال دراستي في أكثر من مكان ومنها فرنسا، فضلت السفر لدمشق لتقوية لغتي العربية أكثر، وفي تلك العاصمة إسترجعت علاقتي بالعربية، تلك اللغة التي تفيض بالحب وتعبر عن أدق أحاسيسنا وتفاصيلنا الإنسانية في الكتابة، وكان سفري في منتصف السبعينييات وبدلا من المكوث بها 3 سنوات إمتدت الإقامة فيها لعشر سنوات تحصلت خلالها على الماجستير برسالة بحث حملت عنوان "اتجاهات الرواية العربية في الجزائر" ثم ناقشت رسالة دكتوراة دولة تحت عنوان "نظرية البطل في الرواية".
"تفكيك العالم العربي"
* كيف تنظر للأحداث الجارية في سورية وبقية البلدان العربية التي شهدت أحداثا دامية ؟
- أنا حزين جدا لما يحدث في سوريا وقبلها ماحدث في العراق، ومع أني لا أؤمن بنظرية المؤامرة لكن من الواضح أن مايحدث في عالمنا العربي من ثورات وإقتتال داخلي وتدخلات خارجية منظم بشكل واضح، وبطريقة مريبة تدفعنا للتساؤل والتعمق أكثر بحيثيات مايجري.
وباعتقادي أن مايجري في سورية ليس ثورة شعبية خالصة، لأن تدمير بلد على هذا النحو أمر غير طبيعي، وربما هذا يعيدنا إلى بدايات القرن الماضي عندما قسمت البلاد العربية بين الدول الإستعمارية، لكن الأخطر من تلك التقسيمات هو مايحدث حاليا من تفكيك المفكك وتجزئة المجزأ على أسس عرقية ومذهبية وطائفية ودينية، فنلاحظ كيف تشكلت ثلاث كتل رئيسية في العراق من شيعة وأكراد وسنة متضادة فيما بينها، وفي سوريا يتم تدبير مخطط مشابه لتدمير الكيان السوري وتجزئته إلى طوائف ومذاهب متناحرة فيما بينها.
ولاشك أن تداعيات كل مايحدث سينعكس بشكل أكيد على كل الدول العربية.
وفي هذا السياق يبرز الفيلسوف اليهودي الفرنسي المتصهين برنار هنري ليفي، الذي يقوم بدور مشابه لما قام به في مطلع القرن الماضي مايسمى لورنس العرب ودوره في إتفاقية سايكس بيكو التي أدت لتجزئة بلاد الشام.
وأكثر ما يثير الدهشة مايقوله ليفي عن الثورة الليبية في مقدمة كتابه "الحرب دون أن تحبها": "تكون لدي إحساس وأنا أرى الثورة الليبية تنتصر وكأن أحد أجدادي قد انتصر"، وكأن هناك شيئا من ليفي أعاد لجده الكرامة التي افتقدها، ومن هنا نتساءل، كيف لنا أن نثق بشخصية صهيونية تفكر بتلك الطريقة؟! .
*كثير من المراقبين توقعوا دخول الجزائر دوامة الإحتجاجات والعنف، كيف استطعتم تجاوز ذلك ؟
- هناك عدة عوامل لعبت دورا في عدم تطور الإحتجاجات التي شهدتها الجزائر، أبرزها كان الوعي المجتمعي بعدم العودة لفترة التسعينييات والأحداث الرهيبة التي أودت بحياة مايقارب ال 200 ألف جزائري، كذلك إستجابة السلطات لمطالب الحراكات الشعبية بتخفيض الأسعار وإجراء إنتخابات نيابية أدت نتيجتها لإخفاق الإسلاميين.
ولكن الجزائر مازالت مهددة لإدخالها بدائرة الصراعات في المنطقة، تحديدا المناطق الحدودية الجنوبية والجنوبية الشرقية مع مالي وليبيا، والتي تشهد بشكل مستمر محاولات لتسلل إرهابيين وتهريب السلاح ، إضافة إلى تواجد قبائل الطوارق في تلك المناطق التي تقع على بحيرة نفطية ضخمة.
"ألف ليلة وليلة"
* أول سرقة بحياتك إن جاز لنا التعبير كانت كتاب في فترة طفولتك، حدثنا عنها ؟
- هي ليست سرقة بالمعنى الصريح للكلمة، ولكني عندما كنت أتعلم العربية في مسجد القرية بفترة الطفولة وكان عمري وقتها بين 6 إلى 7 سنوات، وكان في المسجد مجموعة من نسخ القرآن الكريم التي تتفاوت بين الجديد والقديم، وفي أحد الأيام أخذت كتابا موضوعا على الرف وكان قديما أكثر من غيره ومهمل إلى حد ما، فأدهشتني اللغة بهذا الكتاب وسلاستها.
وقررت أن آخذ هذا الكتاب معي إلى المنزل لأستمر بقراءته، وهذا ماحصل، مع العلم أنه كان ممنوعا علينا إخراج اي كتاب من المسجد، وبعد مرور الوقت اكتشفت أن الكتاب ليس نسخة من القرآن الكريم، وإنما كان عبارة عن نسخة من كتاب ألف ليلة وليلة بجزئه الأول طبعة بولاق القديمة.
ومن درجة حبي لهذا الكتاب وإنشدادي لجمالياته مازلت أحتفظ به بعد مرور أكثر من خمسة عقود على تلك الحادثة، حتى في اللحظات التي تعرضت فيها للمطاردة ومحاولة الإغتيال خلال فترة الإرهاب التي ضربت الجزائر بفترة التسعينييات لم يفارقني الكتاب وكنت حريصا على بقائه معي أينما ذهبت وتنقلت.
"قهر الموت"
* وضعت في فترة التسعينييات على قائمة الإغتيال من قبل المتطرفين في الجزائر، كيف انعكس ذلك على حياتك ؟
- لاشك أن تلك الفترة كانت صعبة للغاية وتطلبت إرادة عالية لمواجهة التهديدات بالقتل من قبل الإرهابيين، تلك التهديدات التي دفعتني لغيير نمط حياتي بشكل تام، حيث أضطررت لمغادرة المنزل وترك زوجتي وأولادي والتنقل من مكان لآخر مقيما بين الأصدقاء والفنادق، بحثا عن ملاذ آمن في ظل موجة الملاحقة والإغتيالات التي طالت الكتاب والمبدعين وقتها.
وفي خضم كل ذلك حولت معظم أوقاتي لحالة كتابة، لمحاربة العدمية ومواجهة الموت اليومي، فأصدرت أول عمل روائي يتناول مرحلة الإرهاب في الجزائر وكان إسمه "سيدة المقام" عام 1995، حاولت من خلاله الإنتصار للحياة على حساب الموت والدمار.
وتعرضت "سيدة المقام" وقتها لهجوم من قبل بعض النقاد تحت إطار أنه كيف أكتب نصا بطلته راقصة باليه، في ظل الموت اليومي الذي تعيشه الجزائر بسبب الإرهاب، لكن ردي عليهم كان بأني أنتصر لإرادة الحياة كإستمرارية لقيمة الحب في ذاتنا رغم كل ذلك الخراب.
* أنفهم من كلامك أنك كنت تريد قهر الموت ولو رمزيا من خلال الكتابة ؟
- في الحقيقة نعم، الكتابة هي الوسيلة الرمزية لقهر الموت، خاصة عندما نعطي صوتنا الانساني لأصوات أخرى، فعلى سبيل المثال لا الحصر، في أعمالي الروائية "حارسة الظلال" و"مرايا الضرير" و"سيدة المقام" و"ذاكرة الماء" أعطي الاصوات للذين قتلوا كنوع من الإستمرارية للحياة، أضف إلى ذلك أن الكاتب يستمر معنويا من خلال نصوصه.
ورغم أن الهجمات الإرهابية حصدت الكثير من الكتاب والمفكرين والمبدعين إلا أن أعمالهم بقيت شاهدا على إبداعهم، إضافة إلى فشل الإرهابيين في تدمير المنتج الثقافي.
"وجوه لاتنطفىء"
* ماتلك الوجوه التي لاتنطفىء من ذاكرتك ؟
- هناك وجوه غيرت مسارات الإنسانية وتركت بصمتها الواضحة في لحظة من اللحظات، سواء على الصعيد العام أو الشخصي، فمثلا الأمير عبد القادر الجزائري ناضل وقاوم الإستعمار الفرنسي، لكن المتتبع لسيرته سيرى أنه كانت لديه رغبة بالحياة أيضا.
وهناك شخصيات أسطورية غير واقعية من مثل "شهرزاد"، التي ترمز للإستمرارية في الحياة مهما قست الظروف.
وعلى الصعيد الذاتي والشخصي يبقى وجه أمي حاضرا مشتعلا في ذاكرتي، تلك المرأة التي فقدت زوجها مبكرا ورفضت كل مغريات الحياة وناضلت لتعيلنا في صغرنا، ووجه جدتي لاينطفىء من الذاكرة بكل حنانها وقصصها الأسطورية، تلك الوجوه التي نتمنى أن تستمر لأنها مرجعيتنا في الحياة.
بالمقبال هناك وجوه تذهب مع الزمن وتغادر الذاكرة لأننا نكتشف أنها كانت كذبة كبيرة لا أكثر، فشخصية شهريار مثلا بالرغم من مكانتها بالتاريخ لكنها تضعف ككيان يحكم بسلطان القمع والسيف والديكتاتورية.
* وماذا عن النساء والمدن في حياتك ؟
- النساء مسألة حيوية في حياتنا ولايمكن تجاهلها أو إغفالها، لذلك العلاقة مع الأنثى يجب أن تؤخذ بسياق إنساني.
أنا ولدت في مجتمع نسائي بحت الخلية الأساسية فيه الجدة والام والاخوات وبنات العائلة، ويعود السبب بذلك إلى أن والدي كان يعمل بفرنسا ومن ثم إلتحق بالثورة الجزائرية واستشهد تحت التعذيب عام 1959، فتولت والدتي مسؤولية العمل وإعالتنا بدلا من والدي الشهيد، بينما أخذت جدتي على عاتقها مسؤولية تربيتنا في المنزل.
ومن خلال تلك النشأة التي عرفتني بكل أسرار وخبايا هذا المجتمع الأنثوي، تولدت لدي رابطة عاطفية تجاه المرأة.
لذلك خطابي تجاه المرأة يأتي من تكويني الذاتي، فأنتصر لحقها ولتعبيراتها الحرة، كما أنها تتمثل بالقدرة على الاستمرار ورؤية وجهة النظر الاخرى.
وبالنسبة للأسفار، فهي مهمة لأنها تسمح لي بالتغيير ورؤية ظروف مختلف المجتمعات والتباينات والفروقات بينها، ولاشك أنها تتيح لي مقارنة الوضع العربي الراهن عن قرب أكثر، وربما من الأشياء الجميلة التي لاحظتها بأسفاري تلك العاطفة الجميلة والجياشة التي تجمع العرب في كل مكان، فلم أشعر بالغربة أبدا في البلدان التي زرتها، وبالتأكيد المسألة ليست فقط مسألة كيان لغوي يجمعنا ولكن هناك كيان عاطفي هائل، بالمقارنة مع المجتمعات الغربية التي لاتمتلك نفس درجة العواطف والأحاسيس.
"ثمن الحب"
* بماذا تفسر لنا رؤيتك الرافضة للمؤسسة الزوجية في معظم أعمالك، كما في روايات "طوق الياسمين" و"أنثى السراب" و"أصابع لوليتا" ؟
- من حق الناس رفض أي فكرة في أعمالي، ولكني بكل الاحوال لا أدعو لتفكك المؤسسة الزوجية لأني متزوج من أستاذة جامعية ولي منها ولدان، وما أردت إيصاله هو أنه كيف تتحول الحياة الزوجية لأداة قمعية، من حيث كونها مؤسسة تملكية من وجهة نظر البعض.
وهذه مؤسسة حارقة صعبة إذا لم يكن هناك وعي كاف بها، لأنها ستتحول في ظل غياب هذا الوعي إلى قوة طاغية، ولكني أردت أن أوصل رسالة تتعلق بالنظرة الإجتماعية للمرأة ومقدار الظلم والقهر الذي تتعرض له بسبب قصور النظرة تجاهها.
ونحن نعلم أن نظرة المجتمع للمرأة المطلقة في عالمنا العربي تصبح مركز إهتمام جنسي، ووضعها الاعتباري صعب وكأن المراة المطلقة فقدت حياتها وأنوثتها، وبالتأكيد هذا يؤدي لخوف المرأة من الطلاق، فبالتالي تستكين المرأة للقهر وعدم قدرتها على الافتراق عن الرجل، بسبب كل تلك الظروف.
البطلتان في "طوق الياسمين" و"أنثى السراب" كانتا تحتاجان لصديق تحكيان له همومهما وأشجانهما، في ظل علاقة صعبة وشائكة مع زوجيها، لذلك تنشأ علاقات موازية في بعض أعمالي تتعلق بالحياة وعدم الاستسلام للعلاقة الإجتماعية المفروضة قهرا.
* كيف تنظر للحب كقيمة عليا في حياتك ؟
- الحب، أكبر قيمة انسانية، فهو يؤنسننا ويعطي لحياتنا قيمة عالية ، لذلك ماقيمة الحياة بدون حب، وأنا شخصيا من الممكن أن اضحي باشياء كثيرة مقابل عدم فقدان الحب وضياعه من حياتي، وبالتأكيد لهذا الحب ثمن ، ولكن السؤال هو كيف سندفع الثمن للحفاظ عليه ؟!.
*ماهو الثمن الذي دفعته لتحافظ على هذا الحب ؟
- أدفع ثمن إختياري للحب في اللحظة التي يحتم علي هذا الإختيار التنازل عن اشياء كثيرة، في عام 1993 رفضت تولي حقيبة وزارة الثقافة في الجزائر، وأذكر أنه في اليوم التالي للقائي رئيس الحكومة آنذاك، والحديث الذي دار بيننا حول موضوع الوزارة، سافرت إلى تونس لحضور أحد الملتقيات، وأغلقت هواتفي هربا من أي ضغوط أو إحراجات قد تمارس علي.
وطبعا الرفض لم يكن هنا كرها بالمنصب، فربما هناك من هو أفضل مني بكثير لتولي ذلك، ولكني شعرت أن هذا المنصب سيكون على حساب حريتي الشخصية وحبي للكتابة باعتبارهما مركزيتين في عوالمي الداخلية.
وأقول في هذا السياق أيضا، أنه في اللحظة التي تصطدم فيها حريتي مع حبي أبحث عن مخرج، لأنه يجب أن يكون هناك إحترام لهذه الحرية والزاوية الذاتية.
"مخطط الرواية"
*هل تضع مخططا واضح المعالم لأعمالك الروائية قبل الكتابة ؟
- في البدايات يكون هناك مخطط أولي للرواية، وفي أي نص روائي هناك نظام ظاهر وآخر مخفي، وعند بدء الكتابة تنشأ عملية توالد للأحداث والحيوات والإشكاليات المختلفة.
وكتابة العمل الروائي تمر عندي بثلاث مراحل، بعد كتابة المرحلة الأولى أترك النص المنجز لمدة اسبوعين إلى ثلاثة أسابيع دون قراءة، وفي المرحلة الثانية أعود للنص لأعيد قراءته وتدقيقه بشكل كامل وملأ المساحات التي تركتها وفسح المجال لتوالد أفكار أخرى، كما أنه بين الحين والآخر أقوم بطرح الأسئلة في محاولة للبحث عن حلول وإجابات لها.
وبعد مايقارب الشهر من إنتهاء المرحلة الثانية أعود للنص الروائي مرة أخرى بعد أن تكون قد اختمرت بذهني الكثير من الأشياء وأدخل بالمرحلة الثالثة والنهائية للعمل والتي تتسم بالقراءة الهادئة، تلك المرحلة التي قد تستمر من شهرين إلى ثلاثة أشهر، أقوم خلالها بإعادة ترتيب وربط الفصول وتمتين النص السردي من حيث اللغة والفكرة.
وعادة عندما اعلن بوسائل الإعلام عن نيتي إصدار أي عمل روائي أكون في المرحلة الثالثة والنهائية من العمل.
قلبي "المهبول"
* في روايتك "طوق الياسمين" تقول "أنا لا أعرف سوى الكتابة عن إمرأة لم يعرف قلبي المهبول سواها"، من هي تلك المرأة التي لم يعرف قلبك "المهبول" سواها ؟
- إنها مريم.. تلك الفتاة الجميلة صغيرة السن والتي تركتها في القرية قبل أن أكمل سن العاشرة، والتي كان يتسابق الأولاد لرؤيتها قرب "الساقية" وهي تشارك نساء القرية في غسيل الحبوب والملابس، حيث كان شعرها جميلا وتداعبه برقة عالية مع أنوثة عذبة.
وبعد إستشهاد والد مريم خلال الثورة ضد الإستعمار الفرنسي تزوجت من إبن عمها، الذي ظلمها كثيرا ودمر حياتها، فبقيت مريم عالقة في ذهني وذاكرتي كشيء جميل ولكن حزين بنفس الوقت للظلم الذي تعرضت له بعد الزواج.
وللمفارقة أن والدتي سمعتني بأحد الحوارات التلفزيوينة وأنا أتحدث عن مريم، فقالت لي عندما إلتقيتها فيما بعد، "إن مريم تسكن بمكان ليست بعيد عنا، وأنك إذا رغبت زيارتها لك ذلك"، طبعا أنا رفضت ذلك العرض من والدتي وفضلت أن تبقى تلك الصورة الجميلة الطفولية التي رسمتها بذهني لمريم كلحظة أسطورية لزمن ما.
"مملكة الفراشة"
*إنتهيت مؤخرا من إنجاز عملك الروائي "مملكة الفراشة"، مافكرة هذا العمل ومتى سيكون إصداره ؟
- "مملكة الفراشة" رواية تدور أحداثها حول العالم الإفتراضي من خلال قصة حب تدور رحاها بين فتاة جزائرية تعيش العزلة داخل بيتها ومجتمعها، وفنان جزائري يقيم في إسبانيا، حيث تخلق الفتاة عالما موازيا لعالمها الواقعي بعيدا عن عزلة البيت والمجتمع.
وهذا الشكل الظاهري للرواية بينما الشكل العميق لها يناقش قضية العزلة، خاصة بعد إنتهاء الحرب الأهلية في الجزائر وماتركته تلك الحرب من تداعيات إجتماعية ونفسية على الجميع، من حيث الشعور الدائم بالعزلة والخوف وتفكك العلاقات الإجتماعية.
والعمل ليس موجها ضد الفيس بوك ولكنه يكشف كيف نواجه العزلة أحيانا بعزلة أفظع، ومن هنا تأتي أهمية التنبه لكيفية التعامل مع الفيس بوك.
والرواية ستنشر في شهر حزيران المقبل في مجلة دبي الثقافية، كما أنها ستصدر بعد شهرين عن دار الادب في بيروت وستكون حاضرة بالتأكيد في معرض الجزائر الدولي للكتاب.