بسام العنتري
تساءل مقال لاحد المبشرين بصيحة اعلامية مستحدثة يطلق عليها "صحافة الحلول": ماذا علينا أن نفعل نحن الصحافيون عندما يتعب جمهورنا من التقارير التقليدية؟
يقول المقال، الذي يغمز من قناة الصحافة "التقليدية"، ويقدمها ضمنا كأنما هي وصمة او سُبة، أن هذا النمط الجديد يقتضي ان يذهب الصحافيون "للبحث عن حلول موجودة حول العالم" لمشكلات الناس.
أقول لعزيزنا كاتب المقال ولمن يشاطرونه الرأي أن الحلول التي يمكن ان نقدمها للجمهور ربما تبدو ناجحة في المدى القريب أو المنظور، ولكن هل هي كذلك في المدى البعيد؟
الامر أشبه بالعلاجات التي لا يسمح بطرحها في الاسواق الا بعد اختبار تاثيراتها على مدىات بعيدة تمتد سنوات. وحتى مع وجود هذه الاختبارات، فان بعض العلاجات اثبت لاحقا اشتماله على مخاطر مدمرة وبعضها قاتل، وجرى سحبه من الاسواق.
علما أن بعض من طرحوا تلك العلاجات -وحتى الخبراء المحايدون- كانوا احيانا مدركين لتأثيراتها الضارة، لكنهم تغافلوا عنها في غمرة حماستهم ورغبتهم في العثور على علاح، اي علاج، للامراض التي ظلت مستعصية ردحا طويلا من الزمن.
والمؤلم هو أن الضحايا، وهم في العادة مرضى يائسون حالهم كالغريق الذي يتعلق بقشة، اقبلوا باطمئنان على تلك العلاجات، فزادتهم ألما على ألم.
الحال هنا هي ان صحافة الحلول تقدم طروحا آنية أو معاصرة لمشكلات بعينها، ولكنها حلول لا تكون دائما مضمونة النتائج على المدى البعيد، فقد تحمل الايام معها ما يثبت فشل ما نعتقده اليوم ناجحا وبلا تأثيرات جانبية مهمة.
الصحافة التقليدية (وهي نقيض اعلام الخبط عشواء) فقدت الكثير من جمهورها، وهذه حقيقة، لكن استعادة بريقها لا يكون باجتراح أنماط كتابة تكون أشبه بتغيير ديكور واجهة المتجر عبر عرض البطيخ مع فساتين الزفاف والشيبس، على افتراض ان ذلك يمثل صيحة جديدة في عالم التجارة، وسيتكفل بإبعاد شبح الكساد وجذب الزبائن. المسألة ليست "على أونا على دوي".
والخلاصة هي ان مهمتنا كصحافيين -وهي ليست سهلة أبدا- تقتصر في العمل بحرفية وأمانة على ضمان حق الناس في معرفة الحقائق، وكما هي، ومن ثم ترك الخيار لهم في كيفية التعامل معها، ودونما ادنى محاولة لتوجيههم.
إياكم معشر الصحافيين ومحاولة توجيه جمهوركم، او ما تبقى منه، الى ما تظنونه الصواب، فربما تثبت الايام انه الخطأ بعينه، أو على الأقل أن هناك حلولا افضل منه وأكثر نجاعة، لكنها غابت عنكم.
البحث عن الحلول واقتراحها هو مهمة الخبراء والمفكرين، ويمكن ببساطة عرضها ضمن مقالات رأي يتحملون هم مسؤوليتها سواء كانت خاطئة ام مصيبة.
أما الصحافيون، فعليهم عدم التعاطي مع هذه الجزئية الا في حدودها المتناسبة مع تقاريرهم، على أن لا يجعلوها مهمتهم او نمطا اعلاميا قد يتسبب بخسارتهم ما تبقى من جمهور نشهد اليوم موسم هجرته الى "الثرثرة ميديا" في ظل نكوص وسائل الاعلام عن دورها المتمثل في تقديم المعلومات والحقائق، وانشغالها بدلا من ذلك بالجري وراء صيحات لا تسمن ولا تغني من جوع.