من المعروف عن الهند أنها تحمل توصيف «أكبر ديمقراطية في العالم»، من حيث عدد السكان، ولكنها تمثل أحد أكثر بلدان العالم تنوّعاً من حيث المجموعات البشرية التي تقطنها، ما يتفق حوله الباحثون عموماً هو أن الهند قد ولجت بقوّة عصر الحداثة وشرعت بتنفيذ خطط تنمية تضعها في عداد «القوى الصاعدة» إلى جانب العملاق الآسيوي الآخر، الصين.
يناقش أستاذ علم الاجتماع في جامعة نيو دلهي سوريندر جودكا في كتابه الأخير الصادر عن جامعة أكسفورد، والذي شارك فيه العديد من الباحثين المسائل المتعلّقة بـ«الديمقراطية والهوية والمواطنة» في الهند تحت عنوان «أسئلة حول الحداثة الهندية».
يشير جودكا في تقديمه للعمل أنه يرمي من خلال مساهماته تكريم الباحث الهندي الشهير في مجال علم الاجتماع ديبانكار غوبتا للمساهمات التي قدّمها عامّة في مختلف ميادين الدراسات الاجتماعية، السوسيولوجية، ذلك قبل التعرّض لدراسة المسائل المتعلّقة بالمجموعات الاجتماعية ذات الانتماءات القومية والإثنية والعقائدية المختلفة.
ما يتم شرحه في مساهمات هذا الكتاب هو أن المجتمع الهندي عرف خلال العقود الأربعة الأخيرة تحولات عميقة على مستوى بناه الأساسية.
وكذلك فيما يتعلّق بالهوية والانتماء الإثني والمسار الديمقراطي الذي تبنّته الهند كمنظومة سياسية والتطورات الكبرى التي عرفتها البلدان على الصعيد الاقتصادي والعمراني. والإشارة أن الباحثين الاجتماعيين الهنود قدّموا الكثير من المساهمات في هذا الميدان. وفي هذا الإطار بالتحديد تتم الإشارة إلى أهمية المساهمات التي قدّمها ديبانكار غوبتا.
وما يتم التأكيد عليه في البحث التمهيدي لهذا الكتاب هو أن غوبتا قدّم التأريخ، الأكثر شمولاً واكتمالاً للدراسات الخاصة بشرح التركيبة المعقّدة التي يقوم على أساسها المجتمع الهندي. وكذلك دراسة الردود التي أبداها الهنود على الأزمات التي عاشوها في ظل الاستعمار البريطاني المديد.
ويشرح سوريندس جودكا في القسم الأكبر من مساهمته في هذا العمل أن الهند المعاصرة تعرف محاولات جديّة من أجل ولوج عصر الحداثة.
ذلك في مختلف المجالات المتعلّقة بالسياسة والاقتصاد والمجتمع. والتأكيد في جميع الحالات التي يتم التعرّض لها أن النتائج جاءت «متباينة» وفي أحيان كثيرة متناقضة. مع إعادة الأسباب الأساسية لمثل هذا التناقض إلى «مرجعيات الأصول الإثنية والعقائدية». يضاف إلى ذلك تباين درجة الانخراط في المشروع الحداثي للبلاد.
التركيز في تحليلات هذا العمل تنصبّ على تحليل بنية المجتمع الهندي ودراسة الصعوبات التي تطرحها مسائل ذات طبيعة ثقافية، والقول إنه وراء «التوافق العام الظاهر»، الذي تبدو عليه صورة الهند من الخارج اليوم فإن هناك العديد من أشكال الخلل في بنيتها الاجتماعية.
والإشارة أن مصدر ذلك الخلل هو أن التقدّم الحالي الكبير الذي تحققه الهند على صعيد الاقتصاد يترافق مع أشكال تهميش اجتماعي يمكن أن تكون مهددة للاستقرار.
والتركيز على القول إن مسيرة التقدم والتنمية المستدامة لا تقوم على امتلاك السيارة وغيرها من الآلات الحديثة التي تسهّل سبل العيش وحسب، ولكن أيضاً وأساساً، على إقامة «علاقات اجتماعية» قاعدتها الانتماء الوطني الجامع والمساواة في المواطنة.
تجدر الإشارة أيضاً أن عدداً من مساهمات الكتاب تقوم على دراسات ذات طابع ميداني تخص بعض التجارب والحالات المحددة، وتناقش الأخرى مجال المفاهيم النظرية التي تنمّ عنها مسيرة التحولات الاجتماعية المعاصرة التي تعرفها الهند انطلاقاً من بدايات النهوض الاقتصادي في سنوات الثمانينات المنصرمة والتي كانت قد جعلت من«البلاد الأكثر فقراً في العالم»، حسب التوصيف الذي ساد لفترة طويلة للهند، أحد «القوى الصاعدة»، التي تحقق معدل نمو سنوياً مرتفعاً بالقياس إلى الديمقراطيات التقليدية الغربية.
ومن خلال هذه المحاور الثلاثة يتم أيضاً البحث في آليات عمل «الديمقراطية الهندية»، وفي تطوّر المنظومة الاجتماعية الهنديّة برمّتها.
مع تحديد القول إن الحداثة حسب المفهوم الغربي السائد، جذبت إليها قسماً كبيراً من القيادات السياسية الوطنية عند استقلال الهند عن التاج البريطاني عام 1947، كما جذبت بالتوازي مع ذلك أغلبية شرائح الطبقات الوسطى الصاعدة، مما خلق «دينامية جديدة» كان لها نتائجها الحقيقية على الصعيد المجتمعي الهندي.
إن الهند المعاصرة تعيش حالة نزاع حقيقي على الصعيد الاجتماعي بين من يريدون تعزيز الانتماءات التقليدية للمجموعات البشرية التي يتكوّن منها المجتمع الهندي وبين دعاة الانتماء الوطني الجامع تحت عنوان الحداثة العريض.
المؤلف في سطور
يعمل سوريندر جودكا أستاذاً في مدرسة العلوم الاجتماعية التابعة لجامعة نيودلهي، العاصمة الهندية، منذ عام 2006، وكان قد عمل أستاذاً في قسم علم الاجتماع بجامعة مدينة حيدر آباد، من مؤلفاته «مجتمع القرية: الثقافة والحياة اليومية في الأرياف الهندية» و«المجموعات الاجتماعية والهوية: الخطابات المعاصرة حول الثقافة والسياسات في الهند».