من المعروف أن التغيير لا يأتي بدون تكاليف، لذلك فإن التغيرات الاجتماعية السريعة التي أصابت المجتمع الأمريكي خلال العقود القليلة الماضية التي رأى البعض أنها أحدثت الكثير من الازدهار الشامل والثقافة الديناميكية، كما أن هذه التغيرات صاحبها أيضا تآكل وتدمير للمجتمعات الأمريكية. ومن هنا، يعرض الكاتب السياسي الأمريكي يوفال ليفين في كتابه "الجمهورية المكسورة" حياة الأمريكيين وحالتهم النفسية، حيث إنهم دائما ما يشعرون بالإحباط والقلق في الوقت الحالي، بسبب الاقتصاد الذي يسير ببطء شديد، مما يجعلهم في حالة عدم الإحساس بالأمان في وظائفهم، ويترتب عليه عدم المساواة في الدخل، هذا بالإضافة إلى تزايد الانقسامات الثقافية وارتفاع حالات الاستقطاب السياسي في المجتمع الأمريكي مما يصيب المؤسسات الحكومية بالشلل.
وأكد الكاتب الأمريكي، أن السياسة الأمريكية فشلت في مواجهة هذه التحديات، وإذن ليس بعجب أن الأمريكيين والسياسيين الذي يمثلون الأغلبية الساحقة يحنون ويشتقون إلى التيار اليسار الاقتصادي لعام 1965. واستعرض الكتاب أن تيار الفكر اليساري مشكلته أنه ينظر إلى الوراء وبالتحديد منتصف القرن العشرين عندما كانت النقابات قوية، حيث إنها أعدت برامج عامة كبيرة في حل المشاكل الاجتماعية الملحة، هذا بالإضافة إلى مناقشة حركات الاندماج العرقي والمساواة بين الجنسين.
وتوقف الكاتب عند الشعور بالحنين لعصر الرئيس ريجان، عندما ساهم في تحفيز رفع القيود وتخفيض الضرائب الاقتصادية، واستعادة النشاط الأمريكي الثقافي التقليدي، لذلك تفكر كل التيارات السياسية بالعودة إلى العصر الذهبي لكى تحل مشاكل أمريكا. كما يرى الكاتب أنه في ما بعد الحرب العالمية الثانية، تمتعت الولايات المتحدة بالتماسك النسبي الثقافي، والمساواة الاقتصادية، والثقة العالية في المؤسسات الوطنية، والتفاؤل على نطاق واسع بشأن مستقبل البلاد "خاصة إذا كنت من البيض والذكور"، لذلك كانت هناك نقطة محورية فريدة من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة، وفى النصف الأول من القرن العشرين، ويؤكد "ليفين" أنه كان هناك عصر توحيد مع الاقتصاد الصناعي منقطع النظير، وحكومة مركزية قوية وهوية ثقافية موحدة نسبيا، أما في النصف الثاني من القرن العشرين أصبح الاقتصاد الأمريكي أكثر تنوعا، في حين أن الحياة الثقافية أصبحت تصب لخدمة مصالح فردية وسياسات تعبر عن الهوية الشخصية.
ويدعى الكاتب أن السياسيين دعوا إلى اتباع السياسة التحديثية، كما أنه يشير إلى الطبقات الوسطى من المجتمع الأمريكي، وأيضا إلقاء الضوء على المجتمعات المحلية لمختلف المدارس والكنائس والجمعيات الخيرية والجمعيات والحكومات والأسواق المحلية. وأكد "ليفين" أن التغيير ليس بحل وحيد لمشاكل عصرنا، لكن الإجابات متعددة ومميزة، حيث يتخللها العديد من التحديات التي تواجه المجتمع الأمريكي والتي ستعمل على إحياء أمريكا من جديد.