رواية "خاوية" من آخر ما كتبه الروائي والشاعر الدكتور أيمن العتوم، صدرَت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2016، وتقع في 385 صفحة.
يربط الكاتب في هذه الرواية بين قصتين بحبكة منسوجة، بين خواء المدينة إثر الحرب، وخواء قلبين بعد أن ازدهر حبهما حين اختارها رفيقة لدربه لكن ظرفًا يؤثر على حياتهما ويجعل كل واحد منهما يمشي في درب وهما معًا!
ومن حيث الموضوع فإن هذه الرواية تعرض لمشكلتين قديمتين حديثتين، ألا وهما مرض التوحد وضحايا أطفال الحروب.
(القسم الأول)
في بدايةِ الراوية كانت شخصيةُ جلال الشاب الذي درسَ الطب مسيطرةً على الأحداث، وخصوصًا عند تعرفه على زوجتِه سلوى بِحُكمِ عمله في الطب المدرسيّ، إنّ جلال انعكاسٌ لصورةِ الإنسان الذي يجمعُ بين العلم، والإيمان وهذا ما يظهرُ واضحًا في سياق الأحداث، أما شخصية زوجته سلوى فهي متقلبةٌ، ولم تعجبني كثيرًا قد تُبررُ بعضٌ من مواقفها، ولكني شخصيًا لا تعجبني المرأة التي تتعاملُ مع كل شيءٍ بنوعٍ من الغضب، وتجعل الصراخ، والانفعال سلاحها في مواجهةِ الأحداث من حولها، هذا النوع من النساء برأيي أنه مملٌّ جدًا؛ لأن غضبها غالبًا يكون غير مدروسٍ، ولا يعتمدُ على أي أسباب منطقيّة.
الجميلُ في القسمِ الأول الرحلة التي يأخذنا فيها جلال في العديدِ من المناطق الأردنيّة الجميلة، سواءً المُدن، أو المعالم الأثرية فكأن القارئ يشاركُ في رحلةٍ رائعةٍ في الأردن.
نتعرفُ في الروايةِ على عالَم التوحد بكافةِ تفاصيله، وعلى حياةِ الطفل الذي يعاني منه، والذي يعيشُ في عالمٍ مُختلفٍ عن عالمنا، ولكنه يشعرُ ويفكرُ مثلنا، وأيضاً يكون قادرًا على الإبداع في مجالٍ ما، كالطفل بدر (ابن جلال) الذي وجد في الرسمِ وسيلةً للتعبيرِ عن نفسه.
(القسم الثاني)
بدايةُ هذا القسم هي قصةٌ جديدةٌ تختلفُ عن القصة السابقة في القسم الأول، ولكنها تتزامنُ معها في الصفحات التالية والقسم الأخير من الرواية، فتتحدثُ عن أبو زياد الذي يعملُ نجارًا في سوريا، والذي يغادرُ الحي الذي يسكنه مع عائلته إلى حيٍ آخر بحثاً عن الرزق، وعنده ولدٌ، وبنت زياد وليلاس، شخصية زياد هي شخصية الشاب الطائش الذي لا يمتلكُ العديد من الأهداف في الحياة، والتي يتعاملُ معها كيفما اتفق بعكس أصدقائه لذلك يترك المدرسة مبكرًا؛ لأنه يريدُ أن يعملَ مع والده، ويتزوج من الفتاة التي أحبها في الحي القديم، ويفرغ حياته للعمل، والحب، ورعاية أخته الصغيرة ليلاس.
بعد زواج زياد ببضعٍ من السنوات تبدأً الحرب السوريّة، والتي تدمر الإنسان، والمكان فترحل زوجة زياد، ووالده فيصبحُ هدفه الوحيد هو الانتقام لزوجته، الآن وجد هدفًا ولكنه ضاع منه؛ بسبب عقليته غير المدركة، أو التي تتعاملُ مع الأشياء باستهتارٍ مبالغٍ فيه.
تبدأ مرحلة الأحداث المأساويّة، والتي تعرضُ صورًا لا إنسانيّة من خلال استخدام شخصية زياد، وكيف أن الحربَ في سوريا أدت إلى انتشار القتلِ، والقهر، والاغتصاب، وفقدان أي مظهرٍ من مظاهر الإنسانيّة من خلال الاستعانة بمجموعةٍ من الشعارات الكاذبة، وتتحول الأزمة السوريّة إلى تجارةٍ من قبل تجار الحرب في سوريا الذين ينصبونَ أنفسهم متحكمين في الناس، أمثال: أبو القعقاع الذين ينضمُ إليه زياد لاحقًا، ليدفن هدفه في الحياة، ويتحول إلى مجرمٍ لا يختلفُ عن غيره من المجرمين في سوريا.
لعلَّ الرسالة التي يرسلها زياد لأمه، والدفتر الذي يتركه لأخته هما نوعٌ من أنواع الشواهدِ الحية على ما حدث في سوريا من نتائجٍ للحرب، التي حولت الشباب السوري إلى أشخاصٍ جدد لا يعرفون أنفسهم.
(القسم الثالث)
هذا القسمُ يحتوي على التزامن الذي ذكرته في مطلع مراجعة القسم الثاني، فتختلط قصة جلال وبدر مع ليلاس ووالدتها (زوجة خالها) ليصبح هذا الرابط تقاطعًا، وتكاملًا لأقدارهم معًا، فيصبح جلال طبيبًا في مخيم الزعتري، ويتعرفُ على ليلاس ويتابعُ حالتها النفسية، والمرضية.
يساهمُ هذا القسمُ في تسليط الضوء على ظاهرةٍ مؤلمةٍ جدًا، وهي زواج القاصرات الذي تحول بين العديد من اللاجئين إلى نوعٍ من أنواع التجارة الذي يقبضُ فيه الأب ثمن بنته بعد أن يبيعها لرجلٍ يكبرها بعشرات السنين، وهذا القصةُ من القصص المؤلمة الكثيرة التي تدمعُ لها العين، والتي نقلتها الرواية بتفاصيلها الحزينة.
إنّ دورَ ليلاس المحوري في حياة بدر هو مساعدته على التخلص بشكلٍ أفضل من تأثير التوحد عليه، فقد تمكنت من مشاركته في رحلته في العالم التوحد، وأيضًا دور بدر في حياة ليلاس ساعدها على التخلص من الحالة النفسيّة السيئة التي عانت منها نتيجةً للحرب في سوريا.
أرى أن انفعالات سلوى المتكررة تجعلُ شخصيتها غير واعية، وأن كثرةَ الغيرة في حياتها أدت إلى رحيل زوجها عنها الدكتور جلال، والذي فضلَ أن يسافرَ لمعالجةِ المصابين من الحرب في سوريا من أن يظلَّ مع سلوى، وكثرة مشكلاتها وخصوصًا مع والدة ليلاس، وهكذا يقررُ جلال أن يعيشَ مع لوحات بدرِ في سوريا حتى يقدم المساعدة للجرحى السوريين.
مع نهايةِ هذا القسم من الرواية تسدلُّ الستارة على أحداثٍ قد تمتدُ لسنواتٍ طويلة، وتشكلُ مشاهدَ متوقعةً عن الحالة التي قد تصلُ لها سوريا، فستولدُ من جديد لتحمل معها ذكرياتٍ عن الحرب، ذكرياتٍ لن تنسى أبدًا بعد أن كانت أغلب مدنها، وأحيائها خالية، فالأرضُ لا تنبتُ إلا بعد أنّ تُصبحَ خاوية.
مراجعة: مجد مالك