وصف المؤلف تامر أبوعرب كتابه الصادر عن دار "كيان" بالقبلة التي يطبعها على خد حبيبته مصر . ويحمل الكتاب اسم "فراعنة بلا أهرامات .. ما فعله الصغار بمصر الكبيرة" ويقع في 150 صفحة تم الانتهاء منه قبل ثورة 25 يناير، وأراد صاحبه نشره ليكون بمثابة تأريخ للسنوات الخمس الأخيرة من حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، مهدياً إياه إلى "شهداء يناير".
ويؤكد عرب في ظهر غلاف كتابه "أن ثورة يناير لم تكن نبتاً شيطانياً، وأن نظام مبارك ترك لنا مئات الفراعنة دون أن يترك لنا أهرامات"، فالمصريون الحقيقيون الذين يحبون مصر وهم يرقدون في عشش آيلة للسقوط وعلي أرض غارقة في مياه المجاري ويشربون مياها بها كائنات حية، ولا يملكون من متاع الدنيا إلا معاش السادات. هؤلاء هم أكثر فئة مستعدة لنهش أي عدو تسول له نفسه الاقتراب من وطنهم.
جاء الكتاب بتقديم دكتور عمرو الشوبكي، الذي يرى أن الكتاب لم يترك حدثاً كبيراً أو صغيراً إلا وتعرض له، وجاء الفصل الأول تحت عنوان "التغيير القسري والتغيير القيصري" طارحا سؤالاً محورياً: هل يرغب المصريون في تغيير النظام الحاكم فعلا؟.
أما الفصل الثاني فجاء عنوانه "ما فعله الحزب الوطني بوطن كان كبيراً" ويعرض "الآثار المدمرة التي تركها غزو الحزب الوطني بمصر"، راصداً أهم ما جري في تلك المرحلة بمصر من نظام يكره الأقوياء من علماء إلي سياسيين إلي كتاب، وعن علاقات مصر بأمريكا وأزماتها مع جيرانها وخاصة حركة حماس ومشكلات الخصخصة، وخطايا النظام التي يتحملها الفقراء.
الفصل الثالث يحمل عنوان "جمال مبارك.. الذي أفسد مشروع التوريث"، وأخيرا جاء الفصل الرابع تحت عنوان "بين الصحافة والرياضة" وتحدث عن كارثة مباراة مصر والجزائر وكيف أن "كباتن الكرة" ومعهم أشباه الفنانين تحولوا إلي خبراء سياسيين يهدمون العلاقات المصرية الجزائرية بلغة مسفة وجاهلة وهم الذين لم يقرءوا في حياتهم كتاباً وربما صحيفة واحدة.
وحلل الكتاب أيضا الخريطة السياسية المصرية ببساطة، فاعتبر أن الرهان على الإخوان رهان خاسر لأن الجماعة التي تأسست منذ أكثر من 80 عاما فشلت في أن تؤثر في معادلات السياسة والدعوة معاً، فلا أخلاق المصريين تحسنت بفضل خطاب الإخوان الديني والدعوي، ولا نظامهم السياسي تغير بفضل نشاط الإخوان السياسي، بل حافظ الإخوان على بقاء الجماعة ووحدتها منذ 1928 باعتبارها "أسمي الأماني"، وفشلوا أن يكونوا طرفا فاعلا في أي معادلة تغيير حقيقي في مصر، بحسب وجهة نظره .
لا يخفي الكاتب إحباطه في بداية كتابه، فيؤكد أنه تعلم أن الكتابة في مصر بلا أمل، لأن نظاما لا يحترم مواطنيه لا يمكن أن يتأثر بما تخطه أقلامهم. تطالب بعزل مسئول فيترقي، بالسيطرة علي رأس المال فيتوحش، بتحسين الأوضاع فتسوء، بهامش من الحرية فتُسجن!.
ويرى المؤلف أن نظام مبارك خنق العقول ، وعجل بسقوطه عوامل كثيرة بينها استبداد الحزب الوطني الحاكم الذي تحكمه أفكاراً تمنعه من القبول بتداول السلطة، أولها أن هذا الحزب ولد ليكون الحزب الحاكم ويرأسه رئيس الجمهورية، لم يجرب يوما العيش في الظل وبثوب الحزب المعارض، لا يتصورون اليوم الذي يمكن أن يخرجوا فيه من السلطة ويبتعدوا عن عدسات المصورين، وتحاصر فيه سيارات الأمن المركزي مقرهم أثناء عقد المؤتمر العام كما يفعلون الآن مع أحزاب المعارضة.
من ضمن ما يقوله أصحاب الحزب الوطني أيضاً أنهم يضيقون بالإخوان فقط لكنهم لا يجدون حرجا في التعامل مع الأحزاب والقوي الشرعية، و"خليك ورا الكداب" ، كما ينصحك الكتاب، محيلا قارئه إلي مشهد محاصرة عربات الأمن المركزي لحزب التجمع كلما عقد ندوة بداخله . وتنكيل الأمن بالمعارضين يوم 6 إبريل 2008 رغم أن الإخوان لم يكونوا من ضمن المشاركين ومحاصرة الدكتور أيمن نور في كل تحركاته وجولاته رغم أنه يعمل تحت غطاء حزبي.
ليخلص أبو عرب إلى أن النظام لا يكره الإخوان لكنه يكره الأقوياء ولو ظهر أي حزب قوي أو حاولت أي قوي شرعية أن تتحسس طريقها إلي الشارع ستهرسها الدولة تحت أقدام الأمن المركزي وتسحقها في سجون أمن الدولة.
من ضمن عوامل سقوط الفرعون أيضاً، كما يسميه ابوعرب، الخطاب الديني الذي سيطر عليه النظام السابق، فأصبح المصريون هذا الشعب المتدين سواء صدقا أو تمثيلا، محاطون بدعاة يحرمون الانقلاب علي الحاكم ويرغّبون في الفقر ويحذرون من الاعتراض علي قدر الله، فأني لهم أن يتحركوا ضد النظام الحاكم، هذا بالنسبة لهم يعني الاعتقال والتنكيل في الدنيا، والنار في الآخرة.
ويقول المؤلف أن من يطالبوننا بالتقشف وعدم الخروج على الحكام يخرجون من الاستديو والمساجد والكنائس، لدنياهم العامرة وسياراتهم الفارهة ! .
أيضاً من العوامل القوية لسقوط نظام مبارك مشروع توريث حكم مصر إلي جمال مبارك، ومحاولات الصحف الحكومية لجعل ذلك الأمر مقبولاً لدى الشعب، ويتساءل الكاتب: هل مازالت صحف الحكومة تعيش في الماضي، عندما كانت وحدها علي الساحة؟ وهل تعتقد أن الخبر لن يصل إلى الناس مادامت هي لم تنشره؟.
والسؤال الأهم: هل دخلت هذه الصحف في اللعبة وأصبحت الذراع الإعلامية لجمال مبارك؟، ويتوجه بسؤاله إلى الوريث المنتظر نفسه: ما قيمة الوصول إلي السلطة مادمت تعرف أن الذين وضعوا استمارات التأييد في الصناديق الانتخابية هم رجال الأمن وليس أهل البلد؟ ما شعور من يقبل بهذا الوضع وهو يعلم أن مواطنيه يدعون ليل نهار أن يخلصهم الله من حكمه؟ هل سيتجاهل كل هذا مكتفيا بعرش حتماً لن يدوم أم يصدق شيطانه وحوارييه عندما يوحون إليه أن البلاد كله تدعو له بطول العمر حتي لايحرمون من الجنة التي يعيشون فيها بفضله؟ أسئلة يطرحها المؤلف .