كتب "إسرائيل" السوداء

تاريخ النشر: 13 أكتوبر 2014 - 08:04 GMT
البوابة
البوابة

الكتب التي تسطرها الأنظمة في أي عصر من العصور إما كتب بيضاء تسجل إنجازات هذه الدولة أو تلك، وما حققته في مجال التنمية والإبداع في السياسة والاقتصاد والجوانب العسكرية، وما ساهمت به في مجمل الحضارة الإنسانية، وإما كتب سوداء حالكة السواد تحكي طغيان هذا النظام أو ذلك يكتبها المعارضون لهذه الأنظمة، يبينون فيها تجاوز هذه الأنظمة الحدود في عداوتها للشعوب واستهانتها بحقوقهم، ولذلك عنِيَتْ العديد من الدول بإصدار كتاباً تعدد فيه مناقب النظام الحاكم، وتحصي فيه مساوئ النظام السابق بالإضافة إلى إصدار كتب عن مرحلة الاستعمار التي مرت بها هذه الدول، وما عانت فيها من استبداد، ومصادرة للحريات. وتكون هذه الكتب مصدراً لمزيد من العطاء في المجالات كافة، ويكون فيها أيضاً الكثير من العبر والعظات. ولا شك أن أي دولة باغية لن تجرؤ على تسطير كتاب يحكي جرائمها، وما ارتكبته في حق غيرها من استبداد وطغيان وقهر، وعلى المتضررين من هذه الدولة أن يشمروا عن سواعد الجد، وأن يبادروا إلى تسطير مثل هذا الكتاب عن الدولة المعتدية لفضحها أولاً، وللحد من شرها حتى لا يقع الآخرون تحت سيطرتها ثانياً. ورغم تعرض الدول الإسلامية لأنواع عديدة من الاستعمار، وكل نوع من هذه الأنواع يحتاج إلى كتاب يكشف فضائحها، ويحذر الأمم منها، فإن أشد مرحلة استعمارية مرت بها دول الإسلام جميعها هي إنشاء كيان صهيوني غاصب في فلسطين، فهذه العصابات الصهيونية لم تكتف باستعمار الأرض، وتكبيل الحريات، بل سرقت بلداً بأرضه وسمائه، وببحاره وأنهاره، وبشعبه صاحب الأرض الشرعي، ورغم كل هذا العدوان لم تضع له عقوبة تكافئه لأنه لم يتصور أحد أن تقوم عصابة من الناس بسرقة وطن بشعبه وبكل مكوناته. وكي تتمكن هذه العصابة المجرمة من تحقيق كل ذلك، فإنها ذهبت في الإجرام والعدوان حداً لم تبلغه دولة استعمارية قبلها باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية التي فعلت نفس الشيء بشعب أمريكا الأصليين، وهم الهنود الحمر الذين أبادهم الغزاة عن بكرة أبيهم بشتى وسائل الإبادة. وحتى تتمكن العصابات الصهيونية من تحقيق حلمها في إقامة وطن لها في فلسطين كان لا بد لها من قوة تدعمها، فتقاسم هذا الدور دولتان من الدول العظمى، تولت الأولى غرس بذرة الشر، وتولت الثانية رعاية هذه البذرة وتعهدتها بالسقي والعناية التامة. الدولة الأولى التي غرست بذرة الشر هي بريطانياً التي أعطى وزير خارجيتها بلفورد وعداً لليهود بتمكينهم من إقامة وطن لهم في فلسطين، وسمي هذا الوعد (وعد بلفورد)، وسعت بريطانيا أثناء تقسيم الدول التي استعمرتها مع فرنسا في أعقاب سقوط الخلافة الإسلامية في تركيا فيما سمي بعد ذلك اتفاقية (سايكس بيكو) إلى أن تكون فلسطين ضمن المستعمرات البريطانية، وكان لها ما أرادت وخططت له، وكان ضمن الخطة التي وضعتها بريطانيا للوفاء بما تعهدت به لليهود أن تقوم بتمكين اليهود من أرض فلسطين بتسهيل هجرة اليهود إليها بشكل مدروس وممنهج، ولم تدخر بريطانيا وسعاً ولا جهداً في سبيل تحقيق هذا الهدف والسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين ليكونوا نواة لدولة الغدر والخيانة، وكان ذلك يتم عن طريق التصاريح الرسمية تارة، وغير الرسمية تارة أخرى. أما الدعم الثاني الذي مكن لليهود إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، فقد تولته الولايات المتحدة الأمريكية التي تقوم برعاية هذا الكيان الغاصب، ومده بالعون السياسي، والاقتصادي، والعسكري، ورعايتها لا تزال مستمرة، وصار التنافس في إظهار التأييد والمزايدة على زيادة الدعم لهذه الدولة اللقيطة ورقة انتخابية يحرص عليها مرشحو الرئاسة الأمريكية حتى ينالوا رضا اللوبي الصهيوني الذي تغلغل في شرايين الجسد الأمريكي حتى صار كالسرطان الذي يصعب علاجه والبرء منه. ومنذ ذلك التاريخ والكيان الغاصب يمارس إرهاباً لا نظير له من أجل تخويف السكان الأصليين من الشعب الفلسطيني المسالم لكي يترك أرضه، فتحتلها العصابات الصهيونية لتقيم عليها المستوطنات التي يسكنها اليهود القادمون من الشرق والغرب. واليهود الغاصبون يسيرون على نهج الغاصبين الذين جاءوا من أرجاء الأرض إلى أرض أمريكا التي يسكنها أهلها من الهنود الحمر، فاستولوا عليها، وأبادوا شعبها المسالم بشتى وسائل الإبادة. ونستطيع أن نقول ونؤكد دونما أية مبالغة: أن إنشاء الكيان الصهيوني الغاصب، الذي أطلق عليه فيما بعد (إسرائيل) هو على نمط الكيان الغاصب الذي أنشأه الغزاة الذين جاءوا إلى أرض أمريكا مع فارق في الحجم، وعدد السكان، والثروات، بل إن المفردات التي استخدمتها العصابات الصهيونية في مخططها الصهيوني هو عين المفردات التي استخدمها الغزاة الغاصبون الذين أطلقوا على ما اغتصبوه من أرض (أمريكا) ثم صارت فيما بعد (الولايات المتحدة الامريكية)، ومن هذه المفردات: الأرض الموعودة، والشعب المختار، وغيرها من المفردات. وهناك تيار سياسي في أمريكا يقود الحرب على الإسلام، هو تيار المسيحية الصهيونية (Christian Zionism)، وهذا يؤكد ما قلناه من استمرار الدعم الأمريكي للمخططات الصهيونية في حربها ضد الإسلام إلى درجة أن تلتحم المصالح الصهيونية والصليبية في جسد واحد لأن الغاية واحدة، ونؤكد تبعاً لهذا استحالة إدانة أمريكا للكيان الصهيوني الغاصب لأن معنى هذا أن تدين أمريكا نفسها، وتكشف سوأتها أمام العالم وهي التي لا يهدأ إعلامها عن ترديد أنها دولة ديمقراطية تسعى الى تحرير الشعوب من طغيان أنظمتها المستبدة في الوقت التي تدعم فيه هذه الأنظمة، وتدافع عن بقائها. وفي كتب إسرائيل السوداء صفحات بالغة السواد، وخطط جهنمية لا يستطيع حتى الشيطان نفسه أن يقوم بمثلها، لأن كيده مهما عظم، فهو ضعيف كما أخبر بذلك المولى عز وجل، فقال سبحانه: «..إن كيد الشيطان كان ضعيفا..» النساء/76. من هذه الخطط الشريرة التي قررت العصابات الصهيونية تنفيذها إنشاء فرقة الموت رغم أن الجنرال زامير لاحظ: «أن المسألة ليست بهذه السهولة، فقضية عرض موضوع إبادة الفلسطينيين أمام الوزارة للمصادقة عليه شيء، وعملية تدريب الفرقة ومتابعة نشاطها شيء آخر تماماً» (خديعة المائة عام.. جرائم المخابرات الإسرائيلية منذ نشوئها حتى الثمانينيات /آندجيهبرونياريك/ ترجمة: نديم اليافي/ ص259- نقلاً عن مجلة الساندي تايمز ماغازين). وقال زامير حول هذا: «إذا كان للعملية أن تكون ناجحة، فيجب علينا قتل كل أفراد القيادة وليست قتل قائد واحد» وأضاف: «إن حياة الكوماندوس العربي. يجب أن تكون خطرة لدرجة عدم وجود راغبين للقيام بقيادة العمليات المسلحة ضد إسرائيل» (المرجع السابق /ص 259). وقد أوردت المجلة الإسبوعية اللندنية المذكورة تفاصيل عن فرقة الموت هذه، وقالت: إنها تتألف من خمسة عشر شخصاً، مقسمين إلى خمس مجموعات: المجموعة أَلِفْ- وهو الحرف الأول باللغة العبرية- وكانت تتألف من قاتلين اثنين، وكانت مهمتهما تنفيذ عمليات القتل بسرعة وسرية. المجموعة بية- وهو الحرف الثاني باللغة العبرية- وتتألف من شخصين مهمتهما حماية عناصر المجموعة الأولى، وتغطية انسحابها. المجموعة هيت- وهو الحرف الثامن باللغة العبرية- وكانت مهمتها تقتصر على تحضير مكان العملية، فكان عناصرها يقومون باستئجار الفنادق والسيارات، وتهيئة الخرائط اللازمة للعمليات. المجموعة عين- وهو الحرف السادس عشر- وكان يقع على عاتقها تنفيذ الجزء الأهم من العمليات، وكانت تتألف من ستة إلى ثمانية أشخاص، ومهمتهم البحث عن الضحية وتحديد مكانها، إضافة إلى التعرف على نمط حياتها وعاداتها. المجموعة أوف- وهو الحرف التاسع عشر- وتتألف من شخصين ومهمتهما تأمين الاتصالات حيث كانت مهمة الأول البقاء على اتصال مباشر مع المجموعة المنفذة للعملية، أما الآخر فيقبع في أقرب سفارة إسرائيلية، ومهمته تأمين الاتصال بين المجموعات ومركز الموساد في تل أبيب..» (المرجع السابق/260،261). هذه هي بعض الصفحات السوداء التي خطتها يمين المخابرات الإسرائيلية، وشوهت بها صفحات التاريخ الإنساني، وألصقت بالحضارة الإنسانية عاراً لن يُمْحى إلى الأبد، ولم تقم إسرائيل بهذا وحدها، بل أعانها عليه قوم آخرون بداية من بريطانيا التي غرست البذرة الشريرة وانتهاءً بالولايات المتحدة الأمريكية التي لا تزال تمد هذا الكيان الغاصب بالدعم السياسي، والعسكري، والاقتصادي، بل الديني أيضا حيث نشأت فرقة في الغرب تطلق على نفسها المسيحية الصهيونية، وهي تسعى إلى إشعال نيران الحروب في منطقة الشرق الأوسط، لأن في ذلك التعجيل بنزول المسيح (عليه السلام)، وهذا اعتقاد باطل ما أنزل الله تعالى به من سلطان.(أنظر الموسوعة الحرة- ويكيبيديا- تحت عنوان- الصهيونية المسيحية). aalbinfalah@gmail.com