القاهرة - يبدأ ديوان "الحب جالس في مقهى الماضي" بما يشبه الاعتراف "أغني لعلني أولد.. أغني لانني أموت. أغني كأنني لم أولد.. أغني وكأننا لا نموت" وفي الصفحة الاخيرة بعد عشر قصائد هي مجمل الديوان سيكون القارئ أمام حقيقة أن "الجنود دمى من رصاص.. والرصاص رصاص..والدم دم".
الديوان الجديد فضاء شعري وانساني يضاف الى مجموعات شعرية تواصل الشاعرة اللبنانية سوزان عليوان اصدارها منذ نحو 20 عاما بدأب وحنو على القصيدة والقارئ الذي يجد الديوان الواحد أحيانا قصيدة واحدة وربما يرى الدواوين نفسها قصائد ممتدة تحتفظ بروحها ويؤدي سابقها الى اللاحق.
ولكن الشجن وربما الاسى يفرض مساحة نفسية أكثر اتساعا وعمقا في الديوان الجديد بداية من القصيدة الاولى "رسالة عيد الميلاد" حيث "لا مطر لاغسل سقوط العالم.. لا غربة أعمق من أن أحبك... على عكاز.. بخطوتين دون الاربعين.. على درب معتدة بضلوعي.. لاشياء لا تعرفني أفني.. لعلني أعرف كيف ينهض طائر من رمادك".
وصدر الديوان بغلاف يحمل لوحة رسمتها الشاعرة "من وحي ملاك مرسوم بالطبشور الابيض على جدار في باريس. الفنان مجهول". ويقع الديوان في 159 صفحة كبيرة القطع وصدر كعادة سوزان عليوان على نفقتها الخاصة.
والشاعرة التي تتكرر في قصائدها ولوحاتها تنويعات من مشاهد غربة ودهشة دائمة ولدت في بيروت من أب لبناني وأم عراقية الاصل وبسبب الحرب الاهلية صرفت سنوات طفولتها ومراهقتها بين جنوب اسبانيا الذي شهد تاريخ الاندلس وباريس ومصر حيث تخرجت عام 1997 من الجامعة الأميركية بالقاهرة.
وبروح الطفولة تصف العاصمة الفرنسية في قصيدة "الزهرات العواتم" قائلة "باريس مطر يتساقط/ليل موحل/شوارع ممحوة/ شجر فاحم لفرط وحشته/بلعب الورق يتسلى... باريس مطر يتساقط-وها هم يسقطون معا.. الطغاة والاطفال المطمورون بثلج الطريق".
ولكن باريس ليست صورة ثابتة وجامدة لمدينة بل هي أكثر من مدينة. ففي قصيدة "ملائكة الالوان المائية" تقول "باريس عربة هدايا تضيء أعيننا".
وتقول في مطلع قصيدة "كلما أهديتك كوكبا".. "الرابعة والربع فجرا/بيروت بعد المطر.. شوارع بعيون غرقى-ليل مورق باشارات مرور/كلب يتعكز على كتف ظله-بائعة مناديل/بسبات مصطبة على رصيف"، "رق الحبيب" "وأشواق بالحاح أطفال متشعلقين بأكمامي".
والقصيدة نفسها تحتفي بأغنية "رق الحبيب/التي لحنها محمد القصبجي وكتب كلماتها أحمد رامي وكلاهما عاشق صامت لام كلثوم/وتتضمن بيتا جميلا هو/من كتر شوقي سبقت عمري/ وتستمر روح الاغنية مع بطلة القصيدة في تيه مدينتها فتقول في نهاية القصيدة..".
"منذ مطلع الاغنية وأنا في رجاء رسالة/ والنجوم أكف على أحبار تلوح تماما كما يرسمها الصغار. من أدعو الى طاولتي والارق قطار فارغ.. لشبح القصبجي مقعد شاغر. عروش في روحي لرامي الذي عاش عاشقا ذليلا. نصف الحكاية دمعة. كل الحكاية-وجهك الذي لا يرويه نهر/وضحكة مدينة لا تتذكر أحدا". -(رويترز).