أزمة الديون السيادية تتيح فرصاً للمشاريع الصناعية والاستحواذ في الدول العربية

تاريخ النشر: 02 أكتوبر 2011 - 02:36 GMT
بما أن خريطة الدعم الاستثمارية تتغيّر بصورة سريعة، فإن هناك فرصاً جيدة لإعادة ترتيب الاستثمارات الخليجية، والاستفادة من الفرص التي تتوافر في أوروبا وفي البلدان الصاعدة
بما أن خريطة الدعم الاستثمارية تتغيّر بصورة سريعة، فإن هناك فرصاً جيدة لإعادة ترتيب الاستثمارات الخليجية، والاستفادة من الفرص التي تتوافر في أوروبا وفي البلدان الصاعدة

تتيح ظروف الأزمة المالية العالمية، وأزمة الديون السيادية في أوروبا، مزيداً من الفرص في المشاريع الصناعية والانتاجية لتنويع مصادر الدخل الوطني، كما يمكن للصناديق السيادية الخليجية تنفيذ عمليات استحواذ لبعض الشركات والمؤسسات العالمية المهمة والتي تتمتع بأوضاع مالية قابلة للنمو والربحية، كما التقليل من تداعيات الأزمة من خلال إعادة النظر في عديد من القضايا المالية والنقدية، بالاضافة إلى إعادة تقييم الاستثمارات الخليجية في الخارج.

ومثلما انتقلت عدوى أزمة الرهن العقاري، ومن ثم الأزمة المالية العالمية من الولايات المتحدة الأميركية إلى أوروبا وبقية بلدان العالم، فقد انتقلت أزمة الديون باتجاه معاكس لتنتقل من أوروبا إلى الولايات المتحدة وآسيا؛ ما ترك آثاراً سلبية على اقتصادات مختلف دول العالم. وإذا كان الاقتصاد العالمي قد دفع ثمناً باهظاً لمعالجة تداعيات الأزمة المالية بصدمتها الأولى، فإن معالجة الصدمة الثانية ستكون مؤلمة وطويلة الأمد وستكلف الاقتصاد العالمي خسائر جسيمة.

وتكمن أزمة الديون الحالية في شموليتها لاستثمارات بلدان العالم كافة تقريباً، فالولايات المتحدة ظلت على مدى العقود الستة الماضية المكان الآمن للاستثمارات الأجنبية، وخاصة تلك الاستثمارات الموظفة في سندات الخزانة الأميركية؛ الا أن هذه الصورة بدأت تتغيّر وتفتح المجال أمام تغيّر خريطة الاستثمار الأجنبي في العالم عموماً. ويؤكد هذه الحقيقة تخفيض التصنيف الائتماني السيادي للولايات المتحدة من قبل وكالة «ستاندرز اند بورز» من «AAA» إلى «+AA» وللمرة الأولى في التاريخ، مع نظرة سلبية ربما تتيح المزيد من التخفيض للتصنيف الائتماني لواشنطن في المستقبل. لذلك، فإن أزمة الديون وتخفيض التصنيف الائتماني ستطال خسائرها الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة، بما فيها الاستثمارات الأجنبية في سندات الخزانة الأميركية والمقدّرة بـ 4515 مليار دولار، من ضمنها 400 مليار دولار استثمارات عربية، وبنسبة 8.9 في المئة من إجمالي هذه الاستثمارات في هذه السندات خسائر مزدوجة من خلال انخفاض قيمة هذه السندات من جهة، وانخفاض العائد عليها من جهة أخرى.

هذا، وتتصدّر الصين بلدان العالم في امتلاك سندات الخزانة الاميركية، تليها كل من بريطانيا واليابان والبلدان المصدّرة للنفط، وفي مقدمتها البلدان العربية، كما يلاحظ ازدياد أهمية البلدان الصاعدة، كالبرازيل وروسيا في الاستثمار في هذه السندات؛ ما يشير إلى تزايد الأهمية الاقتصادية والمالية لهذه المجموعة في العلاقات الاقتصادية الدويلة؛ إذ يتوقع أن بتكبّد حاملو هذه السندات من الأجانب خسائر تقدر بـ 450 مليار دولار، بما فيها خسائر البلدان العربية، وذلك في حال بقاء التصنيف الأميركي عند مستواه الحالي، أو إمكانية تخفيضه مستقبلاً. بالإضافة إلى خسائر هذه الاستثمارات، فإن هناك تداعيات أخرى ترتبط بانخفاض سعر صرف الدولار في الأسواق العالمية؛ إذ سيؤدي ذلك إلى انخفاض قيمة العائدات النفطية للبلدان المصدّرة للنفط، وإلى انخفاض القوة الشرائية للعملات، وكذلك ارتفاع قيمة الواردات من السلع والخدمات لعديد من بلدان العالم.

وفي الوقت نفسه، فإنه لابد من استغلال بعض الفرص الثانوية التي يمكن أن تتوافر جرّاء انخفاض سعر صرف الدولار، والكامنة في إمكانية زيادة صادرات المنتجات الوطنية، وخاصة الصناعية منها؛ إذ ستخفض أسعارها في الأسواق الخارجية، مقارنة بمثيلاتها من صادرات البلدان غير المرتبطة بالدولار. وفيما يتعلق بالقضايا المالية والنقدية، فإن الآفاق المستقبلية للعملة الأميركية تبدو قائمة؛ إذ تشير الدلائل إلى تراجع القدرات الاقتصادية للولايات المتحدة، وبروز العملة الأوروبية «اليورو» كعملة احتياط دولية، وذلك على رغم أزمة منطقة اليورو؛ ما يتطلب إيجاد توازن بين العملتين لدعم الاستقرار المالي والنقدي في بلدان المنطقة.

وبما أن خريطة الدعم الاستثمارية تتغيّر بصورة سريعة، فإن هناك فرصاً جيدة لإعادة ترتيب الاستثمارات الخليجية، والاستفادة من الفرص التي تتوافر في أوروبا وفي البلدان الصاعدة، مع عدم إهمال السوق الأميركية، باعتبارها أكبر سوق في العالم. لذلك، فإن التعامل مع الأزمة المالية وأزمة الديون بصورة موضوعية سيتيح التقليل من الخسائر المتوقعة مع الاستفادة من الفرص المتوافرة والتي تفرزها الأزمة من جهة، وإعادة هيكلية الاقتصاد العالمي وتنامي دور البلدان الصاعدة من جهة أخرى.