تصاعد الضغوط والتحذيرات في الولايات المتحدة من خطة حرق القران

تاريخ النشر: 08 سبتمبر 2010 - 06:36 GMT
القس تيري جونز
القس تيري جونز

كثفت الحكومة الاميركية وزعماء دينيون وقادة عسكريون نداءاتهم يوم الثلاثاء لقس أمريكي مغمور كي يعدل عن خططه لاحراق مصاحف في ذكرى هجمات 11 من سبتمبر ايلول حيث تتزايد المخاوف من أن تؤجج الكراهية الدينية.

وكان القس تيري جونز من مركز "دوف وورلد أوت ريتش" في جينسفيل بولاية فلوريدا أعلن أن السبت الذي يوافق الذكرى التاسعة لهجمات 11 ايلول/سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة سيكون "يوما عالميا لحرق المصاحف"، مما أثار انتقادات واسعة من البيت الأبيض وزعماء دينيين من جميع الديانات في أنحاء الولايات المتحدة.

تشديدات امنية

وقال بوب وودز، مدير الاتصالات بالمدينة "لضمان السلامة العامة فإن مدينة جينسفيل تراقب الوضع عن كثب مع وضع خطط تضم مجموعة واسعة من خطط الطوارئ". ولم يذكر تفاصيل أخرى عن الإجراءات الأمنية المخطط لها مشيرا إلى مخاوف أمنية.

وتحظر عمليات الحرق في العراء وخارج المنازل بمدينة جينسفيل وتحتاج إلى تصريح. وقال وودز إن إدارة مكافحة الحريق رفضت منح جونز هذا التصريح. وفي حالة مضي جونز قدما في خطة حرق المصاحف فإنه بذلك ينتهك أنظمة المدينة.

وأضاف وودز أن مسؤولي المدينة التقوا كثيرا مع ممثلين عن مركز دوف لإلغاء الخطة. وقال عمدة المدينة كريغ لو في بيان إنه يدين "السلوك العدواني الموجه إلى جيراننا المسلمين وأصحاب العقيدة الإسلامية في أنحاء العالم... جماعة دوف مجموعة متطرفة صغيرة وتسبب الحرج لمجتمعنا". ويبلغ عدد سكان المدينة 117 ألف شخص وهي مقر لجامعة فلوريدا.

وقالت مصادر في هيئات انفاذ القانون ان عددا من التهديدات بالقتل وجهت الى جونز ومن بينها تهديد قيل أنه من "منظمة ارهابية" معروفة وان مكتب التحقيقات الاتحادي ووكالات اتحادية أخرى تعمل مع السلطات المحلية في جينسفيل.

وقالت تشارنا شين المتحدثة باسم شرطة جينسفيل لرويترز انه سيكون هناك "وجود مكثف للشرطة" حول الموقع الذي يعتزم جونز أن يحرق فيه المصاحف وهو من الممتلكات الخاصة في حي سكني في جينسفيل. ولم تكشف عن تفاصيل متذرعة بأسباب أمنية.

وقالت مصادر انفاذ القانون ان كنيسة جونز وقعت في مشكلة مع السلطات من قبل بسبب محاولتها ارسال أبناء أعضاء الكنيسة الى المدارس مرتدين قمصانا مكتوبا عليها "الاسلام من الشيطان." وحظرت المدارس المحلية هذه القمصان.

وقال القس تيري جونز  انه يصلي من أجل الحدث ولكنه لم يبد أي علامات فورية على التراجع عن خطته.

ويثير الحدث المزمع مخاوف متزايدة من اشتداد التوترات بين المسيحيين والمسلمين في المجتمع المتعدد الديانات في الولايات المتحدة.

وأثارت خطة حرق مصاحف علنا داخل الولايات المتحدة احتجاجات غاضبة في أفغانستان حيث تحارب القوات الامريكية متشددي طالبان وقال قادة عسكريون أميركيون ان الحدث قد يعرض حياة الامريكيين للخطر.

وتأتي هذه الخطة في وقت احتدم فيه النقاش في الولايات المتحدة بسبب اقتراح بناء مركز ثقافي اسلامي ومسجد قرب موقع مركز التجارة العالمي الذي كان هدفا لهجمات 11 من أيلول/سبتمبر في نيويورك. ويقول معارضو الخطة ان هذا الاقتراح لا يراعي حساسيات أسر ضحايا الهجمات التي شنتها القاعدة.

"عمل غبي وخطير"

وفي سياق متصل، فقد اعتبر وزير العدل الأميركي اريك هولدر الثلاثاء إن حرق نسخة من المصحف سيكون عملا "غبيا وخطيرا".

وكان الوزير هولدر يتحدث الى مسؤولين دينيين في واشنطن خلال لقاء عقد لدرس الوسائل الكفيلة بوضع حد لأعمال العنف ضد الأفراد أو المؤسسات التي ترتكب بدوافع دينية.

كما وجه البيت الابيض ووزارة الخارجية تحذيرات صارمة توضح ان حكومة الرئيس باراك اوباما تأسف لهذه الخطة.

وقالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون خلال مأدبة إفطار أقامتها الثلاثاء في مقرّ وزارة الخارجية الأميركية إنها تندد بعزم إحدى الجماعات الدينية حرق نسخ من القرآن وأعربت عن ارتياحها للإدانة الواضحة لهذا العمل الذي وصفته بالمشين.

وأضافت كلينتون: "أنا أشعر بالارتياح لهذه الإدانة الواضحة والتي لا لبس فيها لهذا العمل المشين والوقح، والتي صدرت عن عدد من كبار رجال الدين الأميركيين من كل الأديان وكذلك عن المسؤولين الأميركيين العلمانيين وقادة الرأي، وإلتزامنا بالتسامح الديني يعود إلى بدايات أمتنا وبلادنا."

وأعلنت كلينتون السعي إلى إيجاد أرضية مشتركة بين جميع الناس. وقالت: "القصة الحقيقية للإسلام في أميركا يمكن إيجادها في هذه القاعة وفي قاعات مماثلة على امتداد أميركا، لقد اجتمعنا الليلة بروحية التسامح والترحاب وهذه هي السمة المميزة لشهر رمضان المبارك، وسنواصل هذا على مدى السنوات المقبلة للفت انتباه الناس في مختلف أنحاء الأرض إلى ضرورة إيجاد أرضية مشتركة ومفاهيم مشتركة واحترام مشترك."

وذكرت كلينتون بالمبادرة التي أطلقتها حول التعاون من أجل تعزيز الفرص في المجتمعات الإسلامية حول العالم وشددت على أهمية انخراط الجميع في مثل هذه المبادرات. جدير بالذكر أنه حضر مأدبة الإفطار في وزارة الخارجية الأميركية قادة المجتمع المدني من المسلمين الأميركيين وأعضاء السلك الدبلوماسي، إضافة إلى نحو 75 شخصية من رواد الأعمال والابتكار من المسلمين الأميركيين الذين هم دون الـ30 من العمر.

وقال بي.جيه. كرولي المتحدث باسم وزارة الخارجية في واشنطن "نحن نعتقد ان هذه أفعال استفزازية وهي تنطوي على استخفاف وتعصب وتثير الفرقة."

واضاف قوله "نود ان نرى مزيدا من الامريكيين يهبون ويقولون هذا يخالف قيمنا الامريكية. وفي الواقع فان هذه الافعال نفسها ليست من طبيعة الامريكيين."

وأقر المتحدث باسم البيت الابيض روبرت جيبز التحذير الذي اطلقه قائد القوات الامريكية وقوات حلف شمال الاطلسي في أفغانستان الجنرال ديفيد بيتريوس من ان حرق مصاحف القران "يضع قواتنا في خطر."

وفي واشنطن عبر قادة مسيحيون ويهود بارزون عن الاسف لاهانة الحرية الدينية وعن رفضهم الشديد لافعال قد تحرض على التعصب الديني. وأدانوا خطط كنيسة فلوريدا.

وقال ريتشارد سيزيك وهو زعيم انجيلي بارز "بوصفي انجيليا أقول لمن يفعلون هذا أنت تجلبون العار لاسم يسوع المسيح وان تعصون بشكل مباشر أمره بحب جيراننا."

وندد الامين العام لحلف شمال الاطلسي أندرس فو راسموسن يوم الثلاثاء بخطة حرق المصاحف قائلا انها عدم احترام للاخرين وقد تعرض القوات الغربية في أفغانستان للخطر.

وقال جونز لقناة (سي ان ان) انه يأخذ بجدية تحذيرات القادة العسكريين الامريكيين بشأن احتمال أن ينتقم المسلمون من الخطوة التي سيقدم عليها لكنه لم يبد اي استعداد للتراجع.

وقال في المقابلة التي أذاعتها (سي ان ان) "متى سنكف عن التراجع.. متى ستقف أمريكا مع الحقيقة.. بدلا من أن يوجه الينا اللوم على ما سيفعله أو لن يفعله اخرون لم لا نرسل نحن لهم تحذيرا."

وتظاهر مئات الاشخاص معظمهم من الطلاب في العاصمة الافغانية كابول يوم الاثنين احتجاجا على خطة احراق المصاحف في فلوريدا مرددين "الموت لامريكا".

ونددت الحكومة الامريكية من خلال سفارتها في كابول بما سمته "الاعمال التي تنم عن عدم احترام للدين الاسلامي".

الفاتيكان يندد

وانضمت صحيفة الفاتيكان "أوسرفاتور رومانو" إلى منتقدي حملة "اليوم الدولي لحرق القرآن".
وتحت عنوان " لا أحد يحرق القرآن" ، أعربت الصحيفة في أحدث إصداراتها عن تخوفها من أن يفسح هذا الإخراج البروتستانتي لإحياء ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر الطريق لإلحاق الأذى بشكل كبير بالأقليات المسيحية في الدول ذات الغالبية المسلمة.
ونقلت الصحيفة عن أوسوالد جارسياس ، رئيس أساقفة مومباي ولورانس جون سالدانا ، رئيس أساقفة لاهور تصريحات تدور حول نفس المعنى.
وفي سياق متصل قالت الصحيفة إن الكاثوليك في أندونسيا ذات الأغلبية الكبيرة من المسلمين يساورهم أيضا القلق بسبب مثل هذه المبادرة.

تضامن ديانات

وقد أصدر عددٌ من كبارِ زعماءِ الطوائف الدينية المسيحية واليهودية والإسلامية بيانا نددوا فيه بخطط حرق المصحف.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك عقدوه في واشنطن تناوب اثنان منهم في تلاوة البيان نيابة عن الآخرين. وجاء في الجزء الذي تلاه القس جيرالد درولي من الكنيسةِ المعمدانية في ولاية جورجيا:

"يندد الزعماء الدينيون بالتعصب الأعمى المعادي للمسلمين، ويطالبون باحترام التقاليد الأميركية التي تؤمن بحرية العقيدة. وكقادة دينيين في هذه البلاد العظيمة اجتمعنا في عاصمة بلادنا لنندد بصورة قاطعة بالاستخفاف والتضليل والتعصب الأعمى السافر الموجه ضد الجالية الإسلامية في أميركا".

ودعا البيان إلى التصدي لهذه الظاهرة بقوة "إن الصمت ليس خيارا. وليس أمام القادة الروحيين خيار سوى اتخاذ موقف قوي لتلبية أسمى مبادئ عقائدهم المختلفة، الأمر الذي يمكنهم من جعل أميركا مكانا أكثر أمنا وقوة لجميع مواطنيها".

وجاء في الجزء الذي تلته الحاخامة نانسي كريمر المتخصصة في العلاقات بين الأديان: "إن التهديدَ بإحراقِ القرآن الكريم يوم السبت المقبل يمثل اعتداء سافرا يستحق أقوى درجات التنديد من قِبَل كل الناس الذين يَتمسكون بالأخلاقِ الحميدةِ في الحياةِ العامة، ويريدون تكريم ذكرى من فَقدوا أرواحَهُم في الحادي عشر من سبتمبر". وجاء فيه أيضا:

"إننا كقادة دينيين مستاؤون لهذا الازدراء لكتابٍ مقدسٍ ساهم على مدى قرونٍ عديدة في صياغةِ كثيرا من الثقافات التي عرفها عالمُنا، وما زال حتى الآن يوفر الطُمأنينة الروحية لأكثر من مليار مسلم اليوم".

وقال الكاردينال ثيودور ماك كاريك من واشنطن إن الحديثَ عن إحراقِ المصحف يَنطوي أيضا على إساءةٍ لسمعة الولايات المتحدة: "أشعر بخوف شديد من أن يعتقد البعض أن قصص التعصب الأعمى والكراهية والعداء للآخرين تعكس الصورة الحقيقية لأميركا رغم أن ذلك ليس صحيحا. بلادنا ليست هكذا. وعلينا أن نتأكد أن العالم يعرف أن بلادنا هي البلاد التي تتوفر فيها حرية العقيدة، واحترام الجيران ومحبتهم".